«رئيس ظل» لـ «الاحتياطي الفيدرالي» - هرم مصر

الخليج 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

د. رامي كمال النسور *

منذ مدة طويلة والرئيس دونالد ترامب يهاجم رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، وقد كان لي مقال في هذا الشأن، في 11 مايو/ أيار الماضي. والحقيقة أن رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، لا يمكن عزله، إلا بعد إتمام فترة ولايته، التي تمتد لأربع سنوات.
وحتى يتغلب الرئيس الأمريكي على هذا الأمر، وتحقيقاً لرغبته في التخلص من جيروم باول، فقد نظر ترامب في تسريع إعلان اسم مرشحه لخلافته، حيث تنتهي ولايته بعد 11 شهراً، في ظل استيائه المتزايد من نهج البنك المركزي المتريّث بشأن خفض أسعار الفائدة.
وبحسب تقرير لصحفية «وول ستريت جورنال»، فإن ترامب يفكر في تسمية خليفة باول، والإعلان بحلول سبتمبر/ أيلول أو أكتوبر/ تشرين الثاني، بل ربما في وقت أقرب من ذلك، إثر الغضب المتصاعد في البيت الأبيض من باول، الذي لم يقدم على خفض أسعار الفائدة، رغم ضغوط من ترامب.
أثار قرار ترامب بتعيين «رئيس في الظل» للاحتياطي الفيدرالي جدلاً واسعاً في الأوساط المالية والسياسية والأكاديمية. هذا الإجراء غير المسبوق، الذي يهدف إلى ممارسة نفوذ غير رسمي على البنك المركزي، دون سلطة قانونية، يثير تساؤلات عميقة، حول استقلالية المجلس، واستقرار الأسواق المالية، ومستقبل مصداقية السياسة النقدية الأمريكية.
بداية، سيعمل رئيس الاحتياطي الفيدرالي في الظل كمستشار غير رسمي، يُعلق علناً على توجهات السياسة البديلة، أو ينتقدها، أو يُشير إليها، بينما يظل رئيس المجلس الرسمي في منصبه. على الرغم من أن هذا الدور لا يحمل أي سلطة قانونية، إلا أنه لا يمكن الاستهانة بالتأثير الذي قد يمارسه، خاصةً إذا تماشى مع إدارة ترامب المحتملة.
ويُعدّ استقلال البنوك المركزية حجر الزاوية للاستقرار الاقتصادي في الولايات المتحدة، وهو مصمم لعزل السياسة النقدية عن الدورات السياسية. وبتعيين شخصية ظل، يُخاطر ترامب بتقويض هذه الاستقلالية، ما قد يُؤدي إلى عدم اليقين في السياسة النقدية، وبالتالي قد تجد الأسواق صعوبة في تفسير ما إذا كان ينبغي لها اتباع البيانات الرسمية للاحتياطي الفيدرالي، أم توجيهات رئيس المجلس. كما قد يُجبر الضغط العام والسياسي الاحتياطي الفيدرالي على تعديل أسعار الفائدة، أو تغيير مسار التشديد الكمي تحسباً لرد فعل سياسي عنيف.
كذلك قد يُشكك المستثمرون والبنوك المركزية الأجنبية في استقلالية الاحتياطي الفيدرالي، ما يُضعف الثقة في الدولار والأصول الأمريكية.
وستتأثر الأسواق المالية بشدة بالإشارات المتعلقة باتجاه السياسة النقدية. قد يؤدي تصريح رئيس لجنة في الظل، بشأن خفض أسعار الفائدة، أو توسيع الميزانية العمومية، أو سياسة العملة إلى إثارة تقلبات السوق، حيث سيحاول المتداولون استباق أي تحولات محتملة في السياسة في ظل إدارة مستقبلية. كما قد يؤدي إلى زيادة تقلبات سوق السندات، خاصةً إذا دعا رئيس اللجنة إلى تخفيضات حادة في أسعار الفائدة لتحفيز النمو.
كل ذلك سيتبعه التأثير على قوة الدولار الأمريكي، إذا رأت الأسواق توجهاً مستقبلياً نحو سياسات تضخمية لدعم الأهداف الاقتصادية أو السياسية.
أما تداعيات ما جاء أعلاه على المستثمرين العالميين، فسيثير تعيين رئيس لجنة الظل احتمال تسييس السياسة النقدية، ما قد يقلل من جاذبية سندات الخزانة الأمريكية كملاذ آمن. ويحول تدفقات رأس المال نحو أسواق تُعتبر أكثر استقراراً. كما سيعمل على زيادة تكاليف التحوط مع ارتفاع تقلبات أسعار الفائدة وأسواق الصرف الأجنبي. إضافة إلى ذلك، قد تُعيد البنوك المركزية، التي تحتفظ باحتياطيات كبيرة من الدولار الأمريكي تقييم تعرضها للمخاطر، خشيةً من مخاطر التضخم المحتملة أو ضعف العملة الناجم عن السياسات. من وجهة نظر ترامب، تُشير هذه الخطوة إلى رغبة في تشكيل السرديات الاقتصادية، حسب وجهة نظره هو وفريق عمله، مُؤكدةً الالتزام بخفض أسعار الفائدة والتوسع الاقتصادي بغض النظر عن مخاوف التضخم. كما أنها تُمثل تحدياً لما انتقده سابقاً باعتباره «الاحتياطي الفيدرالي السياسي»، مُستغلاً مشاعر الرأي العام ضد ما يُنظر إليه على أنه انفصال النخبة عن البنك المركزي.
ومع ذلك، فإنها تُخاطر بنتائج عكسية إذا اعتُبرت مُزعزعة للاستقرار، أو مُقوضة لمصداقية المؤسسات الأمريكية، وهي قضية قد تلقى صدى لدى الأسواق والأمريكيين القلقين، بشأن صحة الاقتصاد على المدى الطويل.
في النهاية إن احتمال وجود رئيس ظل للاحتياطي الفيدرالي، هو أكثر من مجرد مناورة سياسية، إنه اختبار لمرونة الإطار المؤسسي الأمريكي، الذي يدعم الاستقرار المالي العالمي. ويجب على المستثمرين وصانعي السياسات والمشاركين في السوق الآن ألا يقتصروا على النظر في المؤشرات الاقتصادية فحسب، بل يجب عليهم أيضاً مراعاة الديناميكيات السياسية المتطورة، التي قد تُعيد تشكيل المشهد النقدي في أكبر اقتصاد في العالم.
ويعتمد تحديد ما إذا كانت هذه الخطوة ستُصبح قوة مُزعزعة أم مجرد إشارة سياسية على تصرفات المشاركين في السوق، وعزم الاحتياطي الفيدرالي الحفاظ على استقلاليته، والبيئة الاقتصادية الواسعة في الأشهر المقبلة.
* المستشار في الأسواق المالية والحوكمة والاستدامة

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق