خلال الأيام القليلة الماضية كشف رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو عن تفاصيل مخطط إسرائيل الكبرى الذى تسعى الحكومة الإسرائيلية إلى تحقيقه على أرض الواقع، انطلاقا من رؤى تاريخية وروحية.
فى هذه الحلقة يواصل الكاتب الصحفى مصطفى بكري رصد وتحليل مخاطر هذه الرؤية على مستقبل المنطقة خلال الفترة القادمة، وتداعياتها على الأمن القومي العربي.
المجال التجاري
ويضيف: كيف يمكن أن يكون شكل هذا السلام فيما لو آمن العرب به بإخلاص؟ لن يكون هناك مجـال مـن مجالات الحياة لا يتأثر به وأولها، على سبيل المثال، المجـال التجـاري، فمند حـرب الأيـام الـستة، انتهجت إسرائيل سياسة «الجسور المفتوحة» على نهر الأردن، ورغم ذلك ظلت طرق التجارة الإسرائيلية نحو الشرق مغلقة، بشكل عام، نظرا لوجود حاجز بري عربي، ومقاطعة سياسية عربية لـ إسرائيل، فى حـين ظلـت طـرق التجارة العربية أيضا محدودة، ذلك لأن العالم العربى لم يستخدم المنشآت المتطورة فى إسرائيل ولا موقعهـا الجغرافي المميز، ففى عهد السلام، يستطيع العالم العربى استغلال الموانئ الإسرائيلية عـلى البحـر المتوسـط، ويستفيد من قدرة إسرائيل على أن تكون مركزا إقليميا فعـالا لأغـراض التجـارة والخـدمات.
ولا شـك أن السلام مع الأردن سيساعد على تحقيق مثل هذه الإمكانيات، كما أن الاقتصاد المائى، سـيجنى فائـدة كبـيرة من السلام.
وهذا السائل الثمين، سينافس النفط، كعنصر رئيس في النزاعات التي قد تنـدلع في المنطقـة فى السنوات القادمة. وستصبح الاتفاقيات المتعلقة بالميـاه أكـثر صـعوبة فى التحقيـق فى هـذا الـشرق الأوسط الجاف. فالحجم السكاني الكبير، والمتزايد فى هذه المنطقة، يلقي عبئا ثقيلًا ومتزايدًا أيضا على مصادر المياه القليلة فيها، لذا فإن إجراء مفاوضات مبكرة حول موضوع الثروة المائية الإقليميـة، سـيكون لمـصلحة كافـة الأطــــراف، وســــتكون أول دولــــة تــــستفيد مــــن الــــسلام عــــلى هــــذا الــــصعيد، هــــى الأردن، أكثر الدول جفافا.
إذ إن مخصصات الفرد السنوية فيها لا تزيد على 150مترا مكعبا من المياه (مقابـل حـوالى 2000م مكعب للفرد فى سوريا). لذا فالتعاون بين الأردن وإسرائيل، سيؤدى إلى زيادة كميات المياه المتوافرة فى الدولتين معا.
فمثلا، سيوفر السلام إمكانية أن تتعاون إسرائيل والأردن فى إنشاء محطة لتحلية المياه على البحر الأحمر، التى ستكون مشتركة للـدولتين، وأكثر جـدوى عـلى الـصعيد الاقتـصادى مـن إقامـة محطتـين منفردتين، بحجم أصـغر، وسـيكون باستطاعة دولـة جافـة أخـرى تقـع علـى البحـر الأحمـر، الانـضمام إلى المشروع، هى المملكة العربية السعودية. وكذلك الأمر بالنسبة لسوريا، التى يبدو أنها تتمتع بوافر من المياه، حيث إنها تخشى من الجهود التركية، الرامية إلى إقامة سدود على نهر الفرات الذى يزود سوريا بالقسم الأكبر من مياهها.
وفى أعقاب هذه الجهود التركيـة، مـن المتوقـع أن يـزداد التـوتر بـشأن اقتسام ميـاه نهـر اليرموك المشتركة لكل من سوريا والأردن واسرائيل، لذا، يجب أن يتم فى إطار الاستعدادات لإبرام معاهدة سلام مـع سوريا، وضع ترتيبات ثابتة كاستمرار للترتيبات الخاصة باقتسام ميـاه اليرموك مـن عـام 1955، والتـى تـم تحديدها بوساطة إريك جونسن، المبعوث الخاص للـرئـيس الأمريكي ايزنهـاور. كما أن الـسلام، سيـساعد سوريا على الاستغلال الأفضل لمصادر المياه الأخرى المتوافرة لديها.

ويقول: لقد طورت إسرائيل أسلوبا حديثا ومجديا للري مثل أسلوب الرى بالتنقيط، الذي يضمن وصـول 85%، من المياه إلى المزروعات المروية. فى حين أن نسبة الاستفادة مـن ميـاه الـرى فى سـوريا لا تزيـد علـى 40%، وبعد تحقيق السلام، سيصبح بمقدور المزارعين السوريين أن يتعلمـوا مـن إسرائيـل أسـاليب الـرى الحديثـة والمجدية، مثلما تعلمها المزارعون الفلسطينيون، فى الضفة والقطاع.
ويقول: كما يستطيع المهندسون الإسرائيليون مساعدة سوريا فى إنشاء خطوط قطرية لنقل المياه، إلى المنـاطق الجافة فى الدولة، على غرار الناقل القطري للمياه الذى غير وجه الاقتصاد المائى فى اسرائيل.
ومن بين المزايا الإقليمية للسلام، السياحة الحرة وسهولة وصول مواطنى الدول العربية إلى المؤسـسات الطبية فى إسرائيل. ولا شك فى أن المستوى الطبى سيتحسن على مستوى المنطقـة، ويـصبح بمقـدور الأطباء العرب الحصول على تأهيل مهني فى إسرائيل.

ويضيف: إذا كان السلام سيعود بمثل هـذه الفوائـد الكثيرة عـلى العـالم العربي. لمـاذا لم يـنهض زعماء الـدول العربية، ليشرحوا لشعوبهم هذه الفوائد، ويسعوا لتحقيق السلام؟ هل من المعقول أن يكون (150) مليون نسمة، غير مدركين لهذه الحقائق الواضحة والجلية؟.
إن الإجابة على هذا التساؤل، هى أنهم ليسوا جميعا مصابين بالعمى. إذ يوجد فى كـل دولـة عربيـة أشـخاص ليـسوا بحاجـة لأى شرح يحملهـم عـلى الاعـتراف بضرورة إنهاء حالة الحرب مع اسرائيل، والتوصل إلى سلام معها، والعمـل بالتعـاون معهـا مـن أجـل تقـدم الشرق الأوسط، نحو مستقبل أفضل فى القرن21، لكن هذا التوجه يصطدم بعقبتين: الأولى، أن عدد العرب الذين يدركون فوائد السلام، أقل من عدد أولئـك الـذين يرفـضونه. كما أن بعـض الـزعماء العرب الذين يعلنون رغبتهم فى تحقيق السلام، لا يعتبرونه هـدفا فى حـد ذاتـه، إنما مجـرد وسـيلة فقـط، لاسترداد الأراضى التى فقدوها فى الحـرب، أو لـضمان الحـصول عـلى مـساعدات عـسكرية مـن الغـرب.
إن السلام فى نظر الكثيرين من الزعماء العرب، هو مجرد كلام يقصد به تحقيق غايـة مـا. الأمـر الـذى يجعـل بالإمكان التخلى عن السلام فى الظروف المناسبة، وقد لا تطول المدة التى يحل فيها الـسلام. وهكـذا، يمكـن التوقيع على اتفاقية سلام اليوم، والتنكر لها غدًا، بعد الحصول على ثمن هذا السلام وهذا الأسلوب «المـرن» لتحقيق السلام يتناقض مع أسلوب مـواطنى الدولـة الغربيـة، ومن ـضمنهم الإسرائيليون، الـذين يعتـبرون السلام هدفا، لا يرقى إليه الشك.
ويقول: اليسار أو اليمين، فى إسرائيل، جميعهم يرغبـون ويتوقـون إلى إنهـاء حالـة الحـرب مـع العـالم العـربى، والتوصل إلى سلام مستقر ودائم معه. فالخلافات الداخلية فى إسرائيل تتعلق بطرق تحقيق السلام ولـيس حول قيمة وأهمية السلام نفسه.
إن بعض العرب الذين تنسجم وجهة نظرهم بشأن السلام، مع النظرية الغربيـة، يجـدون أنفـسهم فى مواجهة مع شرائح مهمة من المجتمع العربى. فنظرية السلام التى تفهمها هذه الشرائح، تنسجم مع الـسلام الذى يعرضه عرفات على إسرائيل: «سلام صلاح الدين»، ما هو إلاّ هدنة تكتيكية فى حرب مـستمرة، أو انـه كما قال فى مسجد جوهانسبرج عام 1994، «لا يتعدى الاتفاق الذى وقعه النبى محمد مـع قبيلـة قـريش، أى سلام مؤقت، تمهيدًا للقضاء التام على العدو.
والثانى أن أيا من الزعماء العرب الراغبين فى تحقيق سلام دائم مـع إسرائيـل، لا يريـد أن ينهـى حياتـه مثل الرئيس السادات، والرئيس اللبنانى بشير الجُمَيِّل، وآلاف العـرب الفلـسطينيين المعتـدلين، الـذين قتلـوا على أيدى المفتي، ومنظمة التحرير الفلسي طينة مـن بعـده، ومـنظمات فلـسطينية أخـرى بتهمـة «خيانـة» القضية العربية لدى محاولتهم التوصل إلى سلام حقيقي مع إسرائيل.
ويقول: الحقيقة هي، أن أية بادرة عربية لتحقيق مثل هذا السلام مع اليهود، تواجه فورًا بالإرهـاب والتهديـد بالقتل من جانب القوميين العرب المتطرفين والأصوليين المسلمين.
ويضيف: يجب علينا الاعتراف بالواقع المر، وهو أننا سنجد دائما، فى الوسط العربى، جناحا متطرفا يرفض السلام. فسياسة الإرهاب التى اتبعها المفتي -بحسب زعمه- لا تزال قائمة حتى اليوم، كما كانت فى عهد المفتى نفـسه. وطالمـا ظـل مثل هذا الجناح المتطرف من السياسة العربية يملك قوة كافية لإرهاب وتخويف بقيـة الأجنحة وإرغامها على الرقص على أنغامه، سيكون من الصعب جـدا، تحقيـق سـلام حقيقـى وثابـت. لـذا فـإن تقلـيص قـوة المتطرفين على التخويف والابتزاز، يعتبر شطرا حتميـًا لإدارة مفاوضـات سياسـية ناجحـة مـع أى عنـصر فى العالم العربى.
ويزعم نتنياهو: أن المغرب يعتبر نموذجا لهذا المبدأ: عندما كان القذافى فى ذروة قوته، وبعد أن احتل معظم مـساحة تـشاد، وبـث الرعـب فى العـالم، مـن خـلال الإرهاب الـدولى الذي تبنـاه، دخـل الملـك الحـسن الثـانى الـذى يعتـبر «النقـيض المطلـق» للقـذافي، فى وحـدة تثـير الاسـتغراب بـين ليبيـا والمغرب. ولكن بعد بضعة أشهر من القصف الأمريكى لطـرابلس، وهزيمة القـوات الليبيـة فى تـشاد حـل الملك الحسن الاتحاد مع ليبيا، ودعا وزير الخارجية الإسرائيلي لعقد لقاء علــى معـه. ومنـذ ذلـك الوقـت، يسعى الحسن إلى إنشاء علاقات سلام رسمية مع إسرائيل.
ويقول: وكذلك سوريا، التى أدركت بعد حرب الخليج أنه بعد سقوط الحليف السوفيتي، يجب عليها التعامل بحكمة مع عالم أصبحت فيه الولايات المتحدة الدولة العظمى الوحيدة، ولهذا الـسبب اسـتجابت للدعوة الأمريكية بشأن الدخول فى مفاوضات مع اسرائيل، وسمحت لمنـدوبيها بـالجلوس عـلى طاولـة واحـدة مـع المندوبين الإسرائيليين، لمحادثات السلام التى بدأت فى مدريد.

ويضيف: غير أنه فى كثير من الأحيان، يتسبب العالم الغربى فى تفاقم خطورة الوضع، وذلـك عنـدما يتبنـى أسـوأ المتطرفين. إذ عندما يقوم هؤلاء، ببادرة حسنة ما، ولو كا نت ضـئيلة جـدا، يميـع العـالم الغـربى ويكـثر مـن المديح والثناء عليهم، لدرجة أنه يسارع فى التوقيع على اتفاقيات اقتصادية أو عسكرية معهـم، مـن خـلال الافتراض بأن مثل هذه التسهيلات، ستغير الأنظمة المتطرفة بالاعتدال فى مواقفها.
ويقول: لقد برز العيب الشديد فى مثل هذا الأسلوب، فى الثمانينيات عندما كانت الدول الغربية، تتنافس فـيما بينها على تسليح العراق، وقد تكرر هذا الخطأ من جديد، بصورة مدهشة هذه المرة، فى مبـادرة الحكومـة الاسرائيلية، بتأييد حماسى من الدول الغربية، لانشاء قوة عسكرية تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية غـربى نهر الاردن، التى قصد بها ظاهريا، مواجهة حركة حماس، لكنها ستوجه فى يوم ما ضد الدولة اليهودية.
ويضيف: إن الاستنتاج الواضح من كل ما تقدم، هو أنه يجب عدم تـسليح المتطـرفين. ويجـب أيـضًا فـرض قيـود عـلى مبيعات الاسلحة «للمعتدلين»، فالشرق الأوسط، المعتدل اليوم، قد يصبح متطرفا غدا، فى أعقاب ثـورة داخليـة، أو غزو خارجي، أو ضغط سياسي، من جانب العالم العربى، (وهكذا يريد نتنياهو فرض هيمنة إسرائيل على العالم العربى سواء على من يراهم (متطرفين) باعتبار أن ذلك من شأنه أن يهدد أمن إسرائيل أو المعتدلين باعتبار أنهم قد ينقلبون على مواقفهم ويصبحون أكثر تطرفًا، أى أنه يريد من الغرب ودول العالم وقف تسليح أى من دول العالم العربى وتجريدهم من كافة عناصر القوة، حتى يمكنه القبول بالسلام معهم)!!
السلام المرغوب والسلام الموجود
ويزعم نتنياهو أن الطابع الدكتاتورى لأنظمة الحكم العربية، وقوة المتطرفين بينها، يتطلبان من إسرائيل التمييـز بـين»السلام المرغوب» و»السلام الموجود»، أى نوع السلام الذى يمكن تحقيقه فى منطقتنا. لا يوجـد مـواطن إسرائيلي غير راغب أو لا يتمنى أن تكون هنالك علاقة سلام مع العالم العربى، على غـرار تلـك القائمـة بـين الدول الديمقراطية، فى أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية. إن «السلام المرغوب» الذى يتمناه معظم المـواطنين فى إسرائيل، هو نوع السلام المتبع بين الدول الديمقراطية الذى لا يحتاج إلى خـراب للمحافظـة عـلى بقائـه. ولو كان من الممكن إرساء مثل هذا السلام على المدى المنظور، لتخلصنا من مسائل الأمن والردع. إذ إنـه فى ظل سلام كهذا، سيتصالح العرب معنا، صلحا مطلقا، ولأصبح بالإمكان التحدث عـن «شرق أوسـط جديـد»، دون الخوف من انهيار الاتفاقيات التى أبرمت مع العرب فى المستقبل، (أى أنه يريد سلام الخنوع والاستسلام).
وهنا يتساءل نتنياهو: هل نقف حقا، على أعتاب عهد سلام من هذا النوع؟ هذا السؤال، يلزمنا أن نبدأ بطرح السؤال التالي: ما هى الاحتمالات المعقولة لحلول حكومات ديمقراطية محل الأنظمة الدكتاتورية فى الشرق الأوسط؟
ويجيب بالقول: يمكننا الجزم بأنه دون ممارسة ضغوط خارجية شديدة ومستمرة، ليس ثمة أي احـتمال لحـدوث مثـل هذا التحول على المدى القريب، ولا حتى على المدى البعيد ذلك لأن احتمال حدوث تحـولا ديمقراطيا فى معظم أجزاء الشرق الأوسط، وإلى جانبه حـدوث تحـول فى نظريـة الـسلام، يتعلـق، بـصورة مبـاشرة، بقـوة مطالبة العالم الغربى، للعرب باتباع النهج الديمقراطى فى أنظمة الحكم العربية.
ويضيف: لقـد كانـت العلاقـة الوثيقـة بـين القـيم الديمقراطيـة وبـين نمو الرغبـة فى الـسلام، واضـحة دائما للمـسئولين عـن الـسياسة الخارجيـة فى الولايـات المتحـدة، الأمـر الـذى دفعهـم إلى تقـديم مساعدات اقتصادية وغيرها، لـدول عديـدة فى العـالم، لتـشجيعها على تطبيـق مبـادئ الديمقراطيـة فيها، لكن العرب فقط، كانوا معنيين مـن مثـل هـذا الـضغط. وكـان هـذا «الاعفـاء الـديمقراطي» الممنوح للعرب، فى غير مصلحة اسرائيل، المـضطرة للعـيش فى ظـل احـتمال قيـام هـذه الأنظمـة، فى اية لحظة، بالعمل ضـد الدولـة اليهوديـة بـنفس البـشاعة والوحـشية التـى تتعامـل بهـا مـع مواطنيهـا أنفسهم.
ويقول: قبل حرب الخليج، ربما كان من الممكن الافتراض، بأن الغرب يتقدم تدريجيا نحو الطلب مـن الحكـام العرب إتباع النظام الديمقراطى فى بلدانهم. وبعد الحرب، تبين أنه لا أساس لمثل هذا الافتراض.
ويقول: يبدو أن الغرب أعفى العرب من مطالبتهم بالديمقراطية، ليس بسبب سيطرتهم على الجزء الأكبر مـن احتياطى النفط فى العالم فقط، بل بـسبب النظـرة العامـة تجـاههم، التـى ورثهـا مـن وزارة المـستعمرات البريطانية فى نهاية الحرب العالمية الأولى. إن العرب ما زالوا غير مستعدين للديمقراطية، وإن الديمقراطيـة لا تنسجم مع الاسلام، وإن أشكال الحكم التقليدية السائدة فى العالم العربى، مناسبة لهم، وما شـابه ذلـك.. لذا، فان أسلوب التعذيب، وقطع الأعضاء الجسدية، والعبوديـة، وعـدم حريـة الـصحافة، لا تعتبر استبدادًا أبدا.
ويزعم نتنياهو أن الثقافة العربيـة، والعقيـدة الإسـلامية، لا تنطويـان عـلى أى ذريعـة لاعفـاء العـرب مـن الديمقراطية، أكثر مما تنطوي عليه ثقافـة اليابـان فى عـام 1945، والـتراث الـروسى فى عـام 1989، فعلى الرغم من أنـه لم يـسبق أن كانـت فى هـاتين الـدولتين أنظمـة حكـم ديمقراطيـة، لم يتنـازل الغرب عن مطالبه بـشأن تطبيـق الديمقراطيـة فـيهما، إذن لـكى نـستطيع تحقيـق سـلام دائـم فى الشرق الأوسط يجب على الولايات المتحـدة التوقـف عـن تـدليل الأنظمـة الدكتاتوريـة العربيـة. وعليهــا أن تمــارس الــضغط عــلى هــذه الأنظمــة، لحملهــا عــلى احــترام الحقــوق الأساســية للإنسان فى دولها، وتسمح لمن يريد العيش بسلام مع إسرائيل «بالخروج من الخزانة» والإعراب عـن وجهـة نظره علانية. وتشكيل أحزاب سياسية، ومن ثم انتخابه لمناصب تمكنه من إخراج برامجه إلى حيز التنفيذ.
ويقول: مـن المرغـوب فيـه، أن يـتم توقيـع معاهـدات سـلام تـؤدى إلى إنهـاء حالـة الحـرب الرسـمية، لكـن مثــل هــذه المعاهــدات لا تــزال غـير قــادرة عــلى كــبح جــماح خطــر انــدلاع حــرب جديــدة فى المستقبل، لذا يجب أن تشتمل أى تسوية سلمية فى المنطقة، على ترتيبات أمنية مفـصلة، وعلينـا أيـضا، أن ندرس الحد الأدنى من المطالب الأمنية التى تمكن اسرائيل من حماية نفسها من العدوان، وفى نفس الوقـت تحافظ على استمرار السلام.
ويضيف: لا أقصد هنا، المطالب الإقليمية فقط، فوجود ترتيبات أمنية متفق عليها بين إسرائيل والدول العربية مثل، «خط أحمر» بين دمشق والقدس، أو التزام كل طرف بابلاغ الطرف الآخـر عـن المنـاورات العـسكرية الكبيرة، من شأنه تقليل خطر أن يؤدى توتر ما بين إسرائيل ودولة عربيـة، إلى انـدلاع حـرب. ويمكـن أيـضا إنشاء مناطق فاصلة، يحظر فيها حشد قوات عسكرية كبيرة بالقرب من مناطق حدودية حـساسة، بحيـث يتم نزع هذه المناطق الفاصلة من الأسلحة الثقيلة مثل الدبابات والمدافع، ويسمح لضباط من كلا الطرفين بالتجول فيها، والتأكد من تطبيق الاتفاق. وواضح أنه لدى تحديد حدود المناطق الفاصلة، لا بد من الأخـذ بعين الاعتبار الفجوة الكبيرة القائمة بين حجم إسرائيل، وحجم الدول العربية المجـاورة لهـا (كـما يحـق لإسرائيل المطالبة بتقليص حجم الجيش السوري المرابط مقابل حدودها).
ويضيف: غير أن هذه الترتيبات كلها، وبغض النظر عن مدى نجاعتها، لـن تكـون كافيـة فى يـوم مـا، يقـرر فيـه أعداء إسرائيل خرق المبادئ المتفق عليها والشروع فى حرب ضدها.
ويقول: لقد سبق أن أوضحنا، أنه من الناحية العسكرية، لن يكون الجيش الإسرائيلى قادرا على وقف هجـوم وتجنيـد الاحتيـاط، بغيـة ضـمان بقـاء الدولـة، دون العمـق الاستراتيجي المتـوافر حاليـا لإسرائيـل. كـما أن الضمانات الدولية، لا يمكن أن تحمـل مكـان العمـق الاستراتيجي «أو ارتفـاع اسـتراتيجي، كما هـو الحـال بالنسبة للضفة الغربية والجولان معًا»، وكذلك، وضع قوة دولية رمزية فى هضبة الجولان، لـن يكـون كافيـا لحل هذه المشكلة بالطبع، إذ لا توجد لمثل هذه القوة أية أهمية عسكرية، أو قدرة على صد هجوم. فإذا ما قررت سوريا الخروج إلى الحرب، سوف تتغلب على مثل هذه القوة بسهولة، أو أنها ستطلب إخلاءهـا سلفا، مثلما فعل عبد الناصر، قبل حرب الأيام الستة، أو من خلال الأعمال الإرهابية، مثلما انسحبت القـوة الأمريكية من لبنان، بعد نسف قيادة مشاة البحرية فى بيروت، على أيدى عملاء سوريين.
ويضيف: وإذا قررت الدول العظمى استخدام قوة عسكرية كبيرة، فمـن المـشكوك فيـه، أن تكـون قـادرة عـلى إرسال القوات المطلوبة إلى المنطقة، فى الوقت المناسب.
ويقول: لقد أحسنت جولدا مائير فى وصفها الضمانات الدولية بشأن اسرائيل عندما قالت: «حتى يأتوا لإنقاذنا، لن يجدوا ما ينقذونه».
ويضيف: يمكننا إدراك مغزى وقيمة الضمانات الدولية، مما جرى ويجرى فى الـصومال والبوسـنة. ففـى الوقـت الذى عرضت فيه المذابح أمام ملايين المشاهدين فى أنحاء العالم، لم تنجح الدول «الراقية» وعلى رأسها الأمم المتحدة، فى التغلب على عصابات غير منظمـة مـزودة بأسـلحة قليلـة، ولا تعتمـد عـلى دعـم دول عظمـى عسكرية أو اقتصادية. فكيف تستطيع هذه الدول صد جيوش عربية نظامية فى ذروة الحرب؟
ويقول: على أية حال، يجب أن يكون الـدفاع عـن إسرائيـل، بأيـدى قواتهـا العـسكرية فقـط، قـوات تكـون مستعدة وقادرة على العمل فى أى لحظة ضد أى غزو أو هجوم. وبما أن السلام فى الـشرق الأوسـط يرتكـز، أولًا وقبل كل شيء على الأمن، يجب أن نوضح ما هى الحدود الآمنة بالنسبة لإسرائيل، واضح أن حدود مـا قبل حرب الأيام الستة، كانت حدود حرب وليست حدود سلام. إذًا فالسؤال الذى يحتاج إلى الإجابة هو: «إلى أى مدى يجب توسيع هذه الحدود لتحقيق الأمن المطلوب لضمان بقاء السلام»؟
ويضيف: لقـد رأينـا أنـه لـيس المقـصود إضـافة عمـق اسـتراتيجى فقـط، إنمـا الـسيطرة عـلى سلـسلة جبـال الــضفة الغربيــة، الجــدار الــواقى للدولــة مــن أى هجــوم قــادم مــن الــشرق. وكما أوضــحنا، فــإن اسرائيل ليست قادرة على التخلى عن السيطرة العسكرية على هذا الجدار، ولا حتى عـن هـضبة الجـولان، التى تحمى شامل البلاد.لذا، فلا يمكن الحديث عن السلام والأمن الاسرائيليَـيْن، وفى نفـس الوقـت نطالـب بانسحاب إسرائيل إلى حدود غير قابلة للدفاع عنها.
0 تعليق