ردًّا على موفق زيدان.. لا لحلِّ الإخوان المسلمين في سوريا - هرم مصر

الكورة السعودية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

قرأت مقالة الأخ الصديق الدكتور أحمد موفق زيدان والمعنونة: "متى ستحل جماعة الإخوان المسلمين في سوريا نفسها؟"، فتعجبت منها وعجبت: توقيتا وسياقا ومنطقا ومنطلقا.

يمهد الكاتب لمقالته بمقاربة عاطفية عن علاقته بالإخوان المسلمين وذكرياته الجميلة فيها، ليكتب: "حتى أكرمني الله وإخواني بسحق عصابة الأسدين يوم الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، مما خلص العالم كله من شرورهم وآثامهم".

اختزال الصراع مع نظام الأسد الممتد لعقود طويلة بعملية عسكرية في ظروف إقليمية ودولية مواتية فيه شيء من الإجحاف، واحتكار الإنجاز في فئة معينة "أكرمني الله وإخواني"، وهو ما يبدو في سياق عام تكرر كثيرا في سوريا، خصوصا في الأيام الأولى لسقوط نظام الأسد، بترديد شعار: "من يحرر يقرر".

يقول الكاتب: إن ما دفعه لكتابة مقاله قناعات ترسخت بعد دراسات ونقاشات ومقاربات لأشباه ونظائر في عالم التجربة والممارسة السياسية.

السؤال هنا للكاتب، ما هي المناهج التي اعتمدها في تلك الدراسات والمقاربات؟ مع الإشارة إلى أن في مقالته تعسفا في ضرب الأمثلة، وتجاوزا على حقائق معروفة.

يقول زيدان: إنه " منذ بداية الانتصار الذي ربما لم يمر على السوريين نصر وفتح مثله في تاريخهم، سارعت كل الأجسام السورية من الائتلاف الوطني السوري لقوى المعارضة، والمجلس الإسلامي السوري، إلى الفصائل العسكرية والسياسية والمجالس المحلية، وغيرها إلى حل أنفسها، ووضع مقدراتها، تحت تصرف القيادة السورية الجديدة".

ومع شديد الأسف، فإن هذه المعلومات تعوزها الدقة، فلقد تعرض الائتلاف لضغوط معروفة ليحل نفسه، وينطبق الأمر نفسه على المجلس الإسلامي السوري وعلى غيرهما. كما صرح الشرع بعد أيام من سقوط الأسد بأن أجسام المعارضة ليس لها داعٍ بعد الانتصار، وبالتالي فعليها أن تحل نفسها.

يتحدث زيدان بلغة عاطفية بعيدة عن الواقع: "فكان الكل يهتف لحنا واحدا ونغما موحدا وهو دعم هذه الدولة الوليدة للعبور بسوريا إلى مرحلة استقرار حقيقي وواقعي وناجز، لا سيما مع كثرة المتصدين والمتربصين داخليا وخارجيا".

هل هذا هو تصور ورؤية المستشار الإعلامي لرئيس الجمهورية عن الدولة الحديثة والحداثة والتطور والتي يطلب من الجماعة مواكبتها؟ أليس الاختلاف هو سنة الحياة وسبيل النقاش والمقاربات المختلفة، وهو سمت الدولة الحديثة الديمقراطية والناجحة؟

إعلان

اللحن الواحد والنغم الواحد من السمات الخشبية للدول الشمولية والاستبدادية والشيوعية، ولعلك تجده في كوريا الشمالية على سبيل المثال.

كيف ولماذا يعتبر الكاتب حل التنظيم سيخدم البلد، والذي هو رأسمالنا جميعا، ومقصدنا كلنا، بحسب مصطلحاته العاطفية؟، ولماذا لا يعتبر أن وجود تنظيم دعوي لا يؤمن بالعنف، بل وسارع لدعم الحكم الجديد، سبيلٌ فعال ووسيلة ناجزة لمواجهة الأفكار التكفيرية والمتطرفة، ولنشر المعرفة والثقافة الإسلامية الوسطية والمعتدلة؟

يقول الكاتب: " يعلم الجميع أن أصغر واحد من الإخوان المسلمين، ربما يكون عمره في بداية الستينيات، باستثناء أبنائهم ربما. فالفجوة العُمرية التي يعانونها اليوم تعود بالتأكيد، إلى حرمانهم من العمل السياسي في سوريا، طوال تلك الفترة؛ نتيجة الغياب القسري الذي مُورس بحقهم. وقد تسبب إصرارهم بالتمسك بقرار عدم حل الجماعة في حرمان شبابهم من المشاركة في بناء الدولة، ما دام المحيط الأقرب والأبعد على خلاف معهم، ومتحفظا أو متوجسا منهم، فضلا عن الاقتراب منهم، وهو ما يُفقد الدولة السورية الجديدة خبرات ومهارات".

هنا يناقض الكاتب نفسه، بل ويكتب ما يمكن أن يستخدمه ناقدو الحكم الجديد ذخيرة لاتهامه بأنه حكم ذو نزعة استبدادية، وأنه يسعى لإقصاء مكونات الشعب السوري المختلفة وتهميشها.

فالكاتب يتحدث عن شيخوخة أبناء التنظيم، ثم يتحدث عن مهارات شبابهم والذين قد يحرمون من المشاركة لانتمائهم للإخوان بحسب رأيه.

الكاتب الحريص على المهارات الموجودة في صفوف الإخوان، يمتدح الإخوان من غير قصد بوصفهم يمتلكون المهارات، ويصف الحكم بشكل غير مباشر بأنه إقصائي يقصي المهارات لمجرد انتماءاتها الفكرية السلمية والتي لا تواجه الدولة ولا تنافسها. ثم من أين وكيف علم الكاتب إصرار الإخوان وتمسكهم بقرار عدم حل الجماعة؟ هل أجرى استفتاء في هذا الشأن؟

يتحدث زيدان عن غياب الإخوان المسلمين عن سوريا لفترة طويلة ممتدة لحوالي نصف قرن، والتي برأيه أضرت كثيرا بالتنظيم. بالرغم من أن هناك من قد يخالفه فيعتبر أن هجرة الإخوان وتوزعهم في أرجاء المعمورة أكسبهم خبرات وقدرات. ثم هل المطلوب منا الآن أن نحقق أمنية حافظ الأسد في إقصاء الإخوان وحل تنظيمهم؟!

كان الإخوان المسلمون أول من تصدى لحافظ الأسد ولطائفيته ودفعوا ثمنا غاليا؛ دفاعا عن سوريا وشعبها وعقيدتها من نحو نصف قرن، ولو تحرك الآخرون وقتها لتم إنقاذ الملايين من الضحايا ولتجنبنا الدمار والأثمان الباهظة التي تحملتها سوريا إنسانا وبنيانا في السنوات الماضية.

تعرض الإخوان لحملات إبادة وتمت تصفية خيرة شبابهم في تدمر، وفي غيرها، وسنّ حافظ الأسد قانون 49 عام 1980، والذي يقضي بإعدام كل منتسب للجماعة.

فهل بعد أن تحقق الانتصار وتحررت سوريا من حكم الأسد، علينا أن نكمل مهمة الأسد ونحقق أمنيته في إقصاء الإخوان عوض مكافأتهم وتقدير دورهم ونقل تجاربهم للأجيال.

لقد تحدث الرسول- صلى الله عليه وسلم- عن أهل بدر وعن سابقتهم، فعوض أن نشكر جيلا تصدى للأسد، نجعل من جهادهم ومواجهتهم بطش الطاغية، نقيصة ومؤشرا على الجمود من غير أدلة منطقية أو دراسة علمية، بل فقط عبارات رنانة وشعارات طنانة.

إعلان

يكتب المستشار الإعلامي عن "إصرار الإخوان على البقاء مغردين خارج السرب، مع تصريحات هنا وهناك تُلمح إلى عدم رضاهم عما يجري، يزيد من الشُقة والفجوة مع الشارع الداعم للحكومة".

فهل له أن يعرفنا ما هو هذا السرب؟ وهل يجب الانسلاخ عن الفكر والماضي للدخول فيه؟ وهل أصبح التلميح بعدم الرضا عن أمر ما ناهيك عن التصريح به، جرما وخطيئة؟ وهل من أدلة على ذلك؟ وما هي سوريا التي يراها المستشار العزيز، لونا واحدا وسربا واحدا وأفواها مكممة وأكفا مصفقة؟ أين الحريات والمشاركة في الحياة السياسية وحق التعبير؟!

ويبحر الكاتب في التاريخ فيتحدث عن حل التنظيم نفسه أيام الوحدة مع مصر؛ حرصا على الوحدة رغم ما نزل بالتنظيم من بلاء وابتلاء على يد جمال عبدالناصر، ليقول: "والسؤال الآن: هل تلك المرحلة التاريخية أوجب من هذه المرحلة التي تمر بها سوريا اليوم، وهل دعوة عبدالناصر هي أولى بالإجابة والسمع والطاعة من حاجة الرئيس السوري أحمد الشرع، لتثبيت حكم ثمنه مليون شهيد و14 مليون مشرد، وهو يعيش ظروفا داخلية وإقليمية ودولية استثنائية، ومن الذي أولى بتثبيت الحكم، أبناء سوريا وتنظيماتها، أم دول إقليمية ودولية هبت لدعم الدولة الوليدة؟!".

مقارنة عجيبة، ما هي حاجة الرئيس أحمد الشرع من غياب الإخوان في سوريا؟ وكيف سيؤدي ذلك لتثبيت الحكم؟ وهل المستشار مقتنع بأن دولا إقليمية ودولية هبت فعلا لدعم الدولة الوليدة لوجه الله؟ ثم هل إذا حل الإخوان أنفسهم فستنحل مشكلة قسد والدروز والساحل مثلا؟ وستصل الكهرباء إلى كل بيت وحارة في سوريا؟ مع التقدير فإن في الأمر تسطيحا مخلا، ومنطقا غائبا ومغيبا.

إن سوريا تحتاج – يا سعادة المستشار- إلى جميع القوى الإسلامية والوطنية لتشارك في بناء سوريا من خلال حرية العمل السياسي وتشكيل الأحزاب والجماعات وممارسة حرية التعبير والانتقاد.

إن ما يحصل في سوريا من إخفاقات إنما هو -بتقديري- لتصحر العمل السياسي ولتركيز جميع السلطات من غير وجود آلية للمساءلة ولا للمحاسب. الأمثلة على التخبط الاقتصادي والسياسي وغياب الشفافية عديدة ولا مجال لتعدادها في هذا السياق.

ولكن خذ، في مسألة وحدة سوريا وفي لقاء وجهاء إدلب قال الرئيس الشرع إن وحدة سوريا تكون بالحوار وبالطرق السلمية.

ما الذي يضير- يا سعادة المستشار الإعلامي- وما الذي يشغل بالكم ويدفعكم لكتابة المقال، وجود جماعة ديناصورية أبناؤها ممن تجاوزوا الستينيات بحسب توصيفك؟؟ هل هذه أولوياتكم في سوريا والتي تعاني تحديات وجودية؟

كنت أتوقع منكم وأنتم من قضى عمره في الإعلام التشديد على حرية الإعلام والنقد، وإطلاق ميثاق تشكيل الجماعات والأحزاب السياسية، والعمل على تعزيز الشفافية ومحاربة الفساد، والتأكيد على العدالة الانتقالية ومحاكمات القتلة والمجرمين في محاكم علنية.

يختم الكاتب مقالته: "أما رفع الشعارات الكبيرة، لتدفع ثمنها وديتها بشكل يفوق القدرات والإمكانات وحتى المستطاعات، فهذا ليس من المنطق في شيء، وهو تماما ما يفعله الإخوان، إذ يعاملهم العالم كله وكأنهم أخطبوط وإمبراطورية عالمية، وخلافة إسلامية على امتداد القارات الست، بينما حقيقتهم وواقعهم يُرثى له، فالمساكين متمسكون بقصور خيالية وهمية سرابية".

ما هذه الشعارات الكبيرة التي يرفعها تنظيم الإخوان السوريين؟ وهل العالم الذي يعاملهم كإمبراطورية يجهل حقيقتهم وهو يملك قدرات خيالية في الرصد والتقصي والتجسس؟ وإذا كان يدري حالهم ثم يعاملهم كما تقول تجاهلا منه، فلماذا؟ وهل علينا أن نكون أسرى تقييم العالم ونظرته وموازينه المعتلة والمختلة؟

وإذا اعتبر العالم أو جزء منه أن المقاومة والدفاع عن الأرض والعرض إرهاب، وأن من حق الاحتلال أن يبيد وأن يدمر، فهل علينا أن نصغي له ونتبع تعليماته وتوجيهاته الفكرية ومحاولات هيمنته المعنوية؟

إعلان

إذا كان الحكم في سوريا غير قادر على استيعاب جماعة إسلامية سلمية أيدته ودعمته ولم تطلب لنفسها شيئا وطاوعه مشايخهم فحلوا مجلسهم، فكيف يمكنه استيعاب التيارات الأخرى والأحزاب والطوائف والعرقيات؟

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق