علماء يستمعون إلى أحاديث نباتات الذرة مع بعضها - هرم مصر

الكورة السعودية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

محمد الحداد

Published On 1/9/20251/9/2025

|

آخر تحديث: 10:16 (توقيت مكة)آخر تحديث: 10:16 (توقيت مكة)

في قلب حقول الذرة الكثيفة، حيث تتزاحم النباتات وتتنافس على الضوء والغذاء، كشفت دراسة جديدة عن سر غير متوقع، النباتات تتحدث مع بعضها البعض عبر رائحة عطرية، وتعيد تشكيل التربة من حولها لتقوي مناعتها ضد الآفات، حتى وإن جاء ذلك على حساب نموها.

وفي الدراسة التي نشرت يوم 14 أغسطس/آب في مجلة "ساينس"، سلط فريق بحثي دولي، الضوء على مركب عطري يسمى لينالول، ينبعث باستمرار من أوراق الذرة، ويلعب دورا محوريا في ما يشبه "شبكة إنذار جماعية" بين النباتات.

بشكل خاص على ما يُعرف بالغلاف الجذوري
التربة التي زرعت فيها نباتات كثيفة سابقا تحتفظ بتأثير "ذاكرة بيئية" (معهد كالتك)

نباتات تتحدث والتربة تستجيب

يوضح المؤلف الرئيسي للدراسة "لينغ في هو" -أستاذ علم النبات في جامعة جيجيانغ الصينية- في تصريحات لـ"الجزيرة.نت" أن زراعة المحاصيل بكثافة عالية عادة ما يرتبط بزيادة الإنتاجية، لكنها تحمل أيضا وجها آخر أكثر خطورة، وهي توفير بيئة مثالية لتكاثر الحشرات وانتشار الأمراض.

ويضيف: "وفي حين انشغل العلماء لعقود بدراسة كيف تغير النباتات أشكالها وجذورها للتأقلم مع هذه الظروف، بقي السؤال معلقا: كيف تدير هذه النباتات جهازها المناعي وسط هذا الازدحام؟".

ويوضح "هو" أن الإجابة جاءت من الذرة، "فقد لاحظنا أن النباتات في الصفوف الداخلية من الحقول الكثيفة أقل عرضة لهجمات الحشرات من نظيراتها عند الأطراف، لكنها في الوقت نفسه تنمو بشكل أبطأ".

ويضيف أن التجارب المخبرية أوضحت السبب في أن التربة التي زرعت فيها نباتات كثيفة سابقا تحتفظ بتأثير "ذاكرة بيئية" يقلل نمو النبات الجديد، لكنه يعزز مناعته ضد الديدان والفيروسات والفطريات.

وبتحليل الغازات المنبعثة من النباتات، حدد العلماء مركب اللينالول بوصفه الإشارة الأولى في هذه السلسلة المعقدة. فعندما تتراكم رائحته في الحقول المزدحمة، يلتقطها النبات المجاور فتنشط لديه إشارات هرمونية في الجذور تعرف بـ"إشارات الياسمونات". هذه بدورها تحفز النبات على إفراز مركبات دفاعية خاصة من الجذور تعرف باسم البنزوكزازينويدات.

إعلان

ما يحدث بعد ذلك مذهل، إذ إن هذه المركبات تغير من تركيبة الميكروبات في التربة، بحيث تشجّع نمو أنواع من البكتيريا التي تقلل من نمو النبات لكنها ترفع قدرته على المقاومة. ومن ثم كانت النتيجة أن الأجيال اللاحقة من النباتات المزروعة في هذه التربة تجد نفسها أكثر استعدادا لمواجهة الأخطار، حتى قبل أن تهاجمها الآفات.

قطاع الفلاحة سيكون من أكثر القطاعات تأثرا بالتغيرات المناخية مستقبلا (بيكسابي)
هذا الاكتشاف يعيد التأكيد على "المعادلة الصعبة" التي تواجهها النباتات (بيكسابي)

ثورة محتملة في الزراعة المستدامة

يؤكد المؤلف الرئيسي للدراسة أن هذا الاكتشاف يعيد التأكيد على "المعادلة الصعبة" التي تواجهها النباتات، الاستثمار في النمو أم الدفاع؟ في الظروف الطبيعية، يضع النبات إستراتيجيات متوازنة بين الاثنين. لكن في الحقول الكثيفة، تشير الدراسة إلى أن الذرة تميل لتفضيل الدفاع، حتى وإن جاء ذلك بتراجع في الكتلة الحيوية وحجم الحبوب.

"لقد فوجئنا بسرعة حدوث هذه الاستجابة. بعد 3 أيام فقط من الزراعة في ظروف مزدحمة، لاحظنا أن التربة بدأت تنقل أثرا واضحا إلى النباتات الجديدة، نمو أبطأ لكن مقاومة أكبر للحشرات والفيروسات. إنها آلية ذكية أشبه بشبكة إنذار كيميائية جماعية" كما قال الباحث.

تفتح هذه النتائج الباب أمام أفكار جديدة في تربية النباتات وإدارة المحاصيل، فإذا كان بالإمكان تعزيز قدرة النباتات على إنتاج أو الاستجابة لمركب مثل اللينالول، يمكن للمزارعين مستقبلا الاستغناء جزئيا عن المبيدات الكيميائية، والاعتماد على "مناعة طبيعية" تنشطها النباتات نفسها.

ويشير "هو" إلى ذلك بقوله: "تخيل لو استطعنا عبر التهجين أو الهندسة الحيوية أن ننتج أصنافا عالية الإنتاج وقادرة على إطلاق هذه الإشارات الدفاعية عند الحاجة. سيكون ذلك خطوة نحو زراعة أكثر أمانا للبيئة وأقل اعتمادا على المبيدات".

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق