تحليل.. رسوم ترامب "حرب زائفة"تدفع الاقتصاد العالمي نحو الكارثة - هرم مصر

جريدة الايام 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف


لندن - د ب أ: سميت فترة الأشهر الثمانية بين بدء أدولف هتلر زعيم ألمانيا النازية حربه العالمية بغزو بولندا والهجمات النازية الكبرى على الحلفاء باسم "الحرب الزائفة".
اتسمت تلك الفترة التي كانت بين عامي 1939 و1940 بهدوء نسبي رغم ارتفاع مستوى عدم اليقين، مع أمل في بعض الأوساط بتجنب أسوأ المخاطر، وهو ما لم يحدث وفرض هتلر على الجميع الحرب العالمية الثانية. 
في تحليل نشره موقع المعهد الملكي للشؤون الدولية "تشاتام هاوس"، البريطاني تقول ديم دي آني جوليوس، المستشارة البارزة والزميلة المتميزة لبرنامج الاقتصاد والمالية العالمية في المعهد: إن حرب الرسوم الجمركية التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم 2 نيسان الماضي والذي أطلق عليه اسم "يوم التحرير" تسير على نفس المنوال. 
وقد توج ترامب سلسلة إجراءات المنطلقة من إستراتيجية "الصدمة والترويع" خلال المئة يوم الأولى من ولايته بإعلانه في 2 نيسان عن فرض "رسوم جمركية متبادلة" على الأصدقاء والأعداء على حد سواء.
واستخدم الرئيس ترامب الأوامر التنفيذية كأداة قانونية ومنصة "تروث سوشيال" للتواصل الاجتماعي المملوكة له كقناة اتصال؛ لكي يسيطر على الأخبار ويتهرب من الضوابط والتوازنات الطبيعية.
وقد ألقى نظام الرسوم الجمركية للرئيس الأميركي بأسواق المال العالمية في دوامة فزع وهدد سلاسل الإمداد العالمية المعقدة. وصبت الرسوم المضادة التي فرضتها الدول الأخرى على المنتجات الأميركية المزيد من الزيت على النار.
وفي غضون أيام، بدأت فترة "الحرب الزائفة" بتعليق معظم الرسوم الجمركية التي هدد بها ترامب، ثم خفض الرسوم الضخمة على الصين والتفاوض معها للوصول إلى حل دائم.
وعزز هذا التراجع الجزئي انتعاش الأسواق المالية، مطمئناً البعض إلى أن الاضطرابات التي شهدتها الأيام المئة الأولى من حكم الرئيس الأميركي كانت جزءاً من إستراتيجية ستؤدي إلى نمط يتضمن المزيد من الاتفاقات والقليل من الأضرار الاقتصادية.
كان الاتفاق التجاري الجزئي مع بريطانيا مطمئناً، بينما أبقت المناوشات الأخيرة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على حالة الترقب والقلق. لكن تأجيل تطبيق الرسوم الجمركية يعتبر بمثابة وقف لإطلاق النار في حرب ترامب التجارية، وليس حلاً نهائياً له، ناهيك عن أن يكون استسلاماً من جانب الرئيس الأميركي.
وتوفر أحدث البيانات أسباباً سطحية للتفاؤل بشأن حالة الاقتصاد الأميركي. فأرباح الشركات خلال الربع الأول من العام الحالي كانت جيدة بشكل عام، وأسهم شركات التكنولوجيا الكبرى استعادت أغلب خسائرها التي تكبدتها في أعقاب "يوم التحرير". ومعدل التضخم في الولايات المتحدة تراجع بنسبة بسيطة خلال الشهر الماضي ليسجل 2.3% سنوياً. بل إن انكماش الاقتصاد الأميركي بمعدل 0.3% خلال الربع الأول ربما يعود إلى زيادة الواردات بسبب سعي الشركات الأميركية لاستباق زيادة الرسوم الجمركية بتكوين مخزونات كبيرة.
لكن كل هذه البيانات تشير إلى أوضاع سابقة، في حين هناك مؤشرات أولية وأسباب قوية تدعو للاعتقاد بأن الضرر الحقيقي لم يأت بعد وأن الولايات المتحدة على أعتاب مرحلة ركود تضخمي، سيقود إلى ركود اقتصادي بنهاية العام الحالي، بحسب ديم دي آن جوليوس.
فإذا نظرنا إلى بيانات التضخم. سنجد أن مؤشر أسعار المستهلك تراجع خلال الشهر الحالي بنسبة بسيطة مقارنة بالعام الماضي، لكنه ارتفع في نيسان مقارنة بالشهر السابق. وكان ذلك انعكاساً للقراءة الشهرية الأولى بعد إعلانات يوم التحرير.
كما سجل مؤشر جامعة ميشيجان لثقة المستهلك أقل مستوى له منذ حزيران 2022، حيث قال أغلب المستهلكين: إن سبب تراجع الثقة بشكل أساسي كان قرار الرئيس ترامب فرض رسوم كبيرة على الواردات.
كما أشار مسح جامعة ميشيجان إلى ارتفاع توقعات المستهلكين للتضخم خلال الـ12 شهراً القادمة إلى 7.3% مقابل 6.5% وفقاً لتوقعات نيسان. ولو تحققت هذه التوقعات فسيسجل التضخم في الولايات المتحدة أعلى مستوى منذ عام 1981.
في الوقت نفسه، تشعر الشركات بالقلق من المستقبل، حيث حذر الرئيس التنفيذي لسلسلة متاجر "وول مارت" من أن "الرسوم الجمركية الجديدة ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار حتى لو كانت هذه الرسوم منخفضة". ويقدر مختبر الميزانية التابع لجامعة "ييل" أن معدل الرسوم الجمركية الفعلي الإجمالي في الولايات المتحدة يبلغ الآن 17.8% مقابل 2.5% في كانون الثاني الماضي.
ولا شك أن هذه القفزة في الرسوم الجمركية ستؤدي إلى ارتفاع التضخم في الأشهر المقبلة. وسينشأ خطر إضافي إذا أدت حزمة التخفيضات الضريبية الكبيرة التي يدرسها الكونغرس إلى زيادة كبيرة في عجز الميزانية الاتحادية، الذي يبلغ حوالى 7% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. وكانت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني قد خفضت تصنيفها الائتماني للديون الأميركية في وقت سابق من الشهر الحالي. ومن المحتمل خفض التصنيف مرة أخرى، الأمر الذي يهدد بتعقيدات أشد للمالية العامة الأميركية.
أما بالنسبة لآفاق النمو الاقتصادي، فالصورة تبدو قاتمة للغاية، حيث تراجعت ثقة المستهلك وبالتالي تراجع الإنفاق الاستهلاكي، كما أن العديد من الشركات رفضت الكشف عن توقعاتها لنتائج أعمال العام الحالي، بسبب حالة عدم اليقين التي تحيط بالاقتصادين الأميركي والعالمي.
وحذر الرئيس التنفيذي لشركة الشحن البحري العملاقة "ميرسك"، من انكماش حجم التجارة العالمية بنسبة تصل إلى 4% خلال العام الحالي، في حين كانت التوقعات السابقة تشير إلى نمو حجم التجارة العالمية بنسبة 4%.
وتمثل الصادرات 29% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وسيمثل انكماش التجارة العالمية صدمة عالمية للنمو، ليس فقط بالنسبة للولايات المتحدة، ولكن أيضاً للدول والمناطق التي يعتمد نموها الاقتصادي على التجارة مثل الاتحاد الأوروبي.
ومع اقتراب فترة وقف تعليق الرسوم الجمركية الأميركية الكبيرة في تموز المقبل، ستتطور هذه "الحرب الزائفة" إلى إدراك متزايد للعواقب الاقتصادية الحقيقية للحرب التجارية. وحتى ذلك الحين، قد توقع الولايات المتحدة المزيد من الاتفاقيات التجارية.
لكن المفاوضات الحالية مع الاتحاد الأوروبي تعثرت، فلجأ ترامب إلى التهديد بفرض رسوم بنسبة 50% على منتجات الاتحاد مطلع الشهر المقبل، ثم أجل تطبيقها إلى 9 تموز لإجراء المزيد من المفاوضات. وحتى لو تم التوصل إلى اتفاق قصير الأجل بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فسيظل فرض الرسوم الجمركية الأميركية على سلع الاتحاد الأوروبي أعلى بكثير من ذي قبل، وهو ما سيتكرر مع أغلب دول العالم، لتتحول "حرب ترامب التجارية الزائفة" إلى كارثة محتملة للاقتصاد العالمي.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق