تُعرف فيتنام بأنها واحدة من أكثر الوجهات إثارة لعشاق القهوة حول العالم، حيث لا تُعد مجرد مشروب يومي، بل ثقافة متجذرة في الحياة اليومية للشعب الفيتنامي. تحتل البلاد المرتبة الثانية عالميًا في إنتاج القهوة بعد البرازيل، ما يجعلها لاعبًا أساسيًا في صناعة القهوة العالمية. لكن ما يميزها حقًا ليس الكمية فقط، بل التنوع الفريد في طرق التحضير والمذاق الذي يعكس تاريخًا طويلًا من الابتكار والتقاليد. القهوة في فيتنام ليست مجرد فنجان، بل تجربة حسية تروي قصة بلد غني بالموارد والإبداع.

قهوة الحليب المكثف المثلجة: أيقونة فيتنامية

تُعتبر قهوة الحليب المكثف المثلجة، أو "Cà phê sữa đá"، من أكثر المشروبات شهرة في فيتنام. تُحضر هذه القهوة باستخدام حبوب "روبوستا" المحلية القوية التي تُعرف بنكهتها المركزة، ثم تُسكب فوقها طبقة من الحليب المكثف المحلى الذي يوازن الطعم المر ويضيف لمسة كريمية مميزة. يقدم المشروب غالبًا مع الثلج ليُصبح منعشًا ومثاليًا في الطقس الحار الذي يميز معظم أنحاء فيتنام. الجلوس في مقهى شعبي على أحد شوارع هانوي أو مدينة هو تشي منه والاستمتاع بهذا المشروب يمنح الزائر لمحة عن الحياة اليومية للفيتناميين، حيث يجتمع الأصدقاء ويتبادلون الأحاديث على وقع رشفات القهوة الباردة.

قهوة البيض: ابتكار مدهش من هانوي

من بين الابتكارات الأكثر إثارة في مشهد القهوة الفيتنامي، تبرز قهوة البيض التي نشأت في العاصمة هانوي. ابتكرها أحد الباريستا المحليين في أربعينيات القرن الماضي عندما كان الحليب الطازج نادرًا، فاستعاض عنه بمزيج من صفار البيض المخفوق مع السكر والحليب المكثف. النتيجة كانت مشروبًا غنيًا ودسمًا يشبه الحلوى أكثر من كونه قهوة تقليدية. يُقدم هذا المشروب في أكواب صغيرة فوق حمام مائي للحفاظ على حرارته، وتُشكل طبقته العلوية الكثيفة قوامًا كريميًا يذوب في الفم مع كل رشفة. هذه القهوة اليوم جزء أساسي من الهوية الثقافية للعاصمة، وتجربة لا تُنسى لعشاق الطعم الفريد.

ثقافة المقاهي وحضور القهوة عالميًا

القهوة في فيتنام ليست مجرد منتج للتصدير، بل أسلوب حياة يومي متأصل في المجتمع. تنتشر المقاهي في كل زاوية من المدن، من الأماكن البسيطة المزودة بكراسي بلاستيكية صغيرة على الأرصفة إلى المقاهي العصرية ذات التصاميم الحديثة. كل مكان له طابعه الخاص لكنه يجمع الناس حول القهوة كوسيلة للتواصل الاجتماعي. عالميًا، اكتسبت القهوة الفيتنامية شهرة واسعة، وأصبحت تُقدم في مقاهي متخصصة في أوروبا وأمريكا وآسيا، ما يعكس انتشار ثقافة هذا المشروب الفريد. كما أن المزارع الفيتنامية في المرتفعات الوسطى أصبحت مقصدًا للسياحة الزراعية، حيث يتعرف الزوار على عملية زراعة وتحميص القهوة من المصدر.

القهوة في فيتنام أكثر من مجرد مشروب؛ إنها رمز للابتكار والصمود والتقاليد المتجذرة. من قهوة الحليب المكثف المثلجة المنعشة إلى قهوة البيض الكريمية المدهشة، يحمل كل فنجان نكهة تحكي قصة أرض مليئة بالحيوية. زيارة فيتنام تعني خوض رحلة عبر عالم القهوة المتنوع، حيث تمتزج الأصالة بالابتكار في كل رشفة.