راشد شاتيلا : الذكاء الاصطناعي والمحاماة… شراكة نظرية للاستعداد للمستقبل - هرم مصر

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
راشد شاتيلا : الذكاء الاصطناعي والمحاماة… شراكة نظرية للاستعداد للمستقبل - هرم مصر, اليوم الثلاثاء 9 سبتمبر 2025 01:52 مساءً

هرم مصر -  راشد شاتيلا

 

 

لم تكن المحاماة يوماً مجرد مهنة، بل كانت على الدوام رسالة قائمة على حماية الحقوق وصون الحريات والدفاع عن كرامة الإنسان. وكلما تقدّمت البشرية بخطوات واسعة في العلم والمعرفة، كان لا بد أن تُطرح أسئلة جوهرية حول أثر هذه التحولات على العدالة ودور المحامي في صونها. وفي زمن تتسارع فيه ثورة التكنولوجيا، يطلّ علينا الذكاء الاصطناعي كأحد أبرز التحديات والفرص في آنٍ واحد.

 

إن ما نعرضه هنا ليس أكثر من نظرية استشرافية تستهدف الاستعداد للمستقبل، وفتح النقاش حول كيفية التعامل مع هذه الظاهرة قبل أن تفرض نفسها بشكل كامل. فالذكاء الاصطناعي، بقدراته المتنامية على معالجة كمّ هائل من القضايا في وقت قياسي، يمثّل أداة يمكن أن تساعد المحامي في عمله، وتمنحه وقتاً أوسع للتعمق في المرافعة وصياغة الحجج القانونية. فهو قادر على تقديم دعم تقني يرفع من كفاءة الأداء ويعزز الدقة، ما يعود بالنفع على مهنة المحاماة والعدالة على السواء.
لكن هذه الفوائد لا تعفينا من النظر بعين اليقظة إلى المخاطر المحتملة. فالاعتماد المفرط على أدوات الذكاء الاصطناعي قد يُضعف البعد الإنساني الذي تقوم عليه المحاماة، ويجعل الدفاع أقرب إلى حسابات آلية تفتقر إلى الضمير والوجدان. فالعدالة ليست أرقاماً ولا بيانات، بل هي روح ومبدأ، وهي القدرة على الإنصات لآلام الناس وتجسيد معاناتهم في قاعات المحاكم. وهذه مهمة لا يمكن لآلة، مهما بلغت، أن تقوم بها بدلاً عن المحامي.
من هنا، يصبح التوازن هو الخيار الأمثل: الذكاء الاصطناعي ينبغي أن يكون وسيلة في يد المحامي، يسانده في البحث والتحليل، لا أن يحلّ محله أو يختزل دوره. وهنا يأتي دور نقابات المحامين في وضع معايير مهنية وأخلاقية تنظّم العلاقة بين المحامي والتقنية، بما يحفظ مكانة المهنة ويضمن أن تبقى الكلمة الفصل للإنسان، لا للآلة.
 إن ما نطرحه اليوم يندرج في إطار رؤية نظرية واستعداد فكري للمستقبل، كي يكون المحامون جاهزين للتعامل مع التطورات المقبلة، لا أن يفاجَأوا بها. فالتاريخ أثبت أن المجتمعات التي واجهت التطور بالرفض الكامل خسرت، بينما تلك التي استوعبته وطوّعته لخدمة قيمها تقدمت وارتقت. واليوم، نحن أمام فرصة مماثلة: أن نجعل الذكاء الاصطناعي معيناً للمحامي، يرفع من مستوى الممارسة، ويعزز العدالة، شرط أن نُحسن ضبطه وتوجيهه.
 إن المحاماة ستبقى ركناً أساسياً من أركان العدالة، وسيبقى المحامي، بضميره ووجدانه، خط الدفاع الأول عن الحق. أما الذكاء الاصطناعي، فمكانه الطبيعي أن يكون شريكاً داعماً، لا بديلاً ولا منافساً. وبهذا التوازن، نصون رسالتنا ونطوّر أدواتنا، ونكتب للمهنة فصلاً جديداً يليق بتاريخها ودورها في بناء مجتمع عادل.

    
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق