فيلم "ما بعد" لمها الحاج .. عن الفلسطيني في خسائره وصموده! - هرم مصر

جريدة الايام 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

 

كتبت بديعة زيدان:

 

يستكشف فيلم "ما بعد"، الروائي الفلسطيني القصير للمخرجة مها الحاج، مواضيع الفقدان والصمود والأثر الدائم لحرب الإبادة من خلال قصة زوجين يعيشان في مزرعة منعزلة.
يركز الفيلم، الذي افتتح فعاليات مهرجان عمّان السينمائي الدولي في العاصمة الأردنية، مساء الأربعاء الماضي، على "سليمان" و"لبنى"، اللذين لجآ إلى مزرعتهما لمواجهة ماضٍ أليم، لكن هدوءهما هذا لا يدوم طويلاً، بحيث يزعزعه صحافيٌّ يبحث في تاريخهما الخفي.
يعيش الزوجان، ويجسد دوريهما الفنانان القديران محمد بكري وعرين عمري، أيامهما المتشابهة، برتابة في مزرعتهما، هربا من ألم الفاجعة التي ألمت بهما، ولا يزالان ينكرانها، ولو دون وعي، فيعيشان كأنها لم تكن، وكأنها لم تحدث، لكن وصول صحافي، ويجسد دوره الفنان عامر حليحل، يُبدد حياتهما الهادئة هذه، مُجبرا إياهما على مواجهة حزنهما الدفين وحقيقة خسارتهما الكارثية.
يغوص "ما بعد" في الآثار العميقة والدائمة للحرب، والحزن الذي لم يُغادر أصحابه المنكوبين بسببها، كما يُسلّط الضوء على صمود الروح البشرية في مواجهة المعاناة، وكيف يُنشئ الناس واقعهم الخاص للتأقلم مع الصدمات، مهما كَبُرت.
ويتميّز الفيلم، حدّ الإشادة، بسرده القصصي المتقن، وأدائه القوي، وتصويره السينمائي المؤثر، دون مُبَاشرة في تصوير العنف، لكن مع الحفاظ على انعكاس الثقل العاطفي للتجربة الفلسطينية إبّان الحرب التي تستعر منذ قرابة العامين، وفي ظل النكبة المستمرة منذ سبعة وسبعين عاماً ويزيد.
وتميزت مها الحاج، وهي كاتبة نص الفيلم أيضاً، بدقة ما قدمته وعمقه الدقيق، فأسلوبها يتيح لأحداث الحكاية الانسياب بشكل طبيعي، دون إقحام أو اقتحام، بعيداً عن الشعاراتية والصُراخ البراني، وإن كان ثمة صراخ جواني أشبه بزلزال يمكن لمسه فيما قد يعتبره البعض إنكاراً، بينما يعتبره آخرون تأقلماً، وهو ربّما كلاهما، فهي المقاومة بتجاهل شكلاني، قدمه باقتدار وعُمق كل من بكري وعمري وحليحل، ما جعل من تأثيره العاطفي بالغاً في نفوس المشاهدين.
تصوير الفيلم كان سلساً دون فذلكة، إذ ركّز على الشخصيات والقصة بالأساس، ما أضفى أجواءً مميزةً على إظهار تكوين الفيلم بتأويلاته، وشعوراً مُركّزاً بالمكان، وتفاصيله التي هي انعكاس لحياتهما التي توقفت لديهما، على الأقل، ما قبل الفاجعة، أو بمعنى أدق قفزت عنها، لتواصل التناسل، كما الأبناء الذين هم أحياء وأموات في الوقت ذاته!
وكان فيلم "ما بعد" نال استحسان النقاد حول العالم، لأسلوبه في تقديم ليس فقط معناة الشعب الفلسطيني المتواصلة، بل انسحاب الحدث على ضحايا الحروب كافة، بعيداً عن تخصيص جغرافيا بعينها، علاوة على قدرته على إيصال مواضيع معقدة دون اللجوء إلى تصويرها باللجوء إلى دراما مفتعلة، حد تجاهل يوميّات الحرب المأساوية لجهة تأثيراتها التي تحفر في دواخل ما يعيشونها ويعايشونها عميقاً، ما أهّل الفيلم للحصول على جوائز في مهرجانات سينمائية مرموقة عدّة، من أبرزها مهرجان لوكارنو، ومهرجان كليرمون فيران.
بالمجمل، يمكن اعتبار فيلم "ما بعد" من أهم الأفلام المنتجة حديثاً، لكونه يُقدم منظوراً مقنعاً ودقيقاً للتجربة الفلسطينية في الخسارة والصمود، ما يجعله إضافة مهمة للسينما الفلسطينية في الألفية الثالثة.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق