توازن معقد بين المبادئ والمصالح - هرم مصر

الخليج 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

بول روزنزويغ *

في أول مئة يوم من ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، سارعت مؤسساتٌ محلية عدة، من شركات المحاماة والجامعات البحثية، إلى كبرى شركات تصنيع الأدوية، مروراً بالمقاولين الحكوميين، إلى الاستجابة لمجموعة من مطالب الإدارة الجديدة. لكن طموح ترامب لم يتوقف عند حدود ذلك، فمطالبه وأفعاله قد تُسهم في عزل البلاد بشكل متزايد عن بقية العالم.
وينبغي أن يكون القطاع الخاص أبعد نظراً في هذا الشأن. إذ لا تزال الشركات الأمريكية تتحمل المسؤولية والفرصة في آن واحد للدفاع عن المُثل الأمريكية العليا التي تدعم النمو الاقتصادي والديمقراطية في جميع أنحاء العالم. صحيحٌ أن رياح السياسة تتغير، لكنّ علاقاتنا وثقة حلفائنا ليست بذاك التقلب.
قد يستغرق إصلاح الضرر اليوم عقوداً. ولحسن الحظ، لا تزال بعض الشركات تُدرك الأمر. ومنها مايكروسوفت، التي تأسست قبل 50 عاماً على يد صديقين من أيام الدراسة الثانوية، بيل غيتس وبول ألين. وعلى الرغم من أنها تعاني عيوباً شأنها شأن غيرها، من مشكلات مستمرة في الأمن السيبراني، إلى ممارسات الترخيص التقييدية، إلا أن الشركة لا تزال تتخذ خطواتٍ جريئة لتحدي إدارة ترامب.
فعلى سبيل المثال، انطلق موقف مايكروسوفت المؤيد لأوروبا الشهر الماضي عندما أعلن نائب رئيس مجلس الإدارة والرئيس، براد سميث، التزامات رقمية جديدة لحماية البيانات الأوروبية من يد إدارة ترامب التي باتت تطول كل شيء، حتى إنه وعد برفع دعاوى قضائية ضد وزارة العدل الأمريكية إذا لزم الأمر لحماية حقوق العملاء وأصحاب المصلحة الآخرين. ومع تزايد التوتر في العلاقة بين الولايات المتحدة وأوروبا، أظهرت أحدث إجراءات مايكروسوفت أن الشركات الأمريكية يمكنها أن تلعب دوراً جوهرياً في الحفاظ على العلاقات الممتدة لعقود والتي تدعم الديمقراطية الغربية. ولهذا، تستحق رائدة ويندوز الإشادة.
وعلى عكس شركات التكنولوجيا الكبرى الأخرى، قاومت مايكروسوفت رؤية ترامب لأمريكا. وبدأ هذا في الأيام الأولى من ولايته الرئاسية الثانية، حيث اختار قادة الشركة التنفيذيون حضور المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بدلاً من حفل التنصيب. نعم، ربما زار سميث، برفقة الرئيس التنفيذي ساتيا ناديلا، مار آلاغو، كأقرانهما، للقاء ترامب وفانس قبل حفل التنصيب، ولكن عندما سُئل عن سبب غيابهما وقت الحدث الرئيسي، أجاب سميث «إن لدى الشركة أماكن أفضل للتواجد فيها».
لقد دعمت مايكروسوفت باستمرار زيادة الوصول إلى «الذكاء الاصطناعي الأمريكي»، وكانت متفائلة بشأن فرص القطاع المتاحة لها بمجرد عودة ترامب إلى منصبه. ومع ذلك، حققت الشركة توازناً دقيقاً بين تأييد الإدارة الحالية في بعض المجالات وعدم التنازل عن القيم الأمريكية.
وهذا أمرٌ مثير للإعجاب، بالنظر إلى حجم الخسائر التي قد تتكبدها مايكروسوفت. إذ تمتلك الشركة حصة 85% من سوق البرمجيات الإنتاجية في القطاع الحكومي الأمريكي، ومليارات الدولارات من العقود الفيدرالية. ويُقال إنها تخضع لتحقيق واسع النطاق من لجنة التجارة الفيدرالية لمكافحة الاحتكار، ويُدقق في ممارسات ترخيص البرمجيات وأعمال الحوسبة السحابية لديها.
وفي وقت أدارت فيه شركات أخرى ظهرها لأوروبا لكسب ودّ ترامب في محاولة لتخفيف المخاطر، لم تفعل مايكروسوفت ذلك. وللتوضيح، لم تكن وحدها. فقد بدأت مؤسسات أمريكية بارزة أخرى بتحدي رغبات الإدارة الأمريكية. وعلى سبيل المثال، رفضت جامعة هارفارد مطالب ترامب، وواصلت رفض إجراءات إدارته الأخيرة، بما في ذلك رفع دعوى قضائية لوقف تجميد مليارات الدولارات من الأموال الحكومية المخصصة للجامعة.
كما عارضت شركات المحاماة الكبرى، مثل «جينر وبلوك» و«ويلمرهيل»، ترامب. في المقابل، قدمت بعض الشركات المماثلة خدمات مجانية للإدارة تُقدر بملايين الدولارات، بما في ذلك شركة فسخت مايكروسوفت عقود العمل معها نتيجة لذلك، قبل توظيف «جينر وبلوك».
في غضون ذلك، حافظت كثير من الشركات الكبرى على التزاماتها وبرامجها المتعلقة بالتنوع والشمول، على الرغم من الهجمات الأخيرة من البيت الأبيض، ومنها «كوستكو» و«أبل» و«سيسكو»، بالإضافة إلى مايكروسوفت نفسها، التي قالت إن العمل على التنوع والشمول أهم من أي وقت مضى.
وتجاهلت مايكروسوفت تهديد ترامب باتخاذ إجراءات ضد الشركات إذا رفعت أسعارها رداً على رسومه الجمركية، من خلال زيادة أسعار أجهزة «إكس بوكس»، وأجهزة التحكم، وبعض الألعاب. كما رفعت شركة «بروكتور آند غامبل» الأسعار بنسبة 1% في الربع الأخير، وأعلنت نيّتها بيع منتجات جديدة بأسعار أعلى مستقبلاً.
عندما أُعيد انتخاب ترامب، كانت الكثير من الشركات الأمريكية الكبرى متحمسة للفرص الاقتصادية المُحتملة التي تُتيحها إدارةٌ شفافة قائمةٌ على مبدأ المقايضة. وبينما استفادت بعضها، حُرمت أخرى - مثل «ميتا» و«أمازون». لكن المخاطر أكبر من الربح.
الآن هو الوقت المناسب لنعرف أي المؤسسات مستعدةٌ للالتزام بالمبادئ التي ميّزت أمريكا منذ تأسيسها، وكذلك العلاقات سادت خلال القرن الماضي. تلك هي المؤسسات التي تستحق ثناءنا.
* أستاذ محاضر في القانون بجامعة جورج واشنطن. ومساعد وزير الأمن الداخلي الأسبق لشؤون السياسات (ذا هيل)

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق