تالياً، ومنذ عقود، ظلّ الحج مشروعاً سنوياً تُعيد فيه المملكة تعريف التنظيم، وترسم في كل موسم معادلةً صعبة: كيف تخدم ملايين ضيوف الرحمن، وتبقى قريبة من كل حاجّ، وكأنك تخاطبه وحده؟
وحين يتكرّر هذا السؤال، لا تأتي الإجابة فقط من التنظيم، بل من تلك المشاريع التي تعمل في صمت، وتتقدّم بهدوء، لتترك أثرها في صميم التجربة. ومشروع إثراء المشاعر واحدٌ من تلك الإجابات الهادئة. ليس الغرض هنا الحديث عن طوابق المباني، أو عدد الصالات، أو مدة الإنجاز، رغم أنها مؤشرات تستحق التقدير: كبناء 46 مبنى، من أصل 62 في زمن لا يتجاوز 100 يوم، وهي بطاقة استيعابية تصل إلى 20 ألف حاج، ومبانٍ ذات طابقين بباحات داخلية ومرافق شاملة. لكن القيمة الحقيقية لا تكمن في العدد، بل في المعنى الجديد الذي تمنحه هذه التفاصيل لتجربة الإقامة.
فأن يقيم الحاج في بيئة تراعي راحته، وتنصت لاحتياجاته، وتمنحه الخصوصية والأمان، فهذه ليست رفاهية، بل هي امتدادٌ لصوت الرؤية الطموحة.
ما فعله هذا المشروع أنه وضع ضيف الرحمن في قلب المعادلة، ليس بوصفه ضيفاً عابراً، بل ضيفاً عزيزاً تُبنى له المساحة التي تليق بحضوره، ويُحترم فيها جسده المتعب، وروحه المقبلة على الطمأنينة. وليس سرّاً أن المملكة، في رؤيتها، لم تعد تنظر إلى الحج على أنه فقط حدث موسمي، بل تجربة إيمانية يجب أن تكون محاطة بأقصى درجات العناية، من الأرض التي يطؤها الحاج إلى السقف الذي ينام تحته.
أخبار ذات صلة
قد لا يعرف كثير من الحجاج أسماء الشركات المنفذة أو الجهات المتعاونة، ولا يحتاجون لذلك؛ ما يهمهم أن يجدوا مكاناً لا يشعرهم أنهم مجرد رقم في كشف، بل ضيوف في بيت يُحسن استضافتهم. وهذا هو جوهر مشروع إثراء المشاعر.
لا أكتب هنا دفاعاً، ولا تطبيلاً، بل توصيفاً لمشهد جديد بدأ يتشكّل. وتدشينه في موسم الحج ليس صدفة في التوقيت، بل إشارة ذكية إلى أن المملكة تمضي إلى الأمام، بخطى واثقة وثابتة.
وفي زمن أصبحت فيه الضيافة مؤشّراً حضارياً، وإذ تتقدّم المنظومة خطوة نحو الإنسان، فإنها لا تسعى لإراحته فحسب، بل تمنحه شيئاً يُشبه الذكرى.. ذكرى يعود بها، ويحملها معه طويلاً.
0 تعليق