كتب محمد الجمل:
يتواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ومعه حرب التجويع، التي تؤدي إلى انتشار الفوضى، حيث باتت الأخيرة منتشرة في القطاع بشكل غير مسبوق.
"الأيام" رصدت مشاهد توثق بعضاً من مظاهر الفوضى في قطاع غزة، منها مشهد يرصد قيام بعض العائلات بنهب مئات الأطنان من المساعدات، ومشهد آخر تحت عنوان "شجارات مسلحة"، ومشهد ثالث يُوثق انتشار ظاهرة حمل السلاح الأبيض في شوارع القطاع، خاصة من قبل الشبان.
عائلات تنهب المساعدات
مازالت الفوضى تعصف بقطاع غزة، خاصة جنوبه، وتستمر عصابات مكونة من عدة عائلات بقطع الطريق على شاحنات المساعدات في خان يونس، وسرقة مئات الأطنان من المساعدات وإخفائها، وتقطيرها على الأسواق، ما يبقي على أسعار الطحين والمواد الأساسية مرتفعة.
وشهدت الساعات الماضية أكثر من عملية سطو منظمة ومسلحة استهدفت شاحنات المساعدات قرب منطقة "الضهرة"، وقرب دوار بني سهيلا، وفي محيط منطقة "الشيخ ناصر"، بمحافظة خان يونس، جنوب القطاع، إذ قامت بعض العائلات التي تمتلك ميليشيات مسلحة، بسرقة ما يزيد على 70 شاحنة، محمّلة بالطحين، والسكر، وزيت الطعام، والأرز، وسلال غذائية، وتم إخفاؤها وضخ القليل منها للأسواق.
واللافت أن عمليات السرقة التي نفذها مسلحون، جرت داخل مناطق "حمراء"، خاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، وعليها إطباق جوي من عشرات الطائرات، التي ترصد كلّ حركة فيها، رغم ذلك لم يتعرض الاحتلال لأي من اللصوص، بل تركهم ينهبون الشاحنات بحرّية.
ولاقى هذا الفعل حالة من الغضب والاستياء العارم في صفوف المواطنين، حيث تسبب ذلك في حرمانهم من المساعدات، التي ذهبت إلى عدد محدود من المواطنين.
وقال المواطن يوسف صلاح إنه شعر بسعادة حين علم أن عشرات الشاحنات جرى تأمينها ووصلت إلى المخازن وبدئ بتوزيعها على المواطنين في مناطق شمال قطاع غزة، وتمنى أن يحدث هذا في جنوب القطاع، وظن أنه سيكون هناك تأمين مماثل للشاحنات، حتى صدم بما حدث فجر وصباح أول من أمس، حيث جرى سرقة الشاحنات.
وأكد أن ما يحدث جريمة، فثلاث عائلات منفلتة تتسبب بتجويع 2 مليون شخص، وإذا ما تركت ستقلدها عائلات أخرى، ويصبح الأمر أكثر كارثية، لذلك يجب التحرك ضدهم، خاصة أن محركي هذه العائلات معروفون.
وأوضح صلاح أن الطحين الذي سُرق يباع في أسواق جنوب القطاع بأسعار مرتفعة، لا يمكنه وغيره من النازحين الفقراء شراؤه، وهذا يضع علامات تساؤل حول هدف هذه العائلات ومن يحركها، خاصة أنهم يعملون على إنجاح مخططات الاحتلال، المتمثلة بالتجويع الذي يؤدي إلى الفوضى، داعياً إلى السير على نهج شمال القطاع، وأن تتحرك العائلات الشريفة، وهي كثيرة، للتصدي للعائلات المارقة، وتعمل على تأمين وصول المساعدات.
شجارات مسلّحة
باتت الشجارات المسلحة التي تندلع في مختلف مناطق قطاع غزة، خاصة داخل وفي محيط مخيمات النازحين، واحدة من أخطر مظاهر الفوضى التي تعمّ القطاع، وغالباً ما يكون ضحاياها من المارة، أو النازحين المتواجدين في خيامهم، رغم أنهم ليسوا طرفاً في الشجارات.
ويومياً تُسمع أصوات إطلاق نار كثيف داخل وفي محيط المخيمات، يتخلله أحياناً انفجارات، تنجم عن إلقاء قنابل، ما يخلق حالة من الخوف والهلع، ويدفع المواطنين إلى النزوح من بعض المناطق.
وذكر المواطن يوسف أبو جمعة، أنه وبينما كان في خيمته بمحيط منطقة العطار في مواصي خان يونس، سمع فجأة إطلاق نار كثيفا، وبدأ الرصاص يضرب في الخيام، وسادت حالة من الفوضى والرعب الشديد في المكان، وكانت النساء تصرخ، والأطفال يبكون، بينما الرصاص يستمر في الانطلاق.
وأشار إلى أن سبب إطلاق النار كان شجاراً بين عائلتين، وللأسف عشرات الأفراد من العائلتين يحملون السلاح، ويطلقون النار باتجاه الخيام، وقد سقط ضحايا من الأبرياء ممن ليس لهم ناقة ولا جمل في الموضوع.
وأوضح أبو جمعة أنها ليست المرة الأولى التي يندلع فيها شجار مسلح في مناطق المواصي، وكل يوم يتكرر هذا الأمر، ولا يوجد جهة أمنية يمكنها ضبط الأمر، والسيطرة على الشجارات.
بينما أكد المواطن أيمن حمدان، الذي يقطن قرب منطقة "فش فريش"، بمواصي خان يونس، أن هذه المنطقة تقطنها عائلات كبيرة، ودائماً تندلع شجارات مسلحة فيها، ويبدو أن الناس بسبب النزوح والمعاناة ضاق خلقهم، وعلى أقل شجار يخرجون السلاح ويطلقون النار، وأن غياب الشرطة أو الجهات الأمنية يجعل الشجارات تتصاعد وتتمادى، خاصة إذا ما سقط فيها قتلى، ودائماً ما يكون الضحايا هم من النازحين العزل، الذين يعيشون في خيام لا تحميهم من الرصاص المتطاير في كل مكان.
ولفت إلى أنه بات يخشى على أبنائه وعائلته، فمن جانب يصل رصاص الاحتلال المتواجد شمال غربي رفح إلى خيامهم، ومن جانب آخر يعانون بسبب الفوضى وحالة الانفلات الأمني، وتكرار استخدام السلاح بشكل يومي، مؤكداً أن الأوضاع في قطاع غزة تتدهور، وكل يوم يمر يكون أسوأ من اليوم السابق، والحل وجود جهة قوية تضبط الأمن وتصادر سلاح العائلات، وتضع حداً لمظاهر الفوضى المنتشرة في القطاع.
ووصل الأمر إلى حد تهجّم بعض العائلات على مستشفيات في القطاع وتكسير محتوياتها، وحرق الأقسام، كما حدث مؤخراً في مستشفى ناصر الحكومي.
انتشار حمل الأسلحة البيضاء
انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة حمل السلاح الأبيض من قبل غالبية المواطنين، خاصة فئة الشبان.
وانقسم حاملو السلاح الأبيض إلى نوعين، الأول "بلطجية"، يحملونه بهدف الاعتداء على المواطنين، وسلب ما يحملونه سواء مواد غذائية، أو أموال، أو حتى هواتف نقالة، ويتركز وجود هؤلاء قرب مراكز المساعدات الأميركية، وفي محيط ما يُعرف بـ"تبة النويري"، غرب مخيم النصيرات، وهي التي تصل وسط القطاع بشماله، ويزيد انتشارهم في ساعات الليل، والنوع الآخر من حاملي السلاح الأبيض وهم شبان حملوه من أجل الدفاع عن أنفسهم، في حال تعرض لهم "بلطجية".
وقال الشاب حسن عبد المجيد، إنه لم يفكر في حياته بأن يحمل أو يقتني أي نوع من الأسلحة، لكنه بعدما علم أن أحد أقاربه تعرض للسرقة و"البلطجة" وسط القطاع، وسرق اللصوص منه أمواله وهاتفه النقال، قرر أن يحمل أي شيء يدافع فيه عن نفسه عند الضرورة، وبما أن الأسلحة النارية نادرة وأسعارها مرتفعة جداً، وهو لا يُجيد استخدامها، قرر حمل سكين "خنجر"، وبالفعل اشترى واحداً، وبات يحمله أينما يتحرك، خاصة في ساعات الليل.
وأشار عبد المجيد إلى أنه يفضل الموت دفاعاً عن نفسه وأمواله، على أن يستسلم للصوص "بلطجية" يسرقون ما معه، فهذا الأمر ورغم أنه يحدث عنوة وبالإكراه، إلا أنه يظل وصمة عار للشخص، ويسمى محلياً "تعليمة"، في إشارة إلى أن اللصوص تركوا علامة صعبة لا يمكن للضحية نسيانها.
من جهته، قال المواطن عبد الرحمن حمدان إنه يُشاهد العائدين من مراكز المساعدات الأميركية وهم يحملون على أكتافهم المساعدات، وفي أيديهم أسلحة بيضاء يشهرونها علناً، وكأنهم يقولون للصوص و"البلطجية" إنهم مستعدون للدفاع عن أنفسهم.
وبيّن حمدان أن ظاهرة حمل السلاح الأبيض باتت منتشرة، وهناك أشكال متنوعة منها "المشرط"، ومنها السكين، وبعضها على شكل سيوف، وأخرى عبارة عن قطع معدنية مدببة، وهذه الظاهرة تعد خطيرة، وتوقع إصابات في صفوف الفتية والشبان.
وأوضحت مصادر طبية أن مستشفيات القطاع عادة ما تستقبل حالات من مواطنين، غالبيتهم فتية وشبان، مصابون بسبب تعرضهم للضرب بأسلحة بيضاء، وبعض الإصابات تكون مميتة، وأخرى تنتج عنها عاهات مستديمة، وإصابات تكون بحاجة إلى جراحات دقيقة وجراحات تجميلية، بسبب وجودها في أماكن حساسة مثل الوجه.
0 تعليق