في واحدة من أكثر صور التناقض قسوة ودموية، تحولت استراحة ترفيهية على شاطئ بحر مدينة غزة إلى مسرح لمجزرة جديدة أُطلق عليها اسم "مجزرة كافتيريا الباقة"، لتوثق صدمة كبرى في الوجدان الغزي بين مكان خصص أصلا ليكون ملاذا للراحة من ضغوط الحرب والحصار، فتحول في لحظات إلى ساحة دمار وذكرى دامية لن تمحى من ذاكرة المدينة المحاصرة.
لم يكن الجالسون في الكافتيريا سوى نازحين فرّوا من القصف المستمر، وصحفيين يسعون لتوثيق معاناة الناس، وطلاب بحثوا عن إشارة اتصال يطمئنون بها أهاليهم بأنهم ما زالوا أحياء.
لكن الصاروخ الذي استهدف المكان أغلق كل الأبواب، ليعيد تعريف الحياة والموت على الطريقة الغزية: حيث لا مكان آمنا ولا زمن للهدنة.
ومع انتشار صور الدماء والأشلاء الممزقة على الشاطئ، اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي موجة صدمة وحزن عميق، إذ تفاعل آلاف النشطاء والمدونين مع هذه الجريمة المروعة، متسائلين عن حجم التناقض بين كلمتين لا يمكن أن تجتمعا في مكان واحد: "مجزرة" و"كافتيريا".
وقال أحد المدونين: "لك أن تتأمل حجم التناقض بين الكلمتين: "مجزرة" و"كافتيريا". من كان يتخيل يوما أن تتحول الكافتيريا، المُعدّة أصلا للترفيه والاستمتاع قبالة شاطئ البحر، إلى بركة من دماء البشر تسبح فيها الأشلاء الممزقة؟".
ورأى آخرون أن غزة هي المكان الوحيد الذي لا يعرّف فيه التناقض عن نفسه كما في أي مكان آخر، حيث أعادت الإبادة صياغة كل المفاهيم بطريقة دامية ومأساوية، حتى إن من كان داخل الكافتيريا لم يكن هناك للاستجمام، بل للبحث عن نافذة حياة وسط الحرب.
إعلان
وأشار نشطاء إلى أن كل محاولة يقوم بها شاب غزي لصناعة نصف حياة أو أخذ قسط قصير من الراحة بعيدا عن مشاهد الدماء تُقصف فورا، لتؤكد مجددا أنه لا مكان آمنا على الإطلاق.
وأكدوا أن استراحة "الباقة" لم تكن مجرد مقهى، بل بيتا وملتقى للأصدقاء والشباب من شمال غزة إلى جنوبها، حتى تحوّلت إلى قبر جماعي في لحظة واحدة.
حكايات الشهداء الأخيرة
رأى عدد من النشطاء أن كثيرا من الجالسين في تلك اللحظة كانوا قد وعدوا أهاليهم بلحظة صفاء قصيرة قرب البحر، محاولة للابتعاد عن أجواء الموت التي تملأ المكان، لكن المحتل المجرم أرسل صواريخه عليهم ليغتال لحظة تجرؤوا فيها على استنشاق السعادة، ويحيل يومهم إلى فاجعة جديدة تُضاف إلى سلسلة طويلة من المآسي.
وأضاف آخرون أن استراحة "الباقة" لم تكن مجرد مقهى، بل كانت بمثابة بيت يجمع شباب غزة وملتقى للأصدقاء والأحبة بلا مواعيد، ليحوّلها الاحتلال اليوم إلى قبر جماعي وصورة أخرى من صور الإبادة الجماعية.
شهادات مؤلمة وصور لا تُنسى
وأشار مدونون إلى أن الجميع كان يقصد "الباقة" دون موعد محدد، لأنها كانت المكان الذي يلتقي فيه كل من تعرفه، لكنهم اليوم اجتمعوا على موعد واحد مع الموت، وتحولت الذكريات على شاطئ البحر إلى مجزرة مفتوحة على الحزن.
وكتب أحد النشطاء: "كافتيريا الباقة لم تكن مجرد استراحة، كانت ملاذا أمانا، متنفسنا الوحيد الذي نجتمع فيه كأنها بيتنا. وللأسف، تحوّل هذا المكان إلى مسلخ ومقبرة وموت جماعي".
وأضاف آخر: "في غزة، حتى الشاطئ لم يعد آمنا، حتى البحر صار ساحة موت".
الرمال والبحر شهود على المأساة
واعتبر آخرون أنه على شاطئ البحر، حيث تهرب العائلات من الموت إلى نسمة حياة، ارتكب الاحتلال مجزرة مكتملة الأركان. وقال أحد المدونين: "كانت الرمال تضحك تحت أقدام الأطفال، والماء يداوي الخوف للحظة، ثم جاء الصاروخ فامتلأت الاستراحة بالدم، لا بالأصداف".
وكتب آخر: "في لحظة، تحوّلت الباقة التي جمعت العائلة والضحك والطعام البسيط إلى صمت أبدي. جثث مبعثرة على الرمال، أمهات يصرخن بجنون، وآباء يبحثون عن أطراف صغارهم بين الأمواج".
وأضاف مدون آخر: "في استراحة الباقة أجساد مقطعة بلا ملامح… رؤوس طارت إلى البحر وصار الموج يحمل أشلاءهم. مجزرة جديدة تُسجل في ذاكرة الدم".
إعلان
وتساءل عدد من المدونين بمرارة: "أي ذنب اقترفه هؤلاء؟ أي تهديد شكلوه على هذا الشاطئ العاري من كل شيء إلا الحياة؟ كانت النزهة الأخيرة، وكانت البسمة الأخيرة، وكان البحر شاهدا على مجزرة مكتملة الأركان. كيف لشعب هزيل وضعيف أن يتحمل كل هذا الظلم الهائل؟".
مسرح جريمة مكتملة الأركان
ورأى آخرون أن لحظة صفاء قصيرة تحوّلت إلى مسرح جريمة مكتملة الأركان، إذ تحوّل المكان في ثوانٍ إلى مشهد يفوق الوصف، حيث الأشلاء المبعثرة على الكراسي، والصراخ الممزوج برائحة البحر، والدماء التي تغسلها أمواج الصمت العربي.
وأكدوا أن القصف وقع بلا أي إنذار مسبق، لتُزهق أرواح الجالسين في لحظة واحدة، تماما كما يُقتل الحلم في هذه البقعة المنكوبة التي اعتادت أن تدفع ثمنا باهظا لمجرد التجرؤ على الحياة.
بدوره، قال مصدر طبي بمستشفى الشفاء لقناة الجزيرة إن 34 شهيدا -معظمهم من النساء والأطفال- سقطوا في القصف الإسرائيلي، وسط تقديرات بأن الحصيلة مرشحة للارتفاع بسبب الإصابات الخطيرة.
0 تعليق