في خطوة مثيرة للجدل أعادت إحياء إجراء دستوري نادر، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عزمه إلغاء 4.9 مليار دولار من المساعدات الخارجية التي سبق أن أقرها الكونغرس، مستخدمًا ما يُعرف بـ "إلغاء الجيب" (pocket rescission)، وهو إجراء لم يُستخدم منذ ما يقرب من نصف قرن.

ما هو "إلغاء الجيب"؟

يُستمد المفهوم من آلية "الفيتو بالجيب" (pocket veto) الواردة في الدستور الأمريكي، حيث يمتنع الرئيس عن توقيع القوانين في نهاية دورة الكونغرس، ما يؤدي إلى سقوطها تلقائيًا.
لكن في مجال المخصصات المالية، يتيح قانون مراقبة الحجز (Impoundment Control Act) للرئيس أن يقترح على الكونغرس "إلغاء" جزء من الأموال المقرّة، وإذا لم يبت الكونغرس في المقترح خلال فترة زمنية محددة، قد تنقضي صلاحية التمويل تلقائيًا.

خطة ترامب

أرسل ترامب إخطارًا رسميًا إلى المشرعين يوضح فيه قراره إلغاء المساعدات الموجهة لوزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) وبرامج دولية أخرى.

يشمل القرار:

3.2 مليار دولار من برامج التنمية الدولية (USAID).

393 مليون دولار من أنشطة حفظ السلام التابعة لوزارة الخارجية.

322 مليون دولار من صندوق الديمقراطية.

أكثر من 444 مليون دولار من مساعدات أخرى لحفظ السلام.

وبحسب مكتب الإدارة والميزانية، فإن هذه الخطوة تأتي استجابة لأولويات الرئيس ضمن شعار "أمريكا أولًا".

جدل قانوني وسياسي

القرار أثار موجة انتقادات واسعة داخل الكونغرس:

الديمقراطيون وصفوا الخطوة بأنها "غير قانونية" وانتهاك صارخ لصلاحيات الكونغرس في اعتماد الموازنات.

الجمهوريون أبدوا تحفظات أيضًا، حيث صرّحت السيناتور سوزان كولينز، العضو الجمهوري البارز في لجنة المخصصات بمجلس الشيوخ:

"هذه محاولة واضحة لإلغاء أموال مخصصة دون موافقة الكونغرس، وهو ما يتعارض مع القانون".

مكتب المحاسبة الحكومية (GAO) أكد سابقًا أن "إلغاءات الجيب" غير قانونية، ما يمهد الطريق لمعركة قضائية محتملة.

سابقة تاريخية

تُعد هذه المرة الأولى التي يُستخدم فيها هذا الإجراء منذ الرئيس جيمي كارتر عام 1977، ما يبرز مدى ندرة هذه الأداة القانونية وخطورتها على التوازن المؤسسي بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.

الخطوة المقبلة

بموجب القانون، يؤدي إخطار ترامب إلى تجميد مؤقت للتمويل لمدة 45 يومًا، ريثما يبت الكونغرس في الأمر.

إذا أقرّ المشرعون التخفيضات، تُلغى المساعدات نهائيًا.

وإذا لم يقرّ الكونغرس أي إجراء حتى نهاية الفترة، قد تنقضي الاعتمادات تلقائيًا، وهو ما تسعى إدارة ترامب لتحقيقه.

في النهاية قرار ترامب باستخدام "إلغاء الجيب" يفتح معركة جديدة بين البيت الأبيض والكونغرس حول الصلاحيات الدستورية في إدارة الأموال العامة، وقد يشكّل اختبارًا قضائيًا وسياسيًا نادرًا لحدود السلطة التنفيذية في الولايات المتحدة.