في مشهد يعكس قسوة الحياة اليومية التي خلّفتها الحرب الإسرائيلية الممتدة على مدار أكثر من 19 شهرا في قطاع غزة، اضطر العديد من الطلاب لإحراق كتبهم الدراسية في سبيل استخدامها لطهي الطعام في ظل انقطاع غاز الطهي ونفاد الأخشاب الخاصة بإشعال النار.
وحرمت الحرب التي اندلعت في أكتوبر 2023، الطلبة الفلسطينيين في قطاع غزة من استكمال المراحل التعليمية الخاصة بهم، في وقت تعرضت فيه غالبية المدارس والجامعات للقصف والتدمير كليا أو جزئيا، والبعض المتبقي تحول إلى مراكز لإيواء النازحين.
وفي ظل استمرار الحصار الإسرائيلي الخانق، يجد سكان قطاع غزة أنفسهم في مواجهة أزمات متلاحقة، وأبرزها شح الوقود وانقطاع وغاز الطهي، وهو ما يدفعهم للبحث عن بدائل مؤقتة، حتى لو كانت على حساب التعليم.
وأمام هذا الواقع، لم يجد بعض الطلاب وأسرهم خيارا سوى اللجوء إلى كتبهم الدراسية القديمة لإشعال النيران، في مفارقة بين العلم والنار، بين حلم المستقبل ومتطلبات البقاء.
وتعاني المؤسسات التعليمية في غزة شللا شبه تام، والمدارس إما مدمرة أو مغلقة، والجامعات غير قادرة على استئناف الدراسة بشكل منتظم، ويعيش آلاف الطلبة في فراغ تعليمي، دون أي وضوح حول مصيرهم الأكاديمي أو مستقبلهم المهني.
لا جدوى من الكتب
يقول الطالب الجامعي جبر محمد: "لم أكن أتوقع أن أصل للحظة أحرق فيها كُتبي الدراسية وهي مصدر علمي، لكن الواقع الصعب الذي أعيشه برفقة عائلتي بلا كهرباء وغاز أجبرني على البحث عن بدائل لإشعال نار الطهي فوجدت الكتب الدراسية".
ويوضح محمد لـ"سكاي نيوز عربية"، أن "استمرار الحرب على امتداد أكثر من 19 شهرا، جعلني أفقد الأمل في إمكانية العودة للتعليم، خصوصا أن غالبية الجامعات مدمرة ومن بينها جامعتي فلسطين، فيما تحوّلت المدارس والجامعات المدمرة جزئيا إلى مراكز لإيواء النازحين".
بدورها تقول نرمين عايش، إن انقطاع أبنائها عن الدراسة طيلة الحرب، أفقدها الأمل بإمكانية عودتهم إلى المدارس من جديد، إضافة إلى عدم توفر الوسائل الخاصة بإشعال النار لطهي الطعام".
وتضيف عايش لـ"سكاي نيوز عربية"، أن طفلها "قصي" الذي يفترض أن يلتحق بالصف "السابع" لم يعد لديه اهتمام بالدراسة، بسبب انقطاعه الطويل عنها، يضاف إلى ذلك حالة عدم الاستقرار والنزوح المتكرر على امتداد الحرب، جعل التعليم أمرا مستبعدا في الوقت الحالي.
وتأمل عايش انتهاء الحرب في القريب العاجل، وعودة التعليم من جديد لإنقاذ هذا الجيل من الضياع قبل فوات الأوان.
لم يختلف الحال كثيرا لدى المواطن، أحمد عليان، الذي استغنى عن الكتب الدراسية الخاصة بنجله الذي كان في الصف الرابع الابتدائي، واستخدمها لإشعال نار الطهي، بسبب انقطاع الغاز المنزلي وشح الوقود والحطب.
ويقول عليان، لـ"سكاي نيوز عربية": "من الواضح أن التعليم انهار بشكل كامل بفعل استمرار الجيش الإسرائيلي في استهداف المدارس والكوادر التعليمية، وبالنسبة لي اضطررت لاستخدام كتب ابني الدراسية لإشعال النار رغما عني".
ويبين عليان، أن استمرار الحرب يشكل تهديدا خطيرا على كل المراحل التعليمية، معبرا عن أمله في وقف نزيف الحرب المستمر طيلة هذه الأشهر، وتمكين الطلبة من العودة إلى مقاعد الدراسة.
ويتساءل: "إلى متى ستبقى الحرب مستمرة؟ ألا يكفي تجهيل الفلسطينيين؟، فقد أصبحت الكتب الدراسية الثمينة وقودا في سبيل إشعال نار الطهي، في ظل عدم قدرتي على شراء الأخشاب اللازمة لإشعالها".
في غزة، لم تعد الكتب رموزا للعلم والمعرفة، بل تحولت إلى وقود مؤقت لأناس يكافحون من أجل البقاء.
وبينما تشتعل صفحات المناهج في المواقد، تشتعل معها أحلام الطلبة، التي كانت يوما تُخط بقلم على ورق، وأصبحت اليوم رمادا يتطاير في هواء غزة المثقل بالدخان والحصار.
0 تعليق