عالم فيزيائي يهودي أميركي من أصول ألمانية، ولد عام 1904، وتوفي عام 1967. أشرف على مشروع إنتاج القنبلة النووية الأميركية التي ألقيت على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين (سمي مشروع "لوس ألاموس"). لقب بألقاب عدة منها "أبو البرنامج النووي الأميركي" و"أبو القنبلة الذرية".
المولد والنشأة
ولد جوليوس روبرت أوبنهايمر يوم 22 أبريل/نيسان 1904 بمدينة نيويورك الأميركية، ونشأ في كنف عائلة يهودية علمانية تنحدر من بلدة هاناو الألمانية، هاجرت أواخر القرن الـ19 إلى الولايات المتحدة وتبنت تقاليد سكانها وأفكارهم.
كان والده جوليوس ثريا وتاجرا للنسيج والأقمشة، وكان عضوا في جمعية "الثقافة الأخلاقية"، أما والدته إيلا فريدمان فكانت رسامة مشهورة.
تزوج أوبنهايمر عام 1940 زميلته الناشطة في الحزب الشيوعي الأميركي كاثرين كيتي بيونينغ، وجلب له هذا الزواج اتهامات بالعمالة مع ما كان يعرف آنذاك بالمعسكر الشيوعي، في إشارة إلى دول شيوعية كانت معادية للولايات المتحدة، وعلى رأسها الاتحاد السوفياتي.

الدراسة والتكوين العلمي
تلقى تعليمه في مدارس الطبقات الأميركية الراقية، إذ درس الابتدائية في مدرسة جمعية الثقافة الأخلاقية التي كان شعارها "الفعل قبل العقيدة".
ونظرا لتفوقه وميله إلى العزلة، أكمل الصفين الثالث والرابع في عام واحد، وتلقى دروسا في الرياضيات والعلوم واليونانية والأدب الفرنسي والموسيقى.
تخرج متفوقا على دفعته في المدرسة الثانوية عام 1921، لكنه أصيب بمرض الزحار، وهو أحد أنواع الالتهاب في الأمعاء، فاضطر إلى تأجيل التحاقه بالجامعة، بعد أن ظل طريح الفراش أشهرا.
وبعد تماثله للشفاء وتحديدا في سبتمبر/أيلول 1922، أرسله والده إلى جامعة هارفارد ودرس فيها هندسة العمارة اليونانية والأدب الفرنسي والإنجليزي والثقافة الهندوسية، وتعلم اللغة السنسكريتية والألمانية، كما حضر بعض دروس الفيزياء، وحصل منها على درجة البكالوريوس في الكيمياء بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى.
إعلان
وفي عام 1925، التحق بجامعة كامبردج بالمملكة المتحدة لمتابعة دراسته العليا في الفيزياء النظرية، لكنه لم يكمل فيها، بسبب اصطدامه مع أستاذه باتريك بلاكيت الذي كان يسخر منه أمام زملائه ويحرمه من حضور التجارب العملية.
وانضم عقب ذلك إلى جامعة غوتنغن الألمانية، وحصل منها عام 1927على درجة الدكتوراه في الفيزياء النظرية، بإشراف العالم ماكس بورن، وأصدر أثناء ذلك أبحاثا عدة في الفيزياء وتعرف على علماء مشهورين في المجال.

التجربة المهنية
بعد حصوله على الدكتوراه عمل أوبنهايمر مدرسا في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في الولايات المتحدة.
وفي عام 1928، عمل محاضرا في معهد بول إهرنفست في جامعة لايدن بهولندا، ثم سافر إلى سويسرا للعمل في المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا.
عاد الفيزيائي الأميركي إلى بلاده، وعين أستاذا مشاركا في الكيمياء بجامعة كاليفورنيا في بيركلي وعمل في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا.
وأثناء ذلك، أصبح صديقا مقربا للعالم الفيزيائي إرنست لورنس الحاصل على جائزة نوبل لاختراعه المسرع الدوراني.
كما أسهم أوبنهايمر في تبادل المعرفة وطور أبحاثا في علم الفلك والفيزياء النووية وعلم الأطياف وميكانيكا الكم والأشعة الكونية والنشاط الإشعاعي الاصطناعي والفيزياء الفلكية والفيزياء الحيوية والثقوب السوداء ونظرية مجال الكم.
وفي عام 1936 رقته جامعة كاليفورنيا إلى أستاذ متفرغ، وطلبت منه تقليص فترة تدريسه في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا.
في يونيو/حزيران 1942، انضم إلى مختبر شيكاغو متروبوليتان للعمل في مجال فيزياء النيوترونات السريعة، وشكل مجموعة دراسة نظرية لتعلم مبادئ تصميم القنابل.
الأبحاث النووية
غداة اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939، وخوفا من امتلاك ألمانيا النازية السلاح النووي بعد اكتشاف مخططها لإنتاجه، سارعت الولايات المتحدة إلى تأسيس مشروع تطوير القنبلة الذرية (مانهاتن) بقيادة الجنرال ليزلي غروفز.
وفور انطلاق المشروع، كلف أوبنهايمر في 15 أكتوبر/تشرين الأول 1942 بالإشراف العلمي عليه عبر قيادة المختبر المركزي لأبحاث وتصميم فيزياء الأسلحة (لوس ألاموس) الشديد السرية في صحراء ولاية نيو مكسيكو الأميركية.
وفي العام التالي، منح أوبنهايمر تصريحا أمنيا بالاطلاع على المعلومات والأسرار المتعلقة بالأمن القومي الأميركي.
أصبح أوبنهايمر يسابق الزمن خشية أن يسبقه الألمان إلى إنتاج السلاح النووي، فأسفرت جهوده يوم 16 يوليو/تموز 1945 عن تجربة ترينيتي (الثالوث)، وهي أول تفجير نووي في التاريخ، تبعه إنتاج قنبلتي "ليتل بوي" (الولد الصغير) و"فات مان" (الرجل البدين) الذريتين اللتين ألقتهما بلاده على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين يومي السادس والتاسع من أغسطس/آب 1945.
وفي 17 أكتوبر/تشرين الأول 1945، استقال من إدارة مختبر "لوس ألاموس"، وعاد للعمل في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، وفي العام نفسه شغل عضوية الجمعية الفلسفية الأميركية.
ومن عام 1947 إلى عام 1966، تولى إدارة معهد الدراسات المتقدمة في جامعة برينستون بولاية نيوجيرسي الأميركية، وأثناء ولايته حفز النقاش والبحث في فيزياء الكم والنسبية.
إعلان
ومن عام 1947 حتى عام 1952، تولى رئاسة اللجنة الاستشارية العامة لهيئة الطاقة الذرية. ومن هذا المنصب، قدم المشورة في عدد من القضايا المتعلقة بالطاقة النووية، بما في ذلك تمويل المشاريع، وبناء المختبرات، والتسلح الدولي.

مناهضة التسلح النووي
بعد تمكنه من إنتاج السلاح النووي، عارض أوبنهايمر قصف اليابان به لا سيما بعد هزيمة ألمانيا، وعرض مع عدد من العلماء على حكومة بلاده مجموعة بدائل، تمثل أبرزها في إنذار طوكيو باستخدام السلاح النووي مع عرض الاستسلام عليها، لكن واشنطن لم تستجب له.
وبعد إلقاء القنبلتين على اليابان، حمل ألقابا عدة أبرزها "أبو القنبلة الذرية"، وظهر على غلاف مجلات أميركية شهيرة مثل "لايف" و"تايمز"، لكن هذا لم يبهجه وأصبح شديد الاكتئاب بسبب الأعداد الهائلة من الضحايا اليابانيين والأهوال التي تسببت بها القنابل النووية، وأبدى ندمه على إنتاجها وقال عن نفسه: "الآن أصبحت أنا الموت، مدمر العوالم".
ومن منصبه في هيئة الطاقة الذرية، حذر من تطوير الأسلحة النووية، وقال إن "استخدامها قد يؤدي إلى عواقب وخيمة"، وشجع على الرقابة الدولية على استخدام الطاقة النووية، ودعا إلى تقييد العمل بها.
وحث أيضا الولايات المتحدة على تأجيل تجربتها الأولى للقنبلة الهيدروجينية، والسعي إلى حظر التجارب النووية الحرارية مع الاتحاد السوفياتي، لأن هذا السلاح سيؤدي إلى ملايين القتلى في العالم عند استخدامه.
وبسبب عدم استجابة الولايات المتحدة لنداءاته ومضيها في مشروع القنبلة الهيدروجينية، انسحب أوبنهايمر من جميع مناصبه وتفرغ لإدارة معهد الدراسات المتقدمة في جامعة برنستون.

لجان ومشاريع
بعد توليه إدارة معهد الدراسات المتقدمة، حاز عضوية عدد من اللجان والمشاريع، أبرزها:
عضو لجنة الأهداف البعيدة المدى في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) عام 1948. عضو اللجنة الاستشارية العلمية في مكتب التعبئة الدفاعية في الولايات المتحدة عام 1948. شارك في مشروع "تشارلز" لتصميم دفاعات جوية فعالة للولايات المتحدة ضد أي هجمات ذرية عام 1951. شارك في مشروع "فيستا" لتحسين قدرات الحرب التكتيكية للولايات المتحدة عام 1951. شارك في مشروع "إيست ريفر" لإنشاء نظام تحذير من أي هجوم نووي وشيك ضد المدن الأميركية عام 1952. شارك في مشروع "لينكولن" لدراسة قضايا الدفاع الجوي عام 1952. ترأس لجنة شؤون نزع السلاح التابعة لوزارة الخارجية الأميركية عام 1952، وحثت اللجنة في تقريرها النهائي الولايات المتحدة على مزيد من الانفتاح تجاه شعبها بشأن حقائق التوازن النووي ومخاطر الحرب النووية. شارك في تأسيس الأكاديمية العالمية للفنون والعلوم عام 1960.اتهامات بالخيانة
في عشرينيات القرن الـ20، لم يبد أوبنهايمر أي اهتمامات سياسية، لكن في منتصف الثلاثينيات تبرع بـ3% من راتبه سنتين دعما للفيزيائيين الألمان للهروب من ألمانيا النازية، وعبر عن دعمه لأنشطة نقابية عدة في الولايات المتحدة، وأبدى تعاطفا مع الشيوعيين الأميركيين قبل حملة مطاردتهم في العصر المكارثي.
وفي ديسمبر/كانون الأول 1953، تسلم خطابا من مجلس الشيوخ الأميركي تضمن 24 اتهاما له تمثل أبرزها في "تعاطفه مع الشيوعية عندما كان أستاذا في جامعة كاليفورنيا، وقربه من أعضاء الحزب الشيوعي الأميركي، بمن فيهم زوجته وشقيقه، ومعارضته وإعاقته لإنتاج القنبلة الهيدروجينية، وتصريحاته عن ضوابط وأخلاقيات استعمال أسلحة الدمار الشامل".

وفي 29 يونيو/حزيران 1954، خضع لجلسات استماع أمنية طويلة بشأن هذه الاتهامات، ترأسها رئيس هيئة الطاقة الذرية الأدميرال لويس ستراوس الذي كان يكن كراهية عميقة لأوبنهايمر بسبب شهرته وسخريته منه ووصفه بـ"الفيزيائي الهاوي".
إعلان
وبعد 3 أسابيع، برّأته اللجنة بالإجماع من تهمة الخيانة والعمالة للاتحاد السوفياتي، لكنها رأت أنه يمثل خطرا على أمن الولايات المتحدة، فأغلقت الأبواب التي كانت مفتوحة أمامه سابقا، وألغت تصريحه الأمني الذي يسمح له بالاطلاع على المعلومات والأسرار المتعلقة بالأمن القومي، فضلا عن إلغاء تعاقده مستشارا مع وكالة الطاقة الذرية.
واستندت اللجنة في توصياتها إلى مكتب التحقيقات الفدرالي الذي راقب منزل أوبنهايمر ومكتبه على مدار أكثر من 9 سنوات، كما استندت إلى مخبرين داخل الحزب الشيوعي الأميركي، فضلا عن تصريحاته المناهضة لصنع القنبلة الهيدروجينية.
في أبريل/نيسان 1962، حصل أوبنهايمر على رد اعتبار من الرئيس الأميركي جون كينيدي، وفي العام التالي حصل على رد اعتبار آخر من الرئيس ليندون جونسون.
وفي عام 2022 قالت وزيرة الطاقة الأميركية جينيفر جرانولم "إن إلغاء هيئة الطاقة الذرية لتصريح أوبنهايمر الأمني عام 1954 كان عملية معيبة انتهكت اللوائح. ومع مرور الوقت ظهرت أدلة على تحيز اللجنة وعدم عدالة إجراءاتها، بينما تأكدت أدلة ولائه وحبه لوطنه".
ارتباطات بالنووي الإسرائيلي
روبرت أوبنهايمر من أوائل العلماء اليهود الذين هرولوا إلى إسرائيل بعد إعلان تأسيسها عام 1948، للمشاركة في وضع اللبنات الأولى لبرنامجها النووي.
وكشفت محاضر اجتماعات وزيارات وخطابات موثقة في مكتبة رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن غوريون وزعيم الصهيونية العالمية حاييم وايزمان أن أوبنهايمر دعم المشروع النووي الصهيوني، حتى قبل تأسيس إسرائيل إبان نكبة عام 1948.
ففي عام 1947، اجتمع مع ألبرت آينشتاين ووايزمان بمعهد الدراسات المتقدمة في برينستون بولاية نيوجيرسي الأميركية، بهدف استكشاف إمكانية تطوير مفاعل نووي في إسرائيل قبل تأسيسها، لكن أوبنهايمر رأى صعوبة تحقيق ذلك.
وفي عام 1952، اجتمع مع بن غوريون لاستكشاف إدارة احتياطات إسرائيل من البلوتونيوم. وفي مايو/أيار 1958، شارك في افتتاح قسم الفيزياء النووية بمعهد وايزمان للعلوم في إسرائيل، وألقى خطابا أشاد فيه بالمعهد وقال إنه "مركز مستقبلي للعلماء في أنحاء العالم".
وأثناء الزيارة اجتمع به بن غوريون وقال عنه "لمست لدى أوبنهايمر شرارة يهودية وجوهرا يهوديا أصيلا وتشجيعا على سعي إسرائيل للخيار النووي".
وبعدها بـ7 سنوات عاد إلى إسرائيل لحضور اجتماع إدارة معهد وايزمان، الذي اختاره وقتئذ زميلا فخريا وعضوا في مجلس إدارته.

مؤلفات
كتب أوبنهايمر عشرات الأبحاث في الفيزياء وصدرت له مؤلفات عدة، أبرزها:
كتاب "العقل المنفتح" عام 1955، وهو مجموعة من محاضرات ألقاها عن موضوع الأسلحة النووية والثقافة الشعبية. كتاب "العلم والفهم" عام 1954. كتاب "الأرجوحة البهلوانية الطائرة: ثلاث أزمات تواجه الفيزيائيين" عام 1964. وبعد وفاته، نشرت له جامعة برنستون عام 1989 كتاب "الذرة والفراغ"، وهو عبارة عن مقالات مجمعة في العلم والمجتمع.الجوائز والأوسمة
حصل أوبنهايمر على عدد من الجوائز والأوسمة ومن بينها:
زميل الجمعية الأميركية لتقدم العلوم عام 1941. وسام الاستحقاق الرئاسي في الولايات المتحدة عام 1946. وسام جوقة الشرف الفرنسي في سبتمبر/أيلول 1957. عضوية الجمعية الملكية في بريطانيا في مايو/أيار 1962. جائزة إنريكو فيرمي بمارس/آذار 1963، وهي أرفع وسام تمنحه هيئة الطاقة الذرية الأميركية.الوفاة
توفي في 18 فبراير/شباط 1967، إثر إصابته بسرطان الرئة بسبب التدخين الشره طوال حياته. وحرقت جثته ووضع رمادها في جرة أسقطت في البحر قبالة منزله على شاطئ سانت جون.
و"تكريما لمسيرته الحافلة"، أقامت الولايات المتحدة حفل تأبين له بعد أسبوع من وفاته في جامعة برينستون، بحضور شخصيات علمية وسياسية رفيعة.
كما تصدرت قصة حياته عددا من الأفلام والكتب، من بينها:
فيلم "البداية أو النهاية" عام 1947. مسلسل "أوبنهايمر" عام 1980. فيلم "رجل بدين وطفل صغير" عام 1989. كتاب "أوبنهايمر: دراسات وتأثيرات مئوية"، أصدرته جامعة كاليفورنيا عام 2005. كتاب "بروميثيوس الأميركي"، للمؤلفين كاي بيرد ومارتن ج. شيروين، وصدر عام 2005، وتوج بجائزة "بوليتزر" عن فئة السيرة الذاتية لعام 2006. كتاب "حياة في الشفق: السنوات الأخيرة من حياة روبرت أوبنهايمر"، للكاتب مارك وولفرتون، عام 2008. فيلم "أوبنهايمر مقابل هايزنبرغ" عام 2015. فيلم "محاكمات أوبنهايمر"، أنتجه تلفزيون بي بي سي عام 2020. فيلم "من أجل إنهاء كل الحروب.. أوبنهايمر والقنبلة الذرية" عام 2023. فيلم "أوبنهايمر"، للمخرج البريطاني كريستوفر نولان، عام 2023.إعلان
0 تعليق