مراسلو الجزيرة نت
طهران- في تصعيد خطير قد يعيد تشكيل ملامح صراع الشرق الأوسط، شنت إسرائيل فجر -الجمعة- ضربات جوية مركزة استهدفت مواقع نووية وعسكرية حساسة داخل إيران، أبرزها العاصمة طهران ومحافظة أصفهان.
وقد طالت هذه العملية -التي نُفّذت باستخدام طائرات حربية وصواريخ بعيدة المدى- منشأة نطنز النووية، ومقار ومستودعات تابعة للحرس الثوري، إضافة إلى مواقع عسكرية شديدة التحصين.
كما أسفرت عن مقتل عدد من أبرز القادة العسكريين، على رأسهم اللواء محمد باقري (رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة) واللواء حسين سلامي (قائد الحرس الثوري) واللواء غلام علي رشيد (قائد مقر "خاتم الأنبياء") والعميد أمير علي حاجي زاده (قائد القوة الجوفضائية للحرس الثوري) إلى جانب عدد من العلماء النوويين البارزين.
فشل الدبلوماسية
جاءت الضربة الإسرائيلية المفاجئة في وقت بالغ الحساسية، قبل أقل من 48 ساعة من موعد الجولة السادسة من المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن، والتي كان من المقرر أن تُعقد الأحد بالعاصمة العُمانية، ضمن مساعٍ دولية حثيثة لإحياء الاتفاق النووي المتعثر.
وقد ترك هذا التصعيد أثرا فوريا على المشهد الدبلوماسي، إذ أعلنت إيران إنهاء مصير المفاوضات، وسط تساؤلات عن مدى جدوى استمرارها في ظل هذه الأجواء المتوترة.
إعلان
ورغم إعلان السلطات عدم تسجيل أي تسرّب إشعاعي من المنشآت المستهدفة خارج محيطها، فإن الغارات الإسرائيلية طالت أيضا أحياء سكنية قريبة من المواقع العسكرية، مما أدى إلى سقوط ضحايا في صفوف المدنيين، وهو ما يضيف بُعدا إنسانيا إلى الكارثة ويزيد من تأجج المشاعر الشعبية داخل إيران.
وفي أولى ردود الفعل الإيرانية، أصدر المرشد الأعلى علي خامنئي سلسلة قرارات بتعيينات عاجلة لإعادة هيكلة القيادة العسكرية، حيث تم تعيين اللواء محمد باكبور قائدا عاما للحرس الثوري خلفا لسلامي، واللواء علي شادماني قائدا لمقر "خاتم الأنبياء" التابع لهيئة الأركان، كما عُيّن اللواء عبد الرحيم موسوي رئيسا للأركان خلفا لباقري، وفق ما أعلنه التلفزيون الرسمي.
وفي ضوء هذا التصعيد الخطير والخسائر النوعية التي تكبدتها إيران، ومع استمرار حالة التأهب العسكري في إسرائيل وإيران على حد سواء، تتزايد المخاوف من انزلاق المنطقة نحو مواجهة مباشرة شاملة بين الجانبين، تتجاوز حدود الضربات الموضعية إلى حرب مفتوحة، قد لا تبقى داخل حدودهما الجغرافية فقط.
المواجهة الأوسع
وحول تطورات المشهد الإقليمي بعد عملية "طوفان الأقصى" الفلسطينية، قال الباحث في الأمن الدولي عارف دهقاندار إن المعادلات بالمنطقة دخلت مرحلة جديدة، ومع مرور الوقت أصبحت الأوضاع أكثر تعقيدا، مشيرا إلى أن احتمال التصعيد بين إيران وإسرائيل كان مطروحا منذ شهور، وقد بدأت مؤشراته تتجلى بوضوح في الآونة الأخيرة.
وأضاف للجزيرة نت أن الهجوم الذي بدأ منذ الليلة الماضية ضد "السيادة الإيرانية من جانب الكيان الصهيوني" تميز بمستوى غير مسبوق من العدوان، سواء من حيث استهداف المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال، أو من خلال الضربات الموجهة إلى القواعد العسكرية وعمليات الاغتيال الدقيقة لقادة عسكريين بارزين وعلماء نوويين.
إعلان
وبرأيه، تجاوز هذا النمط من الهجمات الخطوط الحمراء لإيران، ولم يعد بالإمكان التزام ما يُسمى الصبر الإستراتيجي. وعليه، فإن "ردا متكافئا -بل وأكثر قوة- بات حتميا، ومن المرجح أن يكون سريعا وغير محدود بإطار رد تقليدي".
وأشار دهقاندار إلى أن المستوى الحالي من التصعيد الإسرائيلي يعني عمليا دخول المنطقة في أجواء حرب شاملة، وإيران -على الأرجح- ستقدم ردا يتجاوز بكثير عمليات "الوعد الصادق 1 و2″ سواء في طبيعته أو مداه، إذ من غير المتوقع أن تكتفي برد محدود أو مواجهات محسوبة.
وختم بالقول إن ما يميز هذا التصعيد عن سابقيه هو احتمال اتساع رقعة المواجهة واستمرارها، بخلاف جولات التوتر السابقة التي كانت سرعان ما تُطوَّق أو "تُفرمل" دبلوماسيا.
استعداد للسيناريوهات
من جانبه، أشار خبير العلاقات الدولية أشكان ممبيني إلى أن هذا العمل "لا يُعد فقط جريمة حرب موصوفة، بل يعكس مدى اليأس الذي يعيشه الاحتلال الإسرائيلي بعدما لجأ إلى تنفيذ هجمات إرهابية داخل الأراضي الإيرانية، في محاولة للهروب من هزيمة باتت وشيكة".
وأضاف للجزيرة نت أن استهداف القادة العسكريين والكوادر العلمية البارزة في الأشهر الأخيرة يُبرز بوضوح أن إسرائيل تمارس سياسة اغتيالات منظمة، تنتهك القانون الدولي وتهدد الأمن الإقليمي والدولي.
وفيما يتعلق بالموقف الإيراني الرسمي، رأى ممبيني أن تعيين القيادات الجديدة يعكس استجابة مدروسة وسريعة من القيادة العليا، ويُرسل رسالة واضحة بأن طهران تتهيأ لأي سيناريو محتمل.
إعلان
وأضاف "أما في ما يتعلق بما إذا كان هذا الإجراء يعني الدخول في حرب واسعة أم لا، فيجب القول إن هذا سؤال محوري. ففي ظروف يقوم فيها العدو بانتهاك صارخ للقواعد الدولية، فإن الحفاظ على الجاهزية، وإعادة بناء هيكل القيادة بسرعة، وتعزيز قوة الردع، يُعد ضرورة حيوية"
وختم "وعلى الرغم من أنه لا يمكن القول بشكل قاطع إن حربا شاملة قد بدأت، فإن المؤشرات تدل على أن الجمهورية الإسلامية تتهيأ لكافة السيناريوهات، بما في ذلك المواجهة المباشرة".
0 تعليق