كيف ستنعكس أزمات ترامب الداخلية على منطقتنا؟ - هرم مصر

الكورة السعودية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

كل يوم يمر يخرج علينا الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأمر غريب، لكن ما إن تتوالى الأيام، إلا ويظهر أن الجديد هو أكثر عجبا وغرابة من سابقه.

لقد ظل العالم لسنوات طويلة ينظر إلى الولايات المتحدة- رغم عديد المسالك المتسمة بغطرسة القوة في الخارج- على أنها واحة وساحة رحبة ونموذج فريد للممارسة الديمقراطية في الداخل.

مبادئ فريدة كانت مدعاة للمحاكاة

فالدستور الأميركي، والإعلانات الأميركية للحقوق التي تتضمن الحريات الأساسية، والمفاهيم المرتبطة بالمساواة وحرية الرأي والتعبير وحق الانتخاب والإعلام الحر، وحكم القانون، وفصل السلطات وعدم تركزها في يد شخص أو هيئة، وحماية حقوق الأقليات، والحق في الحياة، وحماية الملكية والحريات الدينية، وحرية الصحافة، والحق في التجمع السلمي… إلخ، كلها أمور مرَدت عليها الولايات المتحدة، رغم أن بعضها قد انتُهك في لحظة من لحظات الاختبار، كتلك التي مرت بها الدولة الأميركية اليافعة حيال السكان الأصليين من الهنود الحمر في تلك البقعة، وهذا الزمان.

نتيجة الانتهاكات العديدة اليوم لما سبق من قيم ومُثل في الداخل، أصبح كل ما هو مسطور وموثق في حياة الأميركيين من ماضٍ تسعى عديد النظم السياسية لمحاكاته، هو اليوم الاستثناء، حتى إن الأمر بات الآن يُنذر ببزوغ سياسة جديدة، تُبنى على انتهاك كل المواثيق والأعراف السابقة، التي كانت الولايات المتحدة قد شيدتها في لحظات الانعزال، وقبل أن تنغمس خارجيا في السياسة الدولية بين الحربين الكونيتين، وبعد الحرب العالمية الثانية.

إرهاصات وانتهاكات

لقد كان كل ما هو حال- من أمور مقززة ومثيرة للاشمئزاز- مجرد مقدمات وإرهاصات، أساسها انتهاكات بشعة لحقوق الإنسان في العراق وأفغانستان، وقبلهما فيتنام، ناهيك عن انتهاك حق تقرير المصير للشعوب الذي تكسّر على صخرة الصهيونية، وهي الوكيل الاستعماري الأبرز للولايات المتحدة في عالم اليوم في المنطقة العربية.

إعلان

فلا حريات عامة، ولا حرية إعلام وصحافة، ولا حق للشعوب في استغلال ثرواتها، ولا حق لهم في مقدساتهم، وقبل كل ذلك لا حق لهم في الحياة، بل إبادة وتجويع وتهجير ولجوء وقتل وتدنيس ونهب موارد.

ترامب يتجاوز في الداخل كل الخطوط الحمراء

ورغم أن كل تلك المثالب باتت موجهة للخارج، لم يسلم الداخل الأميركي من التنكيل ومحاولات التسلط، عبر عديد الممارسات الشمولية والدكتاتورية، الناتجة عن محاولات استبعاد الآخر، وإسكات المعارضة، بل طال الأمر الرغبة في تزوير الانتخابات عبر وسائل شتى.

فبالأمس القريب، حدث الهجوم على الكونغرس، الذي كان ينظر إليه الكثيرون كقلعة من قلاع الديمقراطية وفصل السلطات، وعدم تغول الإدارة الأميركية بتكبيلها عبر التحكم في الموازنة من خلال رقابة قبلية، فاقت بكثير الرقابة التي ابتكرها الإنجليز، ومارسها وما زال مجلس العموم البريطاني، في مواجهة الحكومة، لما تشكله تلك الرقابة من رقابة بعدية متأخرة.

ففي 6 يناير/كانون الثاني 2021، اقتحم مثيرو الشغب الذين يدعمون محاولات الرئيس الأميركي دونالد ترامب لقلب نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020 مبنى الكونغرس، وأدى الاقتحام إلى عمليات إخلاء وإغلاق للمؤسسة التشريعية، وتعطل جلسة مشتركة بين مجلسي الشيوخ والنواب لفرز الأصوات الانتخابية، وما أعقبه من فوز جو بايدن بالرئاسة.

الجيش في الشارع

وفي واحدة من أكثر المشاهد جدلا كانت خطوات ترامب المتسرعة والانفعالية، التي يستعين فيها بالحرس الوطني ومشاة البحرية الأميركية والجيش، وذلك لقمع المتظاهرين في عديد المواقف التي ظهرت مؤخرا في الداخل الأميركي.

فأحداث كاليفورنيا، وتحديدا مدينة لوس أنجلوس خلال الأسابيع الماضية، ليست بعيدة عن الأذهان، وعن التدليل على أن الرئيس أصبح عاجزا عن استخدام الوسائل الناعمة، والتعويض عن ذلك باستخدام الأدوات الخشنة في التعامل مع الاحتجاجات، التي ضربت المدينة لمواجهة سياسة ترامب إزاء المهاجرين غير الشرعيين.

حاكم ولاية كاليفورنيا غافين نيوسوم، ورئيسة بلدية لوس أنجلوس كارين باس، والمدعي العام في الولاية روب بونتا، كانوا هم الأكثر غضبا من سياسة ترامب، التي نشر بموجبها 2000 من الحرس الوطني في الولاية، وبينما وصف الأول أفعال الرئيس بأنها "خيال مضطرب لرئيس دكتاتوري"، قام الأخير برفع دعوى قضائية لتجاوز ترامب صلاحياته؛ لأنه "دهس" سيادة الدولة باستخدامه قانونا يمنح له التدخل العسكري بالولاية حال تعرضها لغزو أجنبي!

والغريب أن ترامب تمادى وأعلن في مطلع أغسطس/آب، حسب واشنطن بوست، عزمه إنشاء قوة رد فعل سريع لمواجهة الاضطرابات يكون مقرها ألاباما وأريزونا، وقد ترافق ذلك أيضا مع تدخل الحرس الوطني هذا الشهر في شؤون الشرطة بالعاصمة واشنطن؛ لمواجهة الجريمة، بما يُنذر – حسب عدة صحف أميركية – بتحول الولايات المتحدة إلى "دولة بوليسية".

التلاعب بأسس العملية الانتخابية

على جانب آخر، ومن زاوية انتخابية صِرفة، بدأ ترامب منذ أن تم انتخابه مطلع هذا العام، يُردد، ولو كبالون اختبار، عزمه على خوض انتخابات لولاية ثالثة، وهذا الأمر يُخالف الدستور الأميركي، الذي يحظر أن تمتد ولاية شخص واحد في الرئاسة إلى ثلاث مرات، حتى لو كانت متفرقة.

إعلان

والغريب في الأمر أن الرئيس يبدو أنه يستغل موقعه للتدخل في الشؤون المتعلقة بمستقبله السياسي. في البداية أفرج ترامب عن الموقوفين في أحداث اقتحام الكونغرس، في خطوة أثارت استغراب الكثيرين، لكون القاصي والداني قد خبر أن أحداث ذلك اليوم لا تدين هؤلاء فقط، بل تدين ترامب نفسه.

وكان ترامب قد ذكر لشبكة "إن بي سي نيوز" في مارس/آذار الماضي بشأن تفكيره في الترشح لولاية ثالثة بأنه لا يمزح، وقد أشار قانونيون إلى أن الأمر الذي يسعى إليه ترامب يتطلب تعديل الدستور عبر موافقة ثلثي الكونغرس بمجلسيه، وتصديق ثلثي الولايات الأميركية، وهو أمر من المستحيل حدوثه.

في ذات السياق الخاص بالتلاعب في نزاهة الانتخابات وشفافيتها وحيادها، يسعى ترامب منذ أسابيع قليلة إلى تغيير حدود الدوائر الانتخابية في بعض الولايات، لضمان بقاء الجمهوريين فيها كحكام لتلك الولايات، أو بقاء الأغلبية الجمهورية بمجالسها التشريعية، وبالكونغرس الفدرالي.

خطوة ترامب، التي تتركز على ولايات بعينها، يبدو أنها وجدت صدى من الزعيمة الديمقراطية نانسي بيلوسي، التي كانت تعارض مسعى ترامب في البداية، لكنها اليوم عبرت عن أهمية اتخاذ رد فعل مماثل في الولايات ذات الأغلبية الديمقراطية، ولكن بشكل يزيد من تواجد الديمقراطيين على الأرض فيها.

وهو أمر يدل على أن المرأة التي تأكدت أن ترامب جاد في مسعاه، رأت أن أفضل وسيلة لمواجهته هي الهجوم وليس الدفاع. تأكد ذلك من حديث النائب جو موريل، كبير الديمقراطيين في اللجنة المشرفة على الانتخابات الفدرالية، حيث ذكر أن ترامب "يحطم الأعراف والمعايير التي عشنا من أجلها، ونحن نحاول تحسين ديمقراطيتنا، لكنه يدمرها… ليس أمامنا خيار سوى الرد بالمثل".

وكذلك كلام النائب جيمي راسكين من ماريلاند، وهو كبير الديمقراطيين في لجنة القضاء، الذي قال: "أنا أُفضل محاربة النار بالماء وإخراج التلاعب بالدوائر من الخدمة، لكن إذا كان الجمهوريون سيدفعوننا إلى سباق نحو القاع، فعلينا القتال بكل الوسائل المتاحة لدينا".

مواجهة الجامعات بدعوى معاداة السامية

بموازاة كل ما سبق، أقدم ترامب على فتح مواجهة مع الجامعات الأميركية بدعوى أنها تعادي السامية وتدعم حركة حماس، وذلك على خلفية المظاهرات والاعتصامات التي انطلقت من الجامعات للتنديد بإسرائيل بسبب حرب الإبادة في غزة.

في هذا الصدد، أقدم ترامب على تجميد مليارات الدولارات من المنح الفدرالية لجامعات هارفارد وكولومبيا وكاليفورنيا وبرينستون وغيرها.

كما ألغت الحكومة الأميركية اعتماد بعض الجامعات لاستضافة الطلاب الأجانب، ما أدى إلى قيام هارفارد بالتباحث مع جامعات أميركية ودولية رائدة لاستضافة طلابها الأجانب – وهم ربع عدد طلابها – بشكل مؤقت في مواجهة قيود ترامب، وفق صحيفة "فايننشال تايمز".

إضافة إلى ذلك، وقع ترامب عدة قرارات لفرض غرامات مالية على بعض الجامعات، منها مليار دولار بحق كاليفورنيا، متهما إياها بمعاداة السامية.

وهي غرامة تعادل – وفقا لرئيس الجامعة جيمس ميليكين – خمس مرات المبلغ الذي وافقت الجامعة على سداده نظير تسوية اتهامات فدرالية مماثلة بمعاداة السامية، وهي غرامة كفيلة – كما قال – أن "تدمر بالكامل" نظام الجامعة، لا سيما أن الإدارة الأميركية سبق أن جمدت أكثر من نصف مليار دولار من المنح الفدرالية المخصصة لها.

وعلاوة على ما تقدم، فقد أُجبرت جامعة كولومبيا على التعهد بالامتثال لقواعد تمنعها من مراعاة العرق في القبول أو التوظيف. أما "براون"، وهي أحدث مؤسسة تعليمية مستهدفة من قبل ترامب، فقد ذُكر أن شروط ترامب بحقها ستحجب 510 ملايين دولار من المنح، وهو نفس الأمر الذي طال "برينستون" وما يقرب من 60 جامعة أخرى، لذات السبب.

المنطقة العربية في مهب الرياح الترامبية

وسط كل ما تقدم، لا يمكن للمرء إلا أن يتنبأ بأمرين: الأول، أن يكون الداخل الأميركي مدعاة لانشغال الرئيس بتحدياته الداخلية، التي من خلالها لن يصبح متفرغا بشكل معقول للتحديات الخارجية، ومن ثم فإننا سنكون أمام سيناريو يعطي نوعا من الراحة والاسترخاء بعد انتهاء حرب غزة.

إعلان

لكن هذا السيناريو لا يبدو أنه قابل للتحقيق، لأنه يفترض أن الرئيس يعمل دون فريق عمل متناسق، وفكر جماعي شارد مردت مجموعته على الإصرار عليه رغم الأغلبية التي باتت تتنامى ضده داخل المجتمع الأميركي.

لذلك، فإن سيناريو آخر يبدو هو الأكثر ملاءمة، وهو أن الرئيس وفريقه سيستمران في نهجهما الساعي للأحادية ورفض التعددية القطبية، ومن ثم المزيد من غطرسة القوة، بل والاعتماد كلما أمكن على الذات وليس إسرائيل في تأكيد السياسات والسلوكيات، على النحو الذي تبين في ضرب إيران، وعدم الاعتماد على إسرائيل في مهمة القضاء على "النووي الإيراني"، وكذلك العبث بمقدرات سوريا ودروزها، ولبنان ومحاولات تهجير شيعته للعراق مقابل إعمار ما هدمته إسرائيل.

وكذلك محاولات تهجير الفلسطينيين من غزة وامتلاكها عقاريا، والخوض مع مصر بابتزاز موقفها من التهجير مقابل تسوية مسألة سد النهضة، وابتزاز بلدان في المنطقة بغرض استثمار أموالها في الداخل الأميركي.

كل ما سبق ربما يفضي في المدى المتوسط إلى دعم الديمقراطيين، وخسارة أي مرشح جمهوري قادم للانتخابات الرئاسية، لا سيما لو كان هذا المرشح هو نائب الرئيس الحالي، ولربما بروز قوى أميركية جديدة متحدية "الترامبية"، ممثلة في قيادة إيلون ماسك لحزب جديد.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق