أي إنسان يحقق إنجازًا، ولو بدا صغيرًا في أعين الناس، فهو في عينه جبل من الكبرياء وسماء من الفخر.. فما بالنا بأطفال عرفوا الشارع قبل أن يعرفوا معنى البيت، ووجدوا في كرة القدم وطنًا ثانيًا قبل أن يلتقطهم الوطن الحقيقي ويضع على صدورهم علم مصر؟
منتخب مصر للأطفال بلا مأوى عاد من البطولة العالمية مرفوع الرأس، بعد أن رفع علم بلده عاليًا وهزم من هزم، وأسقط المكسيك حاملة اللقب، وعبر جنوب إفريقيا، ووقف في النهائي أمام البرتغال ليكتب التاريخ بفوزٍ مثير 4-3.
لم يكونوا نجوم شاشات ولا أصحاب ملايين، بل كانوا شبابًا صغارًا يركضون خلف الحلم، يتصببون عرقًا ودموعًا في كل مرة يُعزف فيها النشيد الوطني المصري.
لفت انتباهي تصريح قائدهم مصطفى شيكا: “كنا بندمع لما نسمع النشيد.. ونقول لازم نكسب، نفسي الناس تهتم بينا وأي حد تعب وقدم حاجة لبلده”، وهنا تكمن الحكاية التي دفعتني لأن أكون أول من يكتب عن هؤلاء الأبطال.
فأي معنى أعمق من أن ترى من لم يعرف الدفء إلا في حضن الكرة، يقسم على الفوز فقط لأن في المدرجات البعيدة علمًا أحمر وأبيض وأسود يرفرف؟
ومع ذلك، الإعلام غائب، والاهتمام باهت.. لماذا نُقصر في حق من يستحقون أن يكونوا قصة ملهمة على الشاشات والمنصات؟ أليست هذه رياضة؟ أليس هؤلاء لاعبون؟ ألم يرفعوا علم مصر في الخارج كما يفعل الكبار؟
منظمة "نفس"، تلك المبادرة غير الهادفة للربح، آمنت بهؤلاء منذ 2013، ومدت لهم يدًا لتعيدهم إلى المجتمع من خلال الكرة.. صنعت منهم فريقًا، ثم منتخبًا، ثم أبطالًا.. لم تنتظر مقابلًا، فقط أطلقت طاقات مكبوتة، وأثبتت أن الإنسان إذا وُضع في بيئة من الأمل يمكن أن يغير مصيره.
إنها ليست مجرد بطولة، بل حياة كاملة تُعاد صياغتها، وأقدام صغيرة تكتب قصائد النصر على العشب الأخضر.
إنجازهم لم يكن صدفة، بل صرخة تقول: "أعطونا الاهتمام، نُعطِكم الفخر".
في النهاية، فلتكن هذه البطولة درسًا لنا جميعًا،. أن النجاح لا يُقاس بالأضواء، بل بالدموع التي تذرف حبًا لمصر، وبالقلوب التي تؤمن أن المستحيل قد ينكسر تحت أقدام من لم يعرفوا يومًا إلا معنى الكفاح.
للتواصل مع الكاتب الصحفي مؤمن الجندي اضغط هنا
0 تعليق