دردشة مع الكاتب أكرم صوراني: في خيمتي أكلت ملوخية مخلوطة بالرمل والعاصفة - هرم مصر

جريدة الايام 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

 

حاوره زياد خداش:

 

كيف أكتب عن أكرم صوراني، عن "أبو الضحك الرنان"؟
كيف أبدأ تقديمه؟
أأقدّمه مستعيراً طريقته في تقديم الحياة والآخرين؟ حسناً، سأفعل.
أقدّم لكم ضحكة غزّة التي لم تتناول لقمة منذ أسبوع.
أقدّمه لكم بضحكة مجنونة أستعيرها من قاموس فمه المليء بالحب والامتنان،
كيف أصف حياة "أبو الخيمة الكبيرة" تحت الإبادة والحر والبرد والجوع؟
كيف أمرّ على صاحب النصيب الأوفر من الواقعية الحزينة، دون أن أسمع حكايته مع بيته الذي عاد إليه بأضرار قليلة، وسقط أكرم مع أسرته على بابه مضرجين بنشوة غمضة مركبة تقطر دماً؟
هذه "الصحة النفسية" التي يتمتّع بها أكرم كانت أساس أدب السخرية الذي يقود أهم اتجاهاته في فلسطين.
حين يُذكر الأدب الفلسطيني الساخر، علينا فوراً أن ننطق باسم أكرم صوراني؛ فأدبه هذا ليس تهريجاً ولا تسلية، بل هو أشدّ أنواع الكتابة قرباً من الحزن.. هذه دردشة معه:

* أكرم، طمّنّي على نوافذ بيتك الذي عدتَ إليه من الجنوب. كيف تبدو غزّة منه؟
- نوافذ البيت لا ينقصها سوى النوافذ. ومن وراء بقاياها، أقصد من وراء النايلون...
أنت أمام هضاب وسهول وجبال من قمامة وركام وكائنات حيّة ما زالت تمشي رغم أن الحرب كسرت ظهرها.
المدينة بلا شبابيك ولا زجاج ولا شوارع.
بعض الناس تسكن في قفصها الصدري، وبعضها الآخر في مخيمات على أطراف الطرقات.
أتذكّر حالي، وخالد، وكارمن، وأماني، وطعم التشرد، ونحن نذهب كل مساء إلى مربع من شادر كتبنا عليه "هُنا الحمّام".
اكتشفنا حشرات لم تكتشفها قناة ناشيونال جيوغرافيك بعد.
عندما رجعت إلى غزة، شاهدت كل شيء... لكنّي لم أرَ غزة.

* لحظة دخولك بيتك بعد طول الغياب، ماذا فعلت؟ وماذا فعلتْ أماني وأولادك؟
- لحظة عبور تاريخية بعد خيبة أمل العودة إلى الشمال
صرخت كارمن: "بيتنا"!
قبّلت الجدران، احتضنت الأبواب، ضحكت هستيرياً وصرخت.. كأننا ندخل متحفاً.
اكتشفنا كل شيء من جديد: الخزائن، الدروج، الحمّام، البانيو، التخت، الغسالة...
البيت هو الوطن، والوطن هو البيت.
اكتشاف متأخّر بعد خراب البدن والمدن.

* أخطر حوار دار بينك وبين أماني في خيمة الجنوب، ما مضمونه؟
-تحت هدير الكواد كابتر، صارحتها أني اشتقت لصدر مشوي، ولحضن فخذة، وضلعة خروف، وسمكة بغمزة.
اشتقت لعرس بلا دعوة، لوليمة فلافل، ولسهرة مع ابن صديقي المدفون تحت الأنقاض
اشتقت لحالي.

* موقف مضحك في لهيب خيام غزة، سخرتَ من نفسك بسببه؟
- أكلة ملوخية غزاوية: أسوأ ملوخية في حياتي، خلطتها العاصفة بالرمل
وموقف ثانٍ: قررت الاستحمام في البحر بصابونة وشامبو
البحر ضحك عليّ... وأنا غنيت له: "البحر بيضحك ليه"؟

* كم صديقاً فقدت؟ هل بكيت؟ وأين تُخبّئ دموعك؟
- فقدت كثيرين... جيراناً، أصدقاءً، ونفسي.
"نحن لم نعد نحن".
نعم بكيت، وأبكيت.
خبّأت دموعي في حضن أماني، أو في ضحكات هستيرية أقرب إلى الصراخ في الوادي.

* أي نوع من الفاكهة تُشبه غزة؟
- كارمن صرخت فوراً: "الصبر".
نعم، الفاكهة التي تشبه غزة هي "الصبر".

* هل تنام؟ هل صار للنوم مفهوم جديد لديك؟
- في كل ليلة أبحث عن "مزيل أرق".. عندي أرق، ولا أجد المزيل.

* ماذا حصل للمرضى النفسيين في غزة وسط الجنون؟
- الإحصائية تقول 2700 حالة جنون، لكني أقول: في غزة مليونان.
تجاوزنا ثنائي القطب، وصار عندنا ثلاثي ورباعي وخماسي القطب..

* يلفت النظر تعاون الناس في نقل الجرحى وانتشال الشهداء. هل هي خاصية غزية أم بشرية؟
- طبيعة بشرية، نعم، لكن ما يحدث في غزة تجاوز المنطق. نعيش في "اللامنطق، واللاعقل، واللاوعي".

* أنت تتمدّد الآن تحت كواد كابتر، وقد وقفت فوق رمش عينيك. قل لها جملة
- إنّي أتمدّد بالحرارة وأتقلّص بالكواد كابتر

* يتكرر اسم أماني كثيراً في كلامك. من هي؟
- صديقتي التي أنتجت معي خالد وكارمن، وكتبي الثلاثة.
الاسم الحاضر في بيانات الفصائل: "من أجل تحقيق أماني وتطلعات شعبنا".

* شجار بينك وبين أماني في الخيمة. لا تقل إنّه لم يحدث؟
- الشجار حدث ويحدث.. أحدها كان حول بقائنا في خيمة المواصي أو الانتقال لباطون دير البلح. في النهاية تنازلت لأماني، لكن تبيّن أنه لا أمان لا في الباطون ولا في الخيمة.

خاتمة أكرم
الرحلة لم تنتهِ بعد يا زياد
الزنانة والكواد كابتر لا تزالان تغنّيان: "راجعين يا هوى".
أخشى أن نكون بانتظار رحلة جديدة حول كوكب غزة... أو خارجها.
سأحكي فصولها لاحقاً، إن بقي في العقل والعمر بقية.
من قلب العدوان... كل الحب يا صديقي العزيز زياد.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق