من غزة إلى الضفة.. هل تكتب إسرائيل فصلا جديدا في الحرب؟ - هرم مصر

سكاي نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

بينما تتواصل العمليات العسكرية في قلب مدينة غزة، ويعلو خطاب الضمّ في الضفة الغربية، يبدو أنّ إسرائيل بصدد الانتقال من معركة محدودة ضد حركة حماس إلى مشروع أوسع يستهدف البنية السياسية الفلسطينية برمّتها.

فالحصار المشدد، والتهديدات الصريحة للسلطة الفلسطينية، وتقارير الإعلام الإسرائيلي عن طول أمد المعركة، كلّها مؤشرات على أنّ الفصل الحالي من الصراع لن يشبه ما سبقه.

غزة.. حرب طويلة بلا أفق سريع

كشفت التقديرات الصادرة عن القناة الثانية عشرة الإسرائيلية أنّ الجيش يطوّق مدينة غزة وينفذ عمليات في مناطق جديدة لم يدخلها منذ بداية الحرب. هذه العمليات لن تكون قصيرة، بل مرشحة لأن تكون "قوية ولكن طويلة الأمد"، على حد وصف المصادر.

المقاربة الإسرائيلية، كما ينقل المقرّبون من نتنياهو، ليست مجرد عملية عسكرية، بل استثمار في لحظة ضغط أميركي تدفع باتجاه استغلال الفرصة لـ"تدمير حماس".

وبينما تحاول الحكومة تصوير الأمر كحرب اضطرارية، تؤكد الوقائع أن الهدف يتجاوز ردّ الفعل إلى هندسة مشهد جديد في القطاع.

تصريحات سموتريتش.. من حماس إلى السلطة

اللافت أنّ الخطاب الإسرائيلي لم يعد محصورًا بحركة حماس. وزير المالية بتسلئيل سموتريتش لوّح صراحةً بأنّ السلطة الفلسطينية قد تلقى مصير حماس إن هي "تجرأت على المساس بإسرائيل".

وفي مؤتمر خصّصه لما أسماه "خطة فرض السيادة والضمّ"، شدّد على أنّ إقامة دولة فلسطينية خط أحمر مرفوض مهما كانت التحديات.

بهذا، تنتقل التهديدات من الساحة العسكرية في غزة إلى مشروع سياسي أوسع في الضفة الغربية، عنوانه فرض السيادة الإسرائيلية الكاملة.

وهو تطور يفتح الباب أمام سؤال أكبر: هل نحن أمام إعادة صياغة للمعادلة الفلسطينية برمتها؟

إسرائيل تتحرك بإجماع شعبي

أوضح الأكاديمي والخبير في الشؤون الإسرائيلية نائل الزعبي خلال حديثه إلى "الظهيرة" على سكاي نيوز عربية أنّ ما يجري ليس قرار شخص أو حكومة، بل تعبير عن إرادة واسعة داخل الشارع الإسرائيلي. برأيه، هناك نقطتان توحد الإسرائيليين على اختلاف تياراتهم: إعادة المختطفين، والقضاء على حماس.

يرى الزعبي أنّ حماس تملك اليوم "مفتاح تفادي الحرب"، لكنها فقدت شرعيتها دوليًا وإقليميًا، من الولايات المتحدة إلى أوروبا والدول العربية. وفي نظره، مماطلة الحركة في ملف الأسرى تُفاقم الكارثة، وتُدخل غزة في مأساة أكبر.

ويضيف أنّ الحرب ليست هدفًا بحد ذاته لإسرائيل، بل وسيلة لتحقيق هذين الشرطين اللذين لا خلاف عليهما في المجتمع الإسرائيلي.

حرب تتجاوز حماس إلى مشروع استعماري

على النقيض، قدّم الدكتور أمجد شهاب، أستاذ العلوم السياسية من القدس، قراءة مختلفة جذريًا. فهو يعتبر أنّ تصريحات نتنياهو وباقي القيادات الإسرائيلية ليست سوى واجهة لبروباغندا تخفي مشروعًا أعمق: تدمير غزة وإخضاع الضفة تحت ذرائع أمنية ودينية.

يؤكد شهاب أنّ استطلاعات الرأي داخل إسرائيل تظهر رفض 80% من الشارع لاستمرار العملية العسكرية بالشكل الحالي، وهو ما ينقض رواية "الإجماع".

كما يرى أنّ الهدف الحقيقي ليس تحرير الأسرى، إذ لا يمكن تحقيق ذلك عسكريًا، بل من خلال صفقات كانت حماس قد أبدت موافقتها عليها مرارًا.

ويمضي أبعد من ذلك، محذرا من أنّ الخطاب الديني الذي يتحدث عن "نبوءات توراتية" و"إعادة الهيكل" بات حاضرًا في تبرير العنف، وهو ما يحوّل غزة إلى ساحة اختبار أيديولوجي أكثر منها معركة عسكرية محدودة.

فجوة في السرديات

التحليل المقارن لمداخلتي الزعبي وشهاب يبرز فجوة واضحة في السرديات:

من منظور إسرائيلي داخلي: الحرب ضرورة وجودية لإعادة المختطفين وإنهاء حماس، مع تفويض شعبي وسياسي واسع. من منظور فلسطيني عربي: الحرب ستار لمشروع استعماري يسعى لتفريغ غزة والضفة وإعادة رسم الجغرافيا السياسية لصالح إسرائيل.

هذا التباين يكشف حجم التشابك بين المستويين: الأمني الظاهري، والاستراتيجي الكامن.

الضفة الغربية.. ساحة الصراع المقبلة؟

تصريحات سموتريتش لا يمكن قراءتها بمعزل عن التوسع الميداني في غزة. فهي تعني أن الضفة ليست بمنأى عن الحرب، حتى في ظل غياب نشاط مسلح لحماس هناك.

الخطاب السياسي الإسرائيلي يشير بوضوح إلى نية فرض ضمّ واسع النطاق، وهو ما يضع السلطة الفلسطينية نفسها في دائرة التهديد.

التوازي بين غزة المحاصرة والضفة المهددة بالضم يوحي بأن إسرائيل تعيد صياغة استراتيجيتها على أساس "إدارة صراع شامل" لا "معركة موضعية".

ما بين الحسم والغرق في الاستنزاف

إذا كان نتنياهو يعلن أن معركة غزة "اقتربت من الحسم"، فإنّ التقديرات الميدانية والإسرائيلية ذاتها تشير إلى العكس: حرب طويلة، صعبة، ومكلفة.

التناقض بين الخطاب الرسمي والواقع يفتح الباب على سيناريوهات استنزاف قد تضع الجيش الإسرائيلي أمام تحديات أكبر مما يتوقع.

في المقابل، استمرار المماطلة في ملف الأسرى، كما يرى الزعبي، أو التمسك بمشروع تدمير شامل كما يحذر شهاب، يجعل من "النصر المطلق" الذي تتحدث عنه الحكومة الإسرائيلية هدفًا بعيد المنال، وربما مستحيلًا.

فصل جديد أم مسار بلا نهاية؟

المشهد الراهن يشير إلى أنّ إسرائيل بالفعل بدأت فصلًا جديدًا من الحرب، فصلًا يتجاوز معركة غزة العسكرية ليشمل إعادة تشكيل المشهد الفلسطيني ككل.

لكن السؤال الجوهري يبقى: هل تستطيع إسرائيل تحقيق "حسم" في ساحة يختلط فيها الأمني بالديني، والسياسي بالأيديولوجي، أم أنّها تدفع نفسها والمنطقة إلى دوامة استنزاف طويلة لا مخرج واضحًا منها؟.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق