تشهد قارة آسيا خلال الأيام الأخيرة سلسلة من التطورات السياسية والأمنية والاقتصادية التي تضعها في قلب الاهتمام الدولي، بدءًا من إقالة رئيسة الوزراء التايلاندية، مرورًا بالاحتجاجات العنيفة في إندونيسيا، وصولًا إلى قمة منظمة شنغهاي للتعاون التي تعقد في الصين وسط تحديات جيوسياسية كبرى.
إقالة رئيسة وزراء تايلاند: ضربة جديدة لعائلة شيناواترا
أقالت المحكمة الدستورية في تايلاند رئيسة الوزراء بايتونجتارن شيناواترا بعد عام واحد فقط في السلطة، بدعوى "انتهاك المبادئ الأخلاقية".
وأوضحت المحكمة أن مكالمة هاتفية مسربة لرئيسة الوزراء مع الزعيم الكمبودي السابق هون سين، كشفت عن تقديم مصالحها الشخصية على مصلحة الأمة، ما أثار أزمة سياسية وأضر بسمعة البلاد.
هذه الخطوة تعمّق الصراع السياسي الممتد منذ أكثر من عقدين بين المؤسسة العسكرية والقضائية من جهة، وعائلة شيناواترا من جهة أخرى، إذ تُعد بايتونجتارن سادس رئيس وزراء من العائلة أو المدعومين منها يتم إقصاؤه من الحكم.
ويمهد القرار الطريق أمام البرلمان لاختيار رئيس وزراء جديد، في وقت يواجه فيه حزب "فو تاي" الحاكم تحديات للحفاظ على تحالفه الهش.
قمة منظمة شنغهاي للتعاون: الصين ترسم ملامح نظام عالمي جديد
في مدينة تيانجين الصينية، احتضنت الصين واحدة من أهم قمم منظمة شنغهاي للتعاون منذ تأسيسها عام 2001.
شارك في القمة قادة روسيا والهند وتركيا وإيران وأكثر من عشرين دولة أخرى، وسط تدابير أمنية غير مسبوقة، في ظل تصاعد التوترات الدولية من الحرب الروسية الأوكرانية إلى النزاع التجاري مع الولايات المتحدة.
الرئيس الصيني شي جينبينغ استقبل ضيوفه، مؤكدًا أن المنظمة تمثل نموذجًا متعدد الأقطاب بديلًا عن الهيمنة الغربية.
وكان لافتًا اللقاءات الثنائية التي جمعت شي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والرئيس التركي رجب طيب إردوغان.
القمة تحولت إلى منصة لعرض "التحالفات الناعمة" في مواجهة ضغوط الغرب، فيما اعتبرها خبراء فرصة لاستعراض القوة الدبلوماسية والعسكرية الصينية.
اليابان وتحديات بناء جيشها
في الذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية، تعيش اليابان نقاشًا حادًا حول تعزيز قواتها الدفاعية لمواجهة ما تعتبره "تهديدات صينية متنامية".
ورغم رفع ميزانيتها الدفاعية إلى 2% من الناتج المحلي بحلول 2027، تواجه طوكيو صعوبات كبيرة في استقطاب مجندين جدد، بسبب العزوف الشعبي، انخفاض الولادات، والذاكرة المؤلمة للحروب السابقة.
استطلاعات الرأي الأخيرة أظهرت أن 9% فقط من اليابانيين مستعدون للقتال دفاعًا عن بلادهم، وهو ما يعكس أزمة ثقة بين المجتمع ومؤسسة الجيش.
احتجاجات إندونيسيا: غضب شعبي ضد الامتيازات السياسية
في إندونيسيا، اندلعت احتجاجات واسعة ضد ما اعتبره المتظاهرون "امتيازات مبالغ فيها" للنواب البرلمانيين، شملت رواتب وبدلات سكن مرتفعة.
تطورت المظاهرات إلى أعمال عنف ونهب لمنازل مسؤولين، بينهم وزيرة المالية سري مولياني، وأُضرمت النيران في مبانٍ حكومية.
الرئيس برابوو سوبيانتو وصف المظاهرات بأنها "ترقى إلى الخيانة والإرهاب"، وأمر الجيش والشرطة باستخدام القوة الصارمة لضبط الوضع، مؤكدًا في الوقت نفسه أنه سيجري تحقيقًا شفافًا في مقتل متظاهر شاب على يد الشرطة.
وتعد هذه الاضطرابات الأكبر منذ توليه السلطة قبل عام، ما يضع حكومته أمام اختبار صعب في إدارة الغضب الشعبي.
آسيا بين الأزمات والتحولات
تظهر هذه الأحداث أن القارة الآسيوية تمر بمرحلة شديدة التعقيد، إذ تتداخل فيها الأزمات الداخلية، مثل احتجاجات إندونيسيا وإقالة حكومة تايلاند، مع التحديات الجيوسياسية الكبرى التي تعكسها قمة شنغهاي وصراع النفوذ بين الصين والولايات المتحدة.
وفي الوقت الذي تسعى فيه بعض الدول مثل اليابان إلى تعزيز قدراتها العسكرية، تواجه أخرى اضطرابات سياسية واجتماعية قد تهدد استقرارها. ما يؤكد أن السنوات المقبلة ستشهد مزيدًا من التنافس والصراعات التي سترسم ملامح آسيا الجديدة في النظام العالمي.
0 تعليق