غزة- قال رئيس المكتب الإعلامي الحكومي بغزة الدكتور إسماعيل الثوابتة، إن الوضع الإنساني في القطاع يزداد سوءا وكارثية، ولا تزال المجاعة تفتك بالمدنيين، رغم مرور أسبوعين على إعلان التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي عن المجاعة رسميا في مدينة غزة.
وشدد الثوابتة في حوار للجزيرة نت، على أن هذا الإعلان والبيانات والمواقف الدولية تبقى حبرا على ورق، ما لم تتخذ إجراءات فعلية ضاغطة على الاحتلال لإنهاء الحصار وفتح المعابر، والسماح بتدفق الإمدادات الإنسانية بكميات ونوعيات تضمن وقف كارثة المجاعة.
وحذر من أن الوقت من دم واحتمال وقوع حالات موت جماعي يزداد، في ظل مخططات إسرائيلية لتهجير سكان مدينة غزة إلى جنوب القطاع، وزيادة الضغوط على المدنيين، حيث لا توجد مساحات كافية وآمنة، وسط حالة من الفوضى الممنهجة وانتهاج الاحتلال سياسة "هندسة التجويع" لدفع الغزيين للنزوح والتهجير.
وإليكم نص الحوار:

كيف تصف واقع المجاعة في غزة؟
الوضع كارثي بكل المقاييس؛ المجاعة التي أُعلنت قائمة فعليا، حيث يواجه مئات الآلاف مستويات جوع كارثية تتجلى في نقص الغذاء وارتفاع معدلات سوء التغذية الحاد وزيادة الوفيات.
هذه ليست أزمة مؤقتة بل نتيجة مباشرة للحصار والإبادة الممنهجة التي ينفذها الاحتلال الإسرائيلي وبرعاية أميركية كاملة، والتي تدمر الأسواق والبنية التحتية وتمنع دخول الإمدادات الإنسانية.
المجتمع الدولي أمام التزام قانوني وأخلاقي بوقف هذه الجريمة فورا وضمان تدفق الغذاء والدواء والوقود بلا قيود، مع محاسبة مجرمي الحرب من قادة الاحتلال عن استخدام التجويع سلاحا.
هل تقتصر المجاعة على نطاق مدينة غزة وفقا للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي؟
المجاعة لا تقتصر على مدينة غزة، رغم أنها كانت أول منطقة يُعلن فيها التصنيف رسميا، والمؤشرات تؤكد أن كل مناطق القطاع تواجه مستويات كارثية مماثلة، وتتجه سريعا نحو الانهيار الغذائي.
إعلان
وجعل الحصار وإغلاق المعابر والتدمير الممنهج للأسواق والمزارع والبنية التحتية للأمن الغذائي هشا في كل مكان. وحتى التقارير الدولية تتوقع توسع نطاق الجوع الحاد خلال أسابيع إذا لم يتم التدخل العاجل، ما يعني أننا أمام أزمة شاملة تتجاوز حدود المدينة لتشمل كامل القطاع.
استنادا لذلك، ألم يحدث أي تغيير على واقع المجاعة منذ إعلانها رسميا قبل نحو أسبوعين؟
أؤكد أنه لم يطرأ أي تحسن على الأرض للأسف. ما دخل من مساعدات لا يلبي سوى جزء ضئيل من الاحتياجات، وقد أعلنا عن ذلك في بياننا، أمس الاثنين، بأن الكميات تقدر بـ 14% فقط من الاحتياجات الفعلية، وتتعرض للسرقة بمنهجية وبرعاية إسرائيلية، وعليه فإن الاحتلال لا يزال يمنع دخول الكميات اللازمة، مع استمرار الفوضى الأمنية ونهب الشاحنات، وهو ما تثبته معدلات سوء التغذية والوفيات اليومية.
وتؤكد المؤشرات الميدانية، أن الجوع الكارثي مستمر، وأي تحسن يتطلب فتح المعابر تماما ودوما وتأمين وصول المساعدات مباشرة للمدنيين.
دأبتم على توصيف ما يحدث بهندسة تجويع ينتهجها الاحتلال، ماذا تقصدون؟
هندسة التجويع هي سياسة ممنهجة يتبعها الاحتلال بمنع الغذاء، وعرقلة المساعدات، وضمان عدم وصولها لمستحقيها، وتدمير الأسواق ومخازن الإمداد، بهدف إضعاف السكان المدنيين وكسر إرادتهم.
هذه الإستراتيجية تستهدف تقويض الصمود ودفع السكان للنزوح القسري، وهي ممارسة مجرّمة بموجب القوانين والمواثيق الدولية، حيث إن استخدام الجوع سلاحا يعد انتهاكا خطِرا يرقى إلى جريمة حرب وربما جريمة إبادة، ويتطلب تحركا عاجلا من المجتمع الدولي لوقف هذه الممارسات ومحاسبة مرتكبيها المحتلين المجرمين.
هل تُفاقم التهديدات الإسرائيلية لمدينة غزة من واقع المجاعة؟
مخطط الاحتلال لتهجير أكثر من مليون فلسطيني من مدينة غزة وشمال القطاع إلى الجنوب سيعمّق المجاعة في كل القطاع. النزوح الجماعي يفاقم الضغط على مناطق تعاني أصلا من شح الغذاء والماء، ويضاعف الكثافة السكانية بما يفوق قدرة الإغاثة.
إنذار الاحتلال للسكان بالنزوح جنوبا ليس إنسانيا بل وسيلة لتجريد السكان المدنيين من أرضهم وتحويلهم إلى لاجئين دائمين، مع تكريس واقع يعتمد على المعونات غير الكافية، والنتيجة الحتمية ستكون جوعا أوسع، وانهيارا صحيا، وحرمانا طويل الأمد من أبسط مقومات الحياة.
كيف ترد على مزاعم الاحتلال بتهيئة مناطق جنوب القطاع لاستيعاب النازحين المحتملين من غزة؟
معلوماتنا تدعمها هيئات ومنظمات دولية بأنه لا توجد مساحات كافية وآمنة في مناطق جنوب القطاع لاستيعاب أعداد هائلة أخرى من النازحين، وحتى منطقة المواصي لا يوجد بها مساحة لنصب خيمة واحدة، فضلا عن افتقارها للبنية التحتية اللازمة، خاصة المياه والصرف الصحي.
وبخصوص الاحتياجات الإنسانية الفعلية لغزة، تتجاوز 600 شاحنة مساعدات يوميا، في حين لا يسمح الاحتلال بدخول سوى نسبة ضئيلة للغاية. فقد أظهرت إحصاءاتنا الموثقة للفترة ما بين 27 يوليو/تموز الماضي -وهو تاريخ سماح الاحتلال بدخول الشاحنات- وحتى اليوم (35 يوما)، دخول 3188 شاحنة فقط من أصل نحو 21 ألفا مفترضة، أي ما يعادل 15% فقط من الاحتياجات الأساسية.
إعلان
هذه الكميات المحدودة تتعرض للفوضى والنهب قبل وصولها للمدنيين، بينما يواصل الاحتلال إغلاق المعابر، ومنع إدخال المساعدات بالكميات والنوعيات اللازمة، وتقويض عمل المؤسسات الإنسانية.
إن المقارنة بين المطلوب والمسموح تكشف بوضوح أن الحصار يستخدم كأداة ممنهجة لإدامة المجاعة، وأن الأرقام التي يروجها الاحتلال لا تعكس الواقع الميداني ولا تلبي الحد الأدنى من الاحتياجات الطارئة.
إضافة إلى كمية المساعدات هناك قيود إسرائيلية على نوعية وأصناف المواد الغذائية، أليس كذلك؟
بالتأكيد، عدد شاحنات المساعدات التي تدخل منذ 35 يوما غير كاف إطلاقا، والأهم أن معظمها لا يحمل سلعا غذائية أساسية أو مواد تغذية علاجية ضرورية للأطفال والمرضى، فالاحتلال يمنع دخول قائمة طويلة من المواد الغذائية، مثل بيض المائدة، واللحوم الحمراء والبيضاء، والأسماك، والأجبان، ومشتقات الألبان، والفواكه، والخضروات، والمكملات الغذائية، إضافة إلى عشرات الأصناف الأخرى مثل المكسرات أو المدعمات التي تحتاجها الحوامل والمرضى.
وذلك يجعل المساعدات عاجزة عن وقف تدهور الوضع، حتى مع زيادة الأعداد، ومن دون تنوع السلع وضمان وصولها الآمن والمباشر للمدنيين، ستبقى المجاعة وسوء التغذية في تصاعد، والحل يكمن في فتح شامل ودائم للمعابر.
كيف تنظر إلى إعلان الاحتلال فتح مراكز مساعدات إضافية في جنوب القطاع؟
هذه المراكز تستخدم عمليا أداة لفرض النزوح القسري، وليست خطوة إنسانية حقيقية. سكان غزة يدركون أنها بمثابة مصايد موت، وتستغل لتجميع النازحين في مناطق غير آمنة وتحت سيطرة الاحتلال، ما يسهل عملية قتلهم وإعدامهم، وكذلك ترحيلهم الدائم.
هذه المراكز لا تعالج أزمة الغذاء، بل تفاقمها بزيادة الكثافة السكانية في مناطق محدودة الموارد.
الحل هو توزيع المساعدات في أماكن السكان الأصلية مع ضمان حمايتهم، وهو النظام الذي كانت تعمل به وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) والمنظمات الأممية الأخرى التي لها خبرة وقدرة واستطاعة لإنقاذ الواقع المأساوي في قطاع غزة، غير أن الاحتلال يعمل على تقويض هذه المؤسسات ولا يريد أن تقوم بمهامها المكلفة بها.
يلاحظ تزايد عدد ضحايا التجويع يوميا، هل تتخوفون من حالات موت جماعي حسبما تحذر وزارة الصحة؟
ضحايا التجويع يتزايدون بصورة مأساوية، ويمكن تصنيفهم إلى ثلاثة أصناف رئيسية:
الأول: ضحايا مراكز توزيع المساعدات التي وصفناها بمصايد موت، وبلغ عددهم أكثر من 1100 شهيد، منذ افتتاح هذه المراكز التابعة لما تسمى "مؤسسة غزة الإنسانية" المدعومة أميركيا وإسرائيليا في 27 مايو/أيار الماضي. الثاني: ضحايا استهداف منتظري المساعدات في مناطق زيكيم ونتساريم ورفح، وعددهم قرابة 1200 شهيد. الثالث: ضحايا سوء التغذية والتجويع المباشر، بعدد 361 شهيدا، منهم 130 طفلا، و83 من الضحايا منهم 15 طفلا فقدوا أرواحهم في الأسبوعين الماضيين منذ إعلان التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي عن المجاعة في غزة.هذه الأرقام الصادمة، وسط الحصار وتعطل النظام الصحي، تؤكد واقعية تحذيرات وزارة الصحة من موت جماعي وشيك، وتستدعي تدخلا عاجلا لوقف الانهيار الإنساني.
هل تقف حدود مسؤولية الأمم المتحدة عند إعلان المجاعة؟
الأمم المتحدة ليست جهة توصيف فقط، وتبقى قراراتها حبرا على ورق، ما لم تحمل التزاما قانونيا وأخلاقيا بتنظيم وتسهيل دخول المساعدات، وضمان حماية المدنيين، والضغط على الاحتلال لوقف الحصار، وعليها تفعيل آليات المساءلة الدولية ضد من يمنع الإغاثة، وإدارة عمليات التوزيع بشفافية وأمان.
إن الاكتفاء بإعلان المجاعة دون تحرك ميداني فاعل يعني المشاركة في استمرار الكارثة، والمطلوب أن تتجاوز الأمم المتحدة دور الراصد إلى دور الفاعل القادر على فرض تطبيق القانون الدولي الإنساني، وذلك بقوة القانون والمجتمع الدولي ومجلس الأمن، إن بقيت هذه المؤسسات حية تتنفس.

عربيا، ما المطلوب لمنع الكارثة؟
إعلان
المطلوب تحرك عاجل يفرض على الاحتلال فتح كل المعابر دون قيود، وتأمين وصول المساعدات بكميات ونوعيات كافية، وتوفير الحماية الكاملة للقوافل الإنسانية.
يجب على الدول العربية والإسلامية تكثيف الضغط السياسي والدبلوماسي، وإطلاق جسر جوي وبحري لإمداد غزة بالغذاء والدواء، مع ملاحقة الاحتلال قانونيا على جريمة التجويع.
كما أن المجتمع الدولي مطالب بترجمة الإدانات إلى خطوات عملية توقف العدوان وتضمن تدفق الإمدادات الإنسانية إلى جميع أنحاء القطاع بلا استثناء.
0 تعليق