كتب محمد الجمل:
ما زال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة مستمراً بوتيرة متصاعدة، مُترافقاً مع تصاعد الهجمات البرية والجوية، وتشديد الحصار واتساع المجاعة.
"الأيام" واصلت رصد مشاهد جديدة ومتنوعة من قلب الحرب والمعاناة في قطاع غزة، منها مشهد تحت عنوان: "هُزال وسقوط في الشوارع"، ومشهد آخر يكشف سباق الاحتلال في تدمير ما تبقى من منازل في المناطق التي يحتلها، ومشهد ثالث يكشف تعمّد وضع سلع سيئة داخل صناديق المساعدات الأميركية.
هزال وسقوط في الشوارع
لم تعد آثار وتبعات المجاعة في قطاع غزة مقتصرة على الشعور بفروغ الأمعاء من الطعام، أو نقصان الوزن، فقد تعدى الأمر ذلك، ووصل إلى درجة الهزال الشديد، والضعف العام، وسقوط المواطنين في الشوارع أحياناً.
وأمام مراكز المساعدات الأميركية التي يقصدها المُجوعون، تتجلى صورة المجاعة، فالأجساد ضعيفة ومنهكة، تصارع من أجل تحصيل القليل من الطعام، بينما يتساقط الشبان والفتية على الأرض، ويغشى عليهم من شدة الجوع والإرهاق.
الشاب محمود مسعود، استفاق من إغماء تعرض له خلال سيره باتجاه مركز مساعدات شمال غربي مدينة رفح، جنوب القطاع، وأكمل طريقه رغم تعبه وإرهاقه الشديدين، مؤكداً أن أفراد عائلته يعانون من الجوع والحرمان، ولا يمتلك مالاً يشتري به طعاماً لهم بأسعاره الحالية، وهذا دفعه مُكرهاً إلى التوجه لمركز المساعدات، رغم ضعف جسده، وشعوره بالإرهاق والهُزال، وهو يقطع مسافات طويلة مشياً على الأقدام، على أمل أن يعود لهم ببعض الطعام.
وأشار إلى أن المجاعة في خيمته بلغت مداها، وأن أشقاءه الصغار باتوا شاحبي الوجه، بينما والدته تشعر بدوار كلما وقفت وتسقط أرضاً، فآخر ما أكلوه بعض العدس المتبقي لديهم، ولا يعلم إن كان سينجح في جلب طعام جديد لهم أم لا.
وفي أحد أسواق مواصي خان يونس، تجمع مواطنون حول رجل مُسن سقط أرضاً وسط الشارع، ولم يستطع إكمال مسيرته، وساعده البعض في وضع الماء على وجهه، قبل أن يستعيد وعيه ويغادر، وقد بدا نحيل الجسد، ضعيف البنية، شاحب الوجه، وآثار المجاعة واضحة عليه، حيث يمشي وهو يتكئ على عكاز خشبي.
وقال البائع أحمد عرفات، الذي يعمل في سوق خان يونس، إن مشهد سقوط الناس وهم يسيرون في الشوارع بات من المشاهد اليومية التي تتكرر، فالجوع بلغ مداه، وأرهق الناس لدرجة أنه لم يعد لديهم قدرة على المشي أو الحركة.
وبيّن عرفات أنه حتى الذين لديهم مال يعانون، فالطعام المتوفر في السوق يكاد يكون محصوراً في البقوليات، والجميع يفتقدون الفواكه والخضراوات، واللحوم، والبيض، والسمك، وكل ما سبق أطعمة ضرورية لصحة وتوازن الجسم.
ولفت إلى أنه وفي غضون وقت قصير، إذا لم يتم فتح المعابر، ودخول المواد الغذائية بشكل واسع لقطاع غزة، قد تبدأ موجات من الوفيات الجماعية بسبب المجاعة، والأطفال وكبار السن هم الأكثر عرضة لذلك.
وذكر برنامج الأغذية العالمي، أن نحو 500 ألف شخص يتضورون جوعاً في غزة، والناس يخاطرون بحياتهم من أجل كيس طحين.
الاحتلال يسابق الوقت
يسابق جيش الاحتلال الوقت لتدمير ما تبقى من منازل وشوارع وبنية تحتية في المناطق الخاضعة لسيطرته داخل قطاع غزة، خاصة مدينة خان يونس، وشرق غزة، وشمال القطاع.
ويومياً تحدث في تلك المناطق عمليات نسف مكثفة ومتواصلة، تتم خلالها تسوية مئات المنازل بالأرض، إما من خلال زراعة متفجرات فيها، أو تفجير "روبوتات" مفخخة، يتم تحميلها بكميات كبيرة من المتفجرات، وزرعها وسط المناطق والمربعات السكنية.
ووفق مصادر محلية وشهود عيان، فإنه ومنذ العشرين من شهر حزيران الماضي، تصاعدت عمليات التدمير والهدم، خاصة في مخيم وبلدة جباليا شمال القطاع، وفي أحياء وبلدات شرق وجنوب محافظة خان يونس، بحيث باتت عمليات التدمير تتسارع.
وأشار المواطن خالد رمضان الذي وصل إلى مناطق شرق خان يونس، إلى أنه صُدم حين مرّ من منطقة السطر الغربي ومحيطها، وشاهد حجم الدمار الكبير هناك، موضحاً أنه خلال أسبوع فقط جرى مسح مربعات سكنية، وشوارع بأكملها، وكأن الاحتلال يسابق الزمن من أجل توسيع رقعة الدمار في خان يونس.
وأكد أنه ما زال يسمع دوي الانفجارات على مدار الساعة، كما شاهد جرافات مدنية اسرائيلية كبيرة ومتوسطة، باللونين الأحمر والأصفر، تقوم بهدم المنازل في تلك المناطق.
في حين أكد مواطنون من منطقة جباليا شمال القطاع، أنهم رصدوا تسارعاً كبيراً في عمليات هدم المنازل في بلدة ومخيم جباليا، وكأن الاحتلال يريد استغلال كل دقيقة، وربما يدل ذلك على قرب انتهاء العمليات العسكرية، ورغبة جيش الاحتلال في استغلال ما تبقى من وقت لتسريع التدمير.
ولفتوا إلى أن هناك مربعات سكنية وأحياء كاملة تحولت إلى أكوام من الركام، وأن الاحتلال ينتقل من منطقة إلى أخرى لتوسيع رقعة الدمار، ويستعين بطائرات مقاتلة لإسقاط قنابل ضخمة، تؤدي إلى انهيار عمارات وبنايات مرتفعة، يصعب على الجرافات هدمها، وهذا حدث في خان يونس وشمال قطاع غزة، ومناطق حي الشجاعية.
وسبق أن أعلن أكثر من مسؤول إسرائيلي، من بينهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، أن هدف عملية "عربات جدعون"، التي انطلقت بداية شهر أيار الماضي، تدمير أكبر مساحة ممكنة من قطاع غزة، وجعل القطاع مكاناً غير صالح للحياة، ما يجبر سكانه على الهجرة منه.
سلع سيئة في صناديق المساعدات
لم تكتفِ الشركة الأميركية، التي تقدم المساعدات في عدة مراكز بقطاع غزة، بتعريض حياة طالبي المساعدات للخطر، وقتل وإصابة العشرات منهم يومياً، ولا بالإهانة والإذلال الكبيرين اللذين يتعرض لهما طالبو المساعدات داخل وفي محيط مقرات الشركة، بل باتت تعطيهم مساعدات سيئة، أو منتهية الصلاحية، وتمنع عنهم أصنافاً غذائية مهمة، وفي مقدمتها السكر.
واشتكى العديد ممن تلقوا مساعدات من الشركة المذكورة من تلقيهم مواد غذائية منتهية الصلاحية، أو ذات جودة منخفضة، وبعضها قد يكون غير صالح للأكل.
وقال المواطن علي صالح، إنه حصل على كمية من المساعدات من أحد مقرات الشركة شمال رفح، موضحاً أن بعض المعلبات كانت منتهية الصلاحية، وأخرى جرى شطب التاريخ المدون عليها، وعندما فتح عبوة طحينية اكتشف أن مذاقها سيئ، وربما تعرضت للفساد خلال انتظارها على المعابر، ما يُشير إلى أن الشركة المذكورة تقوم بسرقة المساعدات التي جلبتها مؤسسات دولية، ومنع الاحتلال وصولها للقطاع، ثم تقوم بتوزيعها على المواطنين.
وأشار إلى أن العديد من أصدقائه الذين تسلموا مساعدات من مقرات الشركة المذكورة، اشتكوا من سلع غذائية سيئة، فالشركة تختار أنواعاً رديئة من البقوليات، واللافت أن أغلفة البقوليات يكتب عليها شيء، ومحتواها معبأ بشيء آخر، فمثلاً يُكتب على بعض الأغلفة أنها تحتوي على حمص، وهي معبأة بالعدس، بينما جرى توزيع بطاطا سيئة المذاق، والكثير من حباتها تالفة.
من جهته، ذكر المواطن عبد الله الشاعر، أن نوعية المساعدات التي يتم توزيعها تغيرت للأسوأ، ففي بداية عمليات التوزيع كانت الطرود تحتوي على سكر، ومسحوق شوكولاتة، وبسكويت، وهي مواد غذائية مطلوبة للأطفال، لكن مع مرور الوقت جرى رفع هذه الأصناف.
وقال، إن الاحتلال يعلم أن هناك سلعاً مفقودة في القطاع ولها أهمية كبيرة لدى المواطنين، خاصة السكر، لذلك عمل على تفريغ صناديق المساعدات منها، إلى جانب سلع كثيرة مهمة، في مقدمتها الخضراوات، والفواكه، والدواجن، التي كان من الممكن توزيعها ولو على شكل معلبات، لكن الاحتلال يرفض ذلك، وهذا دليل إضافي على أن هذه الشركة لا تريد تقديم مساعدة حقيقية للمواطنين، بقدر ما أنها تريد تدوير المجاعة، واستخدامها بما يحقق مصالح سياسية إسرائيلية.
0 تعليق