كتب محمد الجمل:
رصدت "الأيام" مشاهد جديدة من العدوان الإسرائيلي المتصاعد على قطاع غزة، ونقلت مشهداً يرصد كيف أحرقت قنابل وصواريخ الاحتلال النائمين، ومشهداً آخر بعنوان "فوضى الطحين"، ومشهداً ثالثاً يُسلط الضوء على تفاقم أوضاع النازحين الجُدد في القطاع.
صواريخ تحرق النائمين
لم تتوقف مجازر وجرائم الاحتلال المُروعة بحق المدنيين في قطاع غزة منذ نحو 20 شهراً، وكان آخرها مجزرة بشعة ارتكبها الاحتلال باستهداف مدرسة تؤوي مئات النازحين في حي الدرج بمدينة غزة، وراح ضحيتها أكثر من 30 شهيداً، وعشرات الجرحى.
ووفق مصادر محلية وشهود عيان، فإن القصف استهدف مدرسة "فهمي الجرجاوي" التي تؤوي نازحين في حي الدرج وسط مدينة غزة، ما أدى إلى اشتعال النيران فيها، في حين لا يزال البحث مستمراً عن مفقودين تحت الأنقاض.
وتعمد الاحتلال استهداف المدرسة، في ساعة مبكرة من فجر أمس، بينما كانت الغالبية العظمى من النازحين نائمين، ما أدى إلى قتلهم بطريقة بشعة خلال نومهم.
عدسات الصحافيين والمُصورين وثقت المجزرة، ونقلت صوراً قاسية ومُروعة، أظهرت تفحم جثث الأطفال والنساء، بعد أن استخدم الاحتلال صواريخ حارقة ومُحرمة دولياً.
كما أكد أطباء يعملون في مشافي مدينة غزة، خاصة المستشفى المعمداني، أنهم استقبلوا جثثاً مقطعة، ومفتتة، وجثثاً فقدت أجزاء منها، وأخرى ظهر عليها تشوهات كبيرة.
كما أكد شهود أن ثمة مفقودين لم يُعثر عليهم جراء المجزرة، ويعتقد أن جثامينهم تبخرت، ولا يوجد لها أثر، حيث يُعتقد أنها تحولت إلى رذاذ غير مرئي، بفعل الحرارة العالية جداً، التي تنتج عن صواريخ وقنابل الطائرات.
وسبق وأكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، أن استهداف مراكز الإيواء المُتكرر يأتي ضمن سياسة ممنهجة لإيقاع أكبر عدد من الضحايا المدنيين، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.
وتجاوز عدد مراكز الإيواء التي جرى استهدافها بشكل متعمد منذ بدء العدوان 240 مركزاً، جميعها كانت تؤوي نازحين، وغالبيتها مؤسسات ترفع علم الأمم المتحدة، لجأ إليها النازحون طلباً للأمان، لكن الاحتلال لاحقهم فيها قتلاً وحرقاً.
فوضى الطحين
شهدت الأيام الماضية سلسلة من حوادث الفوضى، والتعدي على شاحنات مساعدات، كانت في طريقها لمخازن تابعة لمؤسسات دولية، ومخابز في قطاع غزة.
وكانت الفوضى التي حدثت مؤخراً في منطقة مواصي رفح أكبرها وأكثرها خطورة، إذ هاجم لصوص ومواطنون أكثر من 35 شاحنة مُحملة بكميات كبيرة من الطحين، والسكر، وزيت الطعام، ومُكملات غذائية مُخصصة للأطفال، وجرت سرقتها بالكامل.
وانقسمت السرقة إلى نوعين، الأول قام بها مواطنون جائعون، وحصل كل منهم على شوال أو شوالين من الطحين كحد أقصى، والثاني تم بوساطة عصابات مُنظمة، كانت تمتلك وسائل نقل، وأفرادها مسلحون بأسلحة نارية وبيضاء، وقاموا بسرقة أكثر من 80% من حمولة الشاحنات، وإعادة بيعها في الأسواق بأسعار عالية.
وشوهدت المئات من شوالات الطحين يتم تحميلها بوساطة مركبات، ودراجات "توك توك"، وأخرى جرى نقلها بعربات كارو، تُغادر منطقة مواصي رفح، وتحديداً محيط "فش فريش"، وتتوجه لمحافظات وسط وشمال القطاع، أو تُعرض في أسواق مواصي خان يونس، حيث تراوح ثمن شوال الطحين المسروق ما بين 900-1500 شيكل، وأحياناً أكثر.
وأكد مواطنون أن ما حصل في مواصي رفح، خلال ساعات فجر وصباح السبت الماضي، كان حالة فوضى كبيرة، فقد تعدت عمليات السرقة نهب الشاحنات، ووصل الحد ببعض اللصوص إشهار سكاكين وأسلحة في وجه لصوص صغار، سرقوا شوالات الطحين، وسلبها منهم، وبعض من رفض تعرضوا للاعتداء والضرب، ونُقل بعضهم للمستشفيات.
وقال المواطن سعيد صلاح: إنه توجه إلى منطقة مواصي رفح لشراء شوال طحين من بعض اللصوص، رغم أنه يتحفظ على هذا الأمر، لكن الحاجة، ومعاناة أبنائه من الجوع دفعه لهذا الأمر مُكرهاً.
وأكد أنه شاهد لصاً يحمل شوالي طحين، وحين عرض عليه شراء شوال منهما، طلب 600 شيكل، وعندما حاول مفاصلته قال له اللص "بتوفيش معي"، ما اضطره لشرائه.
وبيّن أنه بعد 3 ساعات عاد برفقة شقيقه لشراء شوال آخر، فوجد الأسعار ارتفعت إلى 900 شيكل.
وأكد صلاح أن ما شاهده في المرة الأولى كان فوضى كبيرة وغير مسبوقة، فأشخاص يغادرون مواصي رفح وهم يحملون الطحين، والآلاف يتجهون جنوباً للحصول على الطحين، ووصل الأمر إلى اقتراب البعض من مناطق تواجد الاحتلال في محيط "دوار العلم"، على شاطئ بحر رفح، وجرى استهدافهم بقذائف من دبابات الاحتلال، ما تسبب بسقوط شهداء وجرحى، وقد شاهد بعينه شوالات طحين يحملها أشخاص ملطخة بدماء شهداء أو جرحى.
ورغم رفض غالبية المواطنين لما حدث، لكن بعضهم عزا الأمر لفوضى توزيع الخبز في قطاع غزة في الأيام الماضية، حيث جرى توزيعه بطريقة المحسوبية، وبيع كميات كبيرة منه في السوق السوداء، وهذا دفع الناس لمحاولة الحصول على المساعدات بأنفسهم، حتى لو كان من خلال السرقة.
تفاقم أوضاع النازحين الجُدد
تزايدت أعداد النازحين بشكل كبير خلال الأيام القليلة الماضية، مع اضطرار عشرات الآلاف من العائلات التي تقطن في مناطق وسط وجنوب وشرق محافظة خان يونس إلى النزوح من منازلهم باتجاه منطقة المواصي، ونزوح عائلات من شرق مدينة دير البلح وسط القطاع، إضافة لنزوح جماعي من محافظة شمال القطاع، باتجاه غرب مدينة غزة.
وجراء عمليات النزوح الجديدة، شهدت مناطق مواصي خان يونس، ووسط القطاع، وغرب مدينة غزة، اكتظاظاً كبيراً وغير مسبوق، ولم يعد متسع حتى لإقامة خيمة.
وجراء ذلك تفاقمت معاناة النازحين الجُدد بعد أن عجز غالبيتهم عن إيجاد مأوى، وباتت آلاف العائلات في العراء، دون أن يجدوا أي من متطلبات حياتهم.
كما اختفت الخيام من الأسواق، وارتفعت أسعار القليل المتوفر منها بما تجاوز 250% خلال ساعات معدودة.
ويقول المواطن أحمد المصري: إنه اضطر للنزوح وعائلته من وسط خان يونس، ولم يجد مكاناً يُقيم فيه، بسبب اكتظاظ منطقة المواصي بالنازحين، وبات ليلة في خيمة أقاربه، حتى قرر أخيراً التوجه لشاطئ البحر، وهناك وجد مُتسعاً لخيمة، واشترى بعض الشوادر، ودعامات خشبية، وأقام خيمة بدائية، كلفته أكثر من 1700 شيكل، اقترض غالبيتها من صديق له.
وأكد المصري أن حال الناس في مواصي خان يونس مُبكٍ، وغالبيتهم نزحوا دون أخذ الكثير من حاجياتهم، وهناك من يبحثون عن الماء، وآخرون عن الطعام، وغالبيتهم يبحثون عن مكان يؤويهم وعائلاتهم.
في حين يقول المواطن بسام عايش، وهو نازح للمرة العاشرة، وقد استقر أخيراً في مواصي خان يونس: إنه لولا تنازل صديقه عن مساحة من الأرض كان ضمها لخيمته مؤخراً لكان في العراء، وقد أعاد نصب خيمة قديمة كانت عائلته تقيم فيها قبل التهدئة.
وأكد أنه فوجئ بأن خيمته التي كان يحتفظ بها في منزله الذي عاد إليه شرق خان يونس، كانت بالية، وممزقة، وحاول صيانتها، ووضع فوقها شادر، ويأمل أن تصمد خلال فترة النزوح الجديدة، التي لا يعرف كم ستستغرق.
وأشار إلى أنه يصل يومياً نازحون من وسط وشرق خان يونس إلى مناطق المواصي، والزحام في تلك المناطق يزيد باستمرار، والمعاناة تتفاقم، معرباً عن خشيته من إخلاء مناطق جديدة في القطاع ودفع الناس للمواصي، وهذا يعني كارثة.
0 تعليق