Published On 1/9/20251/9/2025
|آخر تحديث: 12:43 (توقيت مكة)آخر تحديث: 12:43 (توقيت مكة)
في إنجاز فلكي غير مسبوق، تمكن فريق بحثي دولي من قياس كتلة ثقب أسود "خامد" يقع في قلب مجرة عدسية تُعرف باسم "حدوة الحصان"، على بعد ما يقرب من 5 مليارات سنة ضوئية.
وقدّر العلماء أن كتلة هذا الثقب الأسود تبلغ نحو 36 مليار مرة كتلة الشمس، ما يضعه ضمن فئة الثقوب السوداء فائقة الكتلة النادرة في الكون.
وكشفت الدراسة المنشورة حديثا في دورية "مانثلي نوتس أوف ذا رويال أسترونوميكال سوسايتي" عن تقنيات رصد وقياس مبتكرة، إذ استخدمت عدسات جاذبية كونية طبيعية صنعها نسيج الزمان والمكان بذاته ودمجها مع تقنيات أخرى.
كما يوضح الاكتشاف المراحل النهائية لتطور المجرات العملاقة، ويمهد الطريق لمسح شامل للثقوب السوداء في الكون بواسطة التقنيات الجديدة.
يقول كارلوس ميلو-كارنيرو، الباحث في الجامعة الفدرالية دو ريو غراندي دو سول في البرازيل، والباحث الرئيسي في الدراسة، في تصريحات حصرية للجزيرة نت: "اكتشافنا مثير لسببين رئيسيين: أولا، تمكنا من قياس كتلة ثقب أسود في مجرة تبعد حوالي 5 مليارات سنة ضوئية، وهذا إنجاز فائق الصعوبة لأنه لا يجذب المادة المحيطة به بنشاط ولا يتألق بشدة، وهي الطريقة التي نكتشفه بها عادة في المجرات البعيدة".
ويضيف ميلو-كارنيرو: "وثانيا، تقع هذه المجرة في نظام يُعرف بـ’المجموعة الأحفورية’ (أي أنها عتيقة زمنيا)، وهو ناتج عن اندماج مجموعة كاملة من المجرات في مجرة هائلة واحدة. ربما نشهد في هذا النظام المرحلة النهائية لتطور المجرات والثقوب السوداء فائقة الكتلة معا".

عين جديدة على الكون
اعتمد الفريق على تقنية مزدوجة تجمع بين عدسات الجاذبية القوية وقياس حركة النجوم القريبة من مركز المجرة. إذ تشوه كتلة المجرة وثقبها الأسود الهائل نسيج الزمكان، فتعمل كعدسة تحني الضوء القادم من المجرات الخلفية بجاذبيتها لتظهر على شكل قوس مشوه.
إعلان
تخيل أن الزمكان يشبه غشاء مطاطيا أملس، عندما تضع عليه كرة صغيرة، فإنها تحدث انحناء وهبوطا بسيطا. أما إذا وضعت كرة ضخمة وثقيلة مثل كرة بولينج، فإن الغشاء سيغوص للأسفل بشكل واضح.
أما الأجسام الصغيرة مثل كرة الجولف عندما تمر فوق الغشاء المنحني للأسفل بسبب كرة البولينج الكبيرة، ستنحني مع نسيج الغشاء بدلا من السير بخط مستقيم. هذا الانحناء هو ما تفعله الكتلة في نسيج الزمكان، حيث تشوه الأجسام الثقيلة مثل الكواكب والنجوم والثقوب السوداء نسيج الزمكان وتجعل الأجسام الأخرى، بل والضوء نفسه، يسير في مسارات منحنية.
يقول ميلو-كارنيرو: "انحناء الضوء بهذا الشكل يرتبط مباشرة بكتلة الثقب الأسود، ومن خلال تحليل هذا التشوه مع قياس سرعات النجوم حول المركز، حصلنا على أدلة مختلفة تشير جميعها إلى مدى قوة الجاذبية في مركز المجرة، وهذا يمنحنا ثقة كبيرة في النتيجة".
عندما تمر أشعة الضوء من مجرة بعيدة، في الخلفية أثناء الرصد بجانب مجرة أو عنقود مجري ضخم في المقدمة بالنسبة للشخص الراصد، تنحني هذه الأشعة بفعل الجاذبية، وهو ما استفاد منه الباحثون كأنه "عدسة" طبيعية كونية معتمدة على جاذبية المجرة القوية.
إذا كانت المجرة الخلفية مصطفّة تقريبا خلف العدسة المجرية، أي خلف المجرة المرصودة في المقدمة، يمكن أن يتحول ضوؤها إلى شكل أقواس في الصورة.
باستخدام تلسكوب هابل الفضائي وكاميرا طيفية متخصصة على "المقراب الكبير جدا" الأوروبي في تشيلي ذو القوة البصرية الهائلة، حلّل الفريق صورة القوس الشعاعي للمجرة الخلفية وسرعات النجوم داخل المجرة، إذ تتأثر سرعة النجوم بكتلة الثقب الأسود المركزي، ثم دمجوا النتائج في نموذج مشترك. والنتيجة كانت رصد واضح لثقب أسود بكتلة تبلغ نحو 36 مليار شمس بدقة عالية إحصائيا.
وإليك مقطع فيديو يوضح عدسة الجاذبية الكونية إذ يتشوه شكل المجرة الخلفية على شكل أقواس شعاعية:
صورة من المستقبل الكوني
يضع ذلك الثقب الأسود الجديد في قائمة الأضخم على الإطلاق، وحاليا يعتقد فريق من العلماء منذ عام 2019 أن "تون 618″، هو الثقب الأسود الأكبر، إذ يزن حوالي 40 مليار كتلة شمسية، لكن لا تزال هناك حاجة للمزيد من التأكيدات.
وتُظهر الدراسة الجديدة لمحة فريدة لما يمكن أن تصبح عليه أكبر الهياكل في الكون بعد مليارات السنين من النمو. ويشرح ميلو-كارنيرو: "نحصل هنا على لقطة نادرة للنهاية المحتملة لأكبر المجرات والثقوب السوداء في الكون، وكيف قد تبدو بعد مليارات السنين من التطور والاندماج". فالمجرة المضيفة تنتمي إلى مجموعة عتيقة، وهي مرحلة نهائية تتلاشى فيها المجرات الصغيرة داخل مجرة وحيدة ضخمة في مركز الجاذبية.
ويمثل هذا الاكتشاف خطوة مهمة نحو بناء خريطة كاملة لتوزيع الثقوب السوداء العملاقة في الكون. ومع تكثيف عمليات الرصد المستقبلية، يتوقع العلماء أن تتحول هذه اللقطات النادرة إلى قاعدة بيانات ضخمة.
ويقول ميلو-كارنيرو: "بفضل هذه المسوح سنتمكن من الحصول على إحصاء أفضل لهذه الأجسام العملاقة عبر الزمن الكوني، مما سيحسن فهمنا لكيفية نموها وتطورها مع المجرات المضيفة".
إعلان
كما تشير النتائج إلى أن المجرات العملاقة وثقوبها السوداء لا تتبع بالضرورة القواعد نفسها التي تحكم المجرات الأصغر. فالعلاقة المعروفة بين كتلة الثقب الأسود وسرعة النجوم في مركز المجرة تبدو أكثر انحدارا عند الكتل الفائقة، ما قد يعني أن آليات نمو هذه الثقوب السوداء تختلف جذريا.
يختتم ميلو-كارنيرو قائلا: "عندما نكشف المزيد من هذه الثقوب السوداء الخامدة على مسافات كبيرة، سنفهم بشكل أفضل كيف تتطور أعظم البُنى في الكون، وكيف تنتهي حياة المجرات العملاقة بعد رحلة نمو امتدت مليارات السنين".
0 تعليق