شهدت الليرة التركية تراجعًا تاريخيًا جديدًا خلال تعاملات يوم الاثنين، لتكسر حاجز الـ 40 ليرة مقابل الدولار الأمريكي للمرة الأولى منذ اضطرابات الأسواق في مارس/آذار الماضي.
ويأتي هذا الهبوط الحاد في أعقاب أنباء عن تصعيد قضائي جديد ضد حزب المعارضة الرئيسي خلال عطلة نهاية الأسبوع، مما أثار موجة من القلق في أوساط المستثمرين وأدى إلى تراجع جماعي في الأصول التركية.
الأسواق تتفاعل سلبًا
مع افتتاح الأسواق، هوت الليرة التركية إلى ما دون المستوى النفسي الهام البالغ 40 مقابل الدولار، لتصل خسائرها منذ بداية العام إلى نحو 11%. ولم يقتصر التأثير على العملة، حيث انخفض مؤشر بورصة إسطنبول الرئيسي (BIST 100) بنسبة 1.4%.
وفي إشارة إلى تزايد المخاطر المتصورة، ارتفعت تكلفة التأمين على الديون السيادية التركية، حيث صعدت عقود مقايضة التخلف عن السداد (CDS) لأجل خمس سنوات بمقدار 5 نقاط أساس لتصل إلى 286 نقطة. كما شهدت السندات الحكومية التركية تراجعًا هي الأخرى.
شرارة الأزمة: ملاحقة زعيم المعارضة
جاءت ردة فعل الأسواق العنيفة بعد أن أطلقت السلطات التركية تحقيقًا مع زعيم حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزَل، مساء الأحد، بتهم "إهانة الرئيس" و"تهديد مسؤولين عموميين". ويأتي هذا التحقيق على خلفية خطاب ناري ألقاه أوزَل انتقد فيه بشدة اعتقال ثلاثة رؤساء بلديات آخرين من حزبه.
وقد كثّف أوزَل في الأيام الأخيرة من انتقاداته للرئيس رجب طيب أردوغان، متهمًا الحكومة بتنفيذ ما وصفه بـ"انقلاب زاحف"، وتحدى الرئيس بالدعوة إلى انتخابات مبكرة، ملوّحًا باحتجاجات جماهيرية.
سياق أوسع من الضغوط
يمثل هذا التحقيق الجديد فصلاً إضافياً في حملة قضائية مستمرة منذ شهور، طالت عشرات المسؤولين المعارضين. بدأت موجة الاعتقالات في وقت سابق من هذا العام مستهدفة رؤساء بلديات مناطق تابعة لحزب الشعب الجمهوري، وتوسعت لاحقًا لتطال شخصيات بارزة مثل رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، الخصم السياسي الأبرز لأردوغان، والذي أدى الحكم بسجنه في مارس/آذار الماضي إلى موجة بيع عنيفة في الأصول التركية.
وامتدت الحملة لتشمل صحفيين وطلابًا وفنانين وحتى رجال أعمال، بتهم تتراوح بين الفساد و"إهانة الرئيس" و"القيم الوطنية". وبينما تؤكد الحكومة أن القضاء يعمل باستقلالية، ترى المعارضة أن الهدف هو إسكات الأصوات الناقدة وتقويض مكاسبها في الانتخابات البلدية الأخيرة.
تحليل الخبراء: استراتيجية مدروسة وتأثير اقتصادي
يرى محللون أن هذه التطورات تعكس استراتيجية متعمدة من قبل الرئيس أردوغان. وقال وولفانغو بيكولي، الرئيس المشارك لشركة "تينيو" الاستشارية، إن الخطة تبدو "حملة بطيئة وطويلة الأمد، يراهن فيها أردوغان على الوقت وسيطرته على المؤسسات لتفتيت حزب الشعب الجمهوري من الداخل".
ويأتي هذا التصعيد السياسي في وقت حرج، حيث تحاول تركيا تثبيت استقرار اقتصادها من خلال سياسات نقدية تقليدية تهدف لاستعادة ثقة المستثمرين الأجانب. وقال توفان كومرت، استراتيجي الأسواق الناشئة لدى بنك BBVA، إن حالة عدم اليقين الناتجة عن هذه التحقيقات "قد تُضعف التفاؤل الذي أثارته بيانات التضخم الأضعف من المتوقع الأسبوع الماضي".
من جهته، حذر بيوتر ماتيس، كبير استراتيجيي العملات لدى In Touch Capital Markets، من أن استمرار الضغط البيعي على الليرة قد يُجبر البنك المركزي على تأجيل أي خطط لاستئناف دورة خفض أسعار الفائدة. وأضاف: "رغم أن المعايير الديمقراطية ليست دائمًا العامل الأهم للمستثمرين، فإن محاولات تشديد القبضة على السلطة تؤدي غالبًا إلى نزوح رؤوس الأموال".
0 تعليق