Published On 2/9/20252/9/2025
|آخر تحديث: 18:17 (توقيت مكة)آخر تحديث: 18:17 (توقيت مكة)
نشرت مجلة فورين بوليسي الأميركي مقالا تحليليا للكاتب إيان لوستيك، أستاذ العلوم السياسية المتقاعد في جامعة بنسلفانيا، وصف فيه الجدل في "حق إسرائيل في الوجود" بأنه مغلوط وخارج السياق.
وقال إن الدولة باعتبارها كيانا سياسيا معترفا به تتمتع بهذا الحق كغيرها من الدول الأخرى. لكن الإشكال الحقيقي -في رأيه- يكمن في النظام الصهيوني-اليهودي الذي يحكم إسرائيل منذ تأسيسها، والذي كرّس التمييز ضد الفلسطينيين والعرب، وقاد إلى حروب متكررة، وتوسع استيطاني، ونظام فصل عنصري داخلي وخارجي.
وأشار إلى أن السؤال الحاضر في النقاشات العامة والخاصة في العالم هو: هل لا يزال لإسرائيل حق في الوجود؟
ويعزو الكاتب السبب في طرح هذا السؤال إلى الحرب المستعرة في قطاع غزة وما ارتبط بها من مستويات مدمّرة من العنف والخراب، وقمعها الفلسطينيين في الضفة الغربية بنظام فصل عنصري أشبه بما عرفته الولايات المتحدة في ظل "قوانين جيم كرو".
يُذكر أن "قوانين جيم كرو" هي مجموعة من التشريعات التي فرضت الفصل العنصري والحرمان من الحقوق المدنية في الولايات الجنوبية الأميركية في ثمانينيات القرن الـ19.
وجاء رد أستاذ العلوم السياسية المتقاعد على السؤال بنعم، إن لإسرائيل الحق في الوجود، إلا أنه يستدرك "إن ما يسميه نظام الامتياز اليهودي الصهيوني" الذي يحكمها قد لا يكون له مثل هذا الحق.
مفاهيم مميزة
يميّز الكاتب بدقة بين 3 مفاهيم: الدولة، النظام، والحكومة. فالدولة كيان معترف به دوليا، أما النظام فهو الإطار القانوني الذي يحدد من يحكم وكيف، والحكومة هي الأشخاص الذين يملؤون المناصب فترة محدودة. وبهذا التمييز، يمكن فهم كيف أن أنظمة تسقط بينما تبقى الدول، وفق تفسيره.
ويستحضر لوستيك أمثلة من التاريخ، وتحديدا في عهود ألمانيا النازية، وإيطاليا الفاشية، واليابان الإمبراطورية، وجنوب أفريقيا العنصرية، وإيران الشاه.
إعلان
ويوضح أن في كل تلك الحالات لم يُسحب "حق الوجود" عن الدولة نفسها، بل استُبدل النظام.
وحتى خطة مورغنثاو الشهيرة لم تصل إلى حد إلغاء ألمانيا كدولة، في إشارة إلى المقترح الذي قدمه وزير الخزانة الأميركي هنري مورغنثاو لإضعاف ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية عبر القضاء على صناعة الأسلحة لديها وإزالة أو تدمير صناعات رئيسية أخرى أساسية للقوة العسكرية.
إيان لوستيك: السؤال الجوهري هو: "هل لا يزال للنظام الإسرائيلي الحق في الاستمرار؟ وهل يمتلك شرعية المطالبة باحترام قرارات حكوماته؟"
استثناء
صحيح أن الدول قد تختفي، مثلما انهار الاتحاد السوفياتي عام 1991، لكن لوستيك يعتبر ذلك استثناء، فالأنظمة غالبا ما تتغيّر وتبقى الدول.
ففي عام 1989 تغيّرت الأنظمة في أوروبا الشرقية، لكن الدول بقيت. وفي الصين أزاح النظام الشيوعي النظام القومي القديم. وفي إيطاليا أُطيح بالفاشية لتحل محلها الجمهورية. وفي اليابان تحولت الإمبراطورية إلى ملكية دستورية. وفي إيران أسقطت الثورة نظام الشاه لصالح الجمهورية الإسلامية.
ورغم أن هناك دعوات كثيرة لتغيير النظام الإيراني، فإنه لا أحد يشكك في حق الدولة الإيرانية في الوجود، طبقا للمقال الذي يضيف كاتبه أن العالم تعاون في التسعينيات مع حزب المؤتمر الوطني الأفريقي لإسقاط نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا دون أن يمس ذلك شرعية الدولة.
امتياز لليهود وإقصاء للفلسطينيين
أما إسرائيل -والحديث لا يزال لكاتب المقال- فهي دولة أنشأتها الحركة الصهيونية، وصدّقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947، ثم اعترف بها العالم في 1948، إلا أنها لم تعرف سوى نظام حكم واحد هو النظام الصهيوني الذي منح الامتياز لليهود، وأقصى العرب.
ووفقا للمقال، فما بين عامي 1948 و1966 خضع المواطنون العرب في دولة الاحتلال لحكم عسكري صادر معظم أراضيهم. بيد أن سياسات التمييز التي كانت سائدة آنذاك استمرت حتى بعد انتهاء ذلك النظام وذلك عبر أقسام "الشؤون العربية" في الوزارات، تحت إشراف الأجهزة الأمنية.
ويقر لوستيك أن إسرائيل فشلت في إنتاج حكومات قادرة على صنع السلام مع الجيران أو حلّ مأساة الفلسطينيين التي رافقت تأسيس الدولة وتوسعها.
وهنا لب القضية، كما يفيد الكاتب، مضيفا أن الحكومة الإسرائيلية ترفض إنهاء حرب تبدو تارة وسيلة لإنقاذ مستقبل رئيس وزرائها بنيامين نتنياهوالمطلوب للمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية وتارة فورة انتقامية بلا جدوى، وتارة أخرى حملة تطهير عرقي صريحة.
ومع الحرب في قطاع غزة والمجاعة التي تفتك بالناس هناك، والقتل المتعمد للأطفال، وهجمات إسرائيل على إيران وسوريا، يتساءل كثيرون: هل لا يزال لهذا النظام شرعية أخلاقية وسياسية؟
غير أن الكاتب يرى أنه سواء كان ما تفعله إسرائيل "إبادة جماعية" أم لا، فذلك "نقاش لغوي". أما السؤال الجوهري -من وجهة نظره- فهو: "هل لا يزال للنظام الإسرائيلي الحق في الاستمرار؟ هل لا يزال يمتلك شرعية المطالبة باحترام قرارات حكوماته؟"
حل الدولتين سراب سياسي
يعتقد أستاذ العلوم السياسية المتقاعد أن التغيير الجذري في إسرائيل يمكن أن يأتي بهزيمة عسكرية، أو ثورة اجتماعية، أو انتفاضة داخلية، أو -وهو الأرجح- بتعبئة جماهيرية طويلة الأمد، مدعومة بعزلة دولية عن النظام الحالي.
إعلان
ويزعم أن "الصهاينة الليبراليين" لطالما عقدوا آمالا على إمكانية إصلاح التمييز ضد العرب داخل إسرائيل، وتحقيق "صهيونية مخففة" تعترف بحقوق الأقليات مع الحفاظ على الطابع اليهودي للدولة.
وكان هذا التصور يعتمد قبل كل شيء على قيام دولة فلسطينية في الضفة وغزة لتكون "متنفسا" للقومية الفلسطينية من جهة، ولتمنع "الكابوس الديمغرافي" للأغلبية العربية من جهة أخرى.
لكن لوستيك يعود فيقول، إن انزلاق إسرائيل نحو اليمين المتطرف، والتوسع الاستيطاني الهائل، والانهيار العملي لحركة السلام جعل حل الدولتين مجرد سراب سياسي، يستخدمه السياسيون لمآربهم الخاصة، سواء كانوا مؤيدين أم معارضين.
0 تعليق