فم مر - هرم مصر

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
فم مر - هرم مصر, اليوم الخميس 11 سبتمبر 2025 11:37 صباحاً

هرم مصر - أ.أحلام محسن زلزلة 

كلّما قصر العقل طال اللّسان، وتحوّل إلى مدافع، والكلمات إلى رصاص، لذا بات لزاماً علينا أن نرفع رايات نزع السّلاح.
فكم فمٍ مرٍّ مريض لا يُشفى إلّا إذا شحذ لسانه أو سنّ أصابعه على لوحة المفاتيح، ليكشف عيوب الآخرين.

 

 

 

في المدرسة، في الشّارع، على الشّاشات، في الغابة الإلكترونيّة، ترتفع السّخرية على يد الجلّاد التّشكيليّ، الماهر في رسم النّدوب في العقول، ونحت الإهانات في الصّدور.
نعم! نحن نعيش في زمنٍ تحوّلت فيه الكلمة إلى طلقة، واللّسان إلى سوط، ومن لا يمتلك هذا السّلاح النّاعم وينخرط في جمهوريّة التّنمّر. من لا يفتح منصّة online  على إنستغرام تنشر غسيل النّاس، فهو مادّة للتّسلية، بل ضحيّة تتقدّمها الإهانة المعربدة، أو نائم تحت عجلات الانتحار.
يا أخي! هذا الطّفل لا تهمّه الحروب الدّمويّة، بل يهمّه أن يكون طبيباً يحقن دماء الإنسانيّة، فلمَ تنعته بالغباوة؟
وهذه الفتاة تحبّ الفنّ، لا تحبّ الحساب، فلمَ تنعتها بالفاشلة؟
أتتذكّر المعلّم الّذي وضع على ظهر طفل بريء عبارة: "أنا حمار"، وما أن يراه التّلامذة حتّى يجهشون بالضّحك، ويبدأون بترداد: "تفو عليك! يا كسلان" paresseux!.
 وطفل آخر تربّى على الخنوع، كان يزحف كالدّجاجة على الأرض تحت سياط الضّحك والتّصفيق، إلى أن تتكسّر نفسه من الألم، وينتفخ صدره بالذّل.
هذا السّلاح المُشرّع بالإعجاب الجماعيّ، والتّعليقات الملغومة، وكلّ "إيموجي" فيه إهانة، هو خنجر في صدر روح بريئة.
مجتمعاتنا تحبّ التّنمّر، وتشجّع المرضى السّاديّين، تعيد نشر فيديوهات التّحقير الطّريفة، تضحك، تعلّق، ثم تشيّر البوست لتلهو بالمأساة، وتطرب من النّحيب!
لم لا؟ والمحتوى مربح، وإن على حساب نفوس تخفي كدمات كارثيّة خلف غصّتها بالدّموع.
وكان أن تدخّل القانون المُغيّب! ليضرب التّنمّر بيد من حديد، شاهراً في وجهه غرامة ماليّة تُجرّم حمل هذا الخطر المدمّر.
لكن، أيّها القانون، كيف ستقيس العقوبة؟ أبحسب عدد الكلمات السّاخرة؟ أم بقدر ما تتأذّى الضّحيّة بالجروح المُثخنة؟
ومتى؟ بعد أن تنتهي الضّحيّة بين جدران التّهلكة، أو على حبل مُعلّق على الشجرة. تشاركنا جميعنا في قتلها، ثم مشينا في جنازتها رقمياً لأداء واجب العزاء.
وهل ستنزل العقوبة بمن نزف أم بمن جرح؟
فأيّ قانون سينزع من ذاكرة  الطفل المعنّف لقب "الحمار"، أو يُجبر المتنمّر على الاعتذار من روح هشّمها بكلمة؟
وأيّ خطر يجتاحنا؟ سيل الألسن؟ أم حمم النّيات؟
هذا القانون لا يتعدّى كونه هاشتاغاً لامعاً يدعو لنزع التّنمّر، لكنّه لا يحمي الجلّاد من إخفاء عقد مريرة تنتمي إلى قاع النّفس.
لذا، يا سادة! العبرة ليست في سنّ القوانين، بل في تفعيل تطبيق الإنسانيّة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق