"الأيام" ترصد مشاهد جديدة من العدوان والمعاناة في غزة - هرم مصر

جريدة الايام 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

 

كتب محمد الجمل:

 

واصلت "الأيام" رصد المزيد من المشاهد من داخل قطاع غزة، خاصة مع تصاعد العدوان الإسرائيلي على مدينة غزة، وتفاقم معاناة المواطنين.
ومن المشاهد التي رصدتها "الأيام" مشهد يرصد آثار الدخان والبارود على سكان مدينة غزة، ومشهد آخر يوثّق حالة الرفض العارم للخروج من مدينة غزة، ومشهد آخر تحت عنوان "ضحايا لقمة العيش".

 

الدخان والبارود يخنقان المواطنين

حوّل الاحتلال مدينة غزة وشمال القطاع إلى ساحة حرب بطريقة غير مسبوقة، إذ تُلقي آلته الحربية باتجاه الأحياء مئات الأطنان من المتفجرات كل يوم.
ووفق سكان أحياء ومناطق شمال وادي غزة، فإن دوي الانفجارات هناك لا يتوقف، أغلبها ينجم عن تفجير "روبوتات" مفخخة، وأخرى ناجمة عن غارات جوية، وكل الانفجارات تنجم عنها سُحب من الدخان الكثيف، ورائحة بارود تخنق المواطنين.
واشتكى سكان مدينة غزة من روائح كريهة، أصابتهم بضيق في التنفس، وخلّفت لدى العديد منهم مشكلات صحية.
وأكد مواطنون أن كل تفجير ينفذه الاحتلال تنجم عنه سحابة كثيفة من الدخان، تجتاح المناطق السكنية، وتؤدي إلى شعور المواطنين بالاختناق، خاصة أن غالبية المنازل ليست لها نوافذ حيث تحطمت الأخيرة جراء الغارات القوية، وكذلك العيش في الخيام يحول دون منع الدخان من الدخول إلى مهاجع المواطنين، موضحين أن الأمور تزداد سوءاً، وكأن الاحتلال يستخدم هذا الأسلوب كأداة ضغط إضافية على السكان، لإجبارهم على النزوح من مدينة غزة.
وأشار مواطنون إلى أن رائحة البارود وغبار التفجيرات يغطّيان أجواء غزة بفعل عمليات النسف والقصف الإسرائيلية المستمرة على مدار الساعة، خاصة في شمال وجنوب وشرق المدينة.
وذكر أطباء، يعملون في مجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة، أن قوات الاحتلال تستخدم غازات مجهولة في قصف مدينة غزة وشمال القطاع.
وأوضح الفريق الطبي، العامل في المجمع، أن عشرات حالات الاختناق الناتجة عن هذه الغازات تصل إلى المستشفيات يومياً، ما يزيد من الضغط على الطواقم الطبية، ويفاقم المعاناة الإنسانية للمدنيين، في ظل الحصار والهجمات المتواصلة.
بينما أكد مدير مجمع الشفاء الطبي في غزة، محمد أبو سلمية، أن الوضع الصحي والإنساني في القطاع بلغ أخطر مراحله منذ اندلاع الحرب، مشيراً إلى أن نسبة إشغال الأسرّة في المستشفيات وصلت إلى 300% في ظل عجز كامل عن استيعاب الأعداد المتزايدة من الجرحى والمرضى والمجوّعين.
ولفت إلى أن القطاع الصحي يواجه نقصاً حاداً يصل إلى 60% في الأدوية والمستهلكات الطبية، فيما لا يكفي المخزون المتبقي سوى لأيام، ما ينذر بانهيار شامل للمنظومة الصحية.
وبيّن أن الأطباء يسجلون يومياً ارتفاعاً في الإصابات المعقدة، بينها حالات تعفن واسعة للجروح، وبتر أطراف بسبب انتشار بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية.

 

البقاء في مدينة غزة

يوماً بعد يوم يتسع الرفض الشعبي والأهلي والرسمي لخطة الاحتلال إخلاء مدينة غزة، وقد عبّرت فئات شعبية وأهلية عن رفضها مغادرة المدينة، وإصرارها على البقاء فيها.
فبعد أن أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة رفضها إخلاء أي من المستشفيات في المدينة، أكدت العديد من المؤسسات الدولية أنها باقية في مدينة غزة، ولن تستجيب لأوامر الاحتلال بالإخلاء.
فيما أصدرت بطريركية الروم الأرثوذكس المقدسية، والبطريركية اللاتينية في القدس، بياناً مشتركاً، أكدتا فيه أن الرهبان والراهبات في مدينة غزة قرروا البقاء في الكنائس وعدم النزوح إلى جنوب القطاع، رغم قرار الحكومة الإسرائيلية بالسيطرة على المدينة وإجلاء سكانها.
وأوضح البيان أن مُجمَّع كنيسة "مار بورفيريوس للروم الأرثوذكس"، ومُجمَّع كنيسة "العائلة المقدسة"، تحوّلا منذ اندلاع الحرب إلى ملاذ لمئات المدنيين، بينهم كبار السن والنساء والأطفال، في حين يضم مجمع "كنيسة اللاتين" أشخاصاً من ذوي الإعاقة يتلقون الرعاية على يد جمعية "مرسلات المحبة".
وأشار البيان إلى أن الكثير من اللاجئين داخل هذين المجمعَين يعانون من الهزال وسوء التغذية، بسبب الظروف القاسية المستمرة منذ أشهر، فيما أصرّ الكهنة والراهبات على البقاء بجانبهم والاستمرار في رعايتهم، رغم المخاطر المتزايدة.
وشجعت مواقف المؤسسات المذكورة المزيد من المواطنين من سكان مدينة غزة على البقاء فيها، ورفض النزوح، حيث اتسعت دائرة الرفض الشعبي للنزوح.
وأكد المواطن يوسف عطا الله أنه حسم أمره بعد تردد بأنه لن يغادر مدينة غزة مهما حصل، وسيبقى وعائلته في منزلهم، مشيراً إلى أنه يستعد لمجاعة متوقعة ستتزامن مع بدء اجتياح المدينة، لذلك بدأ بجلب الطعام وتخزينه، كما اشترى خزان ماء إضافياً وقام بتعبئته بالمياه الصالحة للشرب.
ولفت عطا الله إلى أنه يدرك مخاطر قراره، في حال اجتاح الاحتلال مدينة غزة، وأن هناك مخاطر كبيرة تواجههم، وقد تحدث مجازر كبيرة ويتم قتل مئات المدنيين، وتدمير المنازل، واعتقال آلاف المواطنين.
وأوضح أنه وغيره من المواطنين لم يعودوا قادرين على المزيد من النزوح، فالموت قد يلاحقهم أينما ذهبوا، لذلك قرار البقاء في غزة هو الأفضل، خاصة في ظل حالة اليأس التي يعيشها المواطنون.

 

ضحايا لقمة العيش

شهدت الفترة الماضية سقوط مئات الشهداء وآلاف الجرحى، خلال محاولتهم الحصول على الطعام قرب مراكز المساعدات الأميركية، أو في نقاط انتظار شاحنات المساعدات. وغالبية الضحايا جرى التعامل معهم في وسائل الإعلام على أنهم أرقام، وقلة من ذكرت أسماؤهم، بيد أن لكل واحد منهم قصة وحكاية، وعائلة مكلومة تركها خلفه.
الشاب عز الدين شقفة كان أحد هؤلاء الضحايا، فرغم أنه لم يمضِ على زواجه سوى 4 أشهر، وما زالت زوجته حاملاً في شهرها الثاني، إلا أنه خاطر بحياته لتوفير الطعام لعائلته ووالدته المُسنة والمريضة التي تعيش معهم في نفس الخيمة، حيث استشهد داخل مركز المساعدات الأميركية "الطينة"، شمال غربي مدينة رفح.
وبيّن حازم شقيق الشهيد عز الدين، الذي أصيب في نفس الحادث، أنه توجه برفقة الشهيد وشقيقهما الثالث، وأحد أقاربهم، واختبؤوا خلف تلة بانتظار افتتاح مركز المساعدات، وكانوا يسمعون أصوات إطلاق النار، ويعتقدون أنهم في مأمن من الرصاص، حتى جاءت طائرة مُسيّرة وأسقطت عليهم قنبلة بشكل مباشر، ما تسبب باستشهاد شقيقه وإصابته وشقيق آخر بجروح.
وأكد أنهم لم يفعلوا شيئاً، وتوجهوا إلى المركز للحصول على الطعام، في ظل تفاقم المجاعة وسوء الأوضاع، لكنهم تعرضوا لإطلاق النار، موضحاً أن شقيقه ترك زوجته ووالدته التي تعيش معه، وخلّف رحيله حزناً عميقاً داخل الأسرة وحالة من القهر والغضب.
وأوضح أنه كلما توجه إلى مراكز المساعدات شاهد عمليات القتل غير المبررة، وكأن المجوّعين باتوا أهدافاً لرصاص وقنابل الاحتلال، يتم قتلهم بدم بارد ودون مبرر.
في حين ذكر الشاب محمد عامر، الذي يعاني من إعاقة في قدمه، جراء إصابته برصاصة متفجرة قرب إحدى نقاط المساعدات جنوب قطاع غزة، أنه كان يرفض فكرة التوجه إلى تلك النقاط، لكنه مع اشتداد المجاعة، وعدم قدرته على شراء السلع، اضطر للتوجه إلى منطقة "موراغ"، وحصل في اليوم الأول على كيس طحين صغير، وعاد بعد يومين لجلب المزيد من الطعام لعائلته، لكنه أصيب برصاصة في ركبته أدت إلى تفتيت عظامه، حيث خضع لأكثر من عملية جراحية، وركّب دعامات معدنية في قدمه، ومنذ أكثر من شهر وهو قعيد، يتحرك بصعوبة شديدة بوساطة عكازين، ويخشى أن تلازمه الإعاقة مدى حياته.
وأكد أن ما يحدث في نقاط توزيع وانتظار المساعدات عملية قتل مقصودة، والاحتلال يستغل حاجة المواطنين للطعام، ويستدرجهم لتلك النقاط، ويفتك بهم قتلاً وإصابات.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق