شركات التكنولوجيا العملاقة.. إمبراطوريات تفوق الدول - هرم مصر

سكاي نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في لحظة فارقة بتاريخ الاقتصاد العالمي، يقف المستثمرون أمام مفارقة مذهلة: سبع شركات أميركية فقط، بقيمة سوقية إجمالية تقارب 20 تريليون دولار، تعادل تقريبًا حجم اقتصاد الاتحاد الأوروبي بأكمله، وتتفوق على الاقتصاد الصيني.

هذه الشركات، المعروفة باسم "السبعة الكبار"، هي: آبل، مايكروسوفت، إنفيديا، أمازون، ألفابيت (غوغل)، ميتا، وبرودكم. ومن خلال استثماراتها الضخمة في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، لم تعد مجرد كيانات مالية، بل أصبحت قوى اقتصادية تضاهي قارات ودول كبرى.

لكن، إلى أي مدى يمكن أن يستمر هذا المشهد؟ وهل يقودنا إلى ثورة اقتصادية جديدة، أم أننا أمام فقاعة قد تعيد إلى الأذهان مصير "فقاعة الإنترنت" عام 2000؟

السبعة الكبار.. اقتصاد يوازي قارة

تمثل هذه الشركات السبع وحدها 37 بالمئة من القيمة السوقية لمؤشر S&P 500، الذي تبلغ قيمته الإجمالية 54.2 تريليون دولار. أي أن أقل من عشرة أسهم أصبحت تتحكم بثلث أكبر مؤشر للأسواق الأميركية.

وتتصدر إنفيديا المشهد بقيمة سوقية قدرها 4.4 تريليون دولار، لتصبح أكبر شركة مدرجة في العالم، متجاوزة حتى قيمة اقتصاد اليابان. وقد تضاعف سهمها بنحو 396 مرة في عشر سنوات، وهو ما يصفه بعض المحللين بـ"المعجزة المالية" المرتبطة بالطلب غير المسبوق على تقنيات الذكاء الاصطناعي ومعالجات الرسوم.

لو أن مستثمرًا اشترى عام 2015 بمبلغ 1000 دولار في كل شركة من هذه الشركات السبع، لكانت استثماراته البالغة 7000 دولار قد تحولت اليوم إلى نحو 470 ألف دولار.

الفقاعة.. بين عام 2000 واليوم

يرى خبراء أن هذا الارتفاع غير المسبوق يحمل ملامح "فقاعة". فقد قال د. ريان ليمند، الرئيس التنفيذي لشركة NeoVision لإدارة الثروات، خلال حديثه إلى برنامج "بزنس مع لبنى" على سكاي نيوز عربية: "بدون أدنى شك نحن في فقاعة. الفقاعة موجودة منذ فترة ولم تنفجر بعد، لأن الفقاعات قد تستمر لسنوات. الفرق أن شركات اليوم، بعكس فقاعة الإنترنت عام 2000، تحقق أرباحًا حقيقية، بينما في السابق كانت شركات مثل ياهو تتداول بتقييمات ضخمة رغم الخسائر."

المقارنة بين اليوم وعام 2000 تكشف عن اختلاف جوهري: فبينما كانت شركات الإنترنت في بداياتها تبحث عن نموذج ربحي، فإن عمالقة التكنولوجيا الحاليين يملكون نماذج أعمال ناضجة وعوائد مالية ضخمة، مستفيدة من سيولة هائلة في الاقتصاد الأميركي.

سيولة هائلة.. واقتصاد يعتمد على الدين

يشير د. ليمند إلى أن الاقتصاد الأميركي يغرق بالسيولة، وهو ما يوفر بيئة مثالية لارتفاع أرباح هذه الشركات. لكنه يلفت إلى أن هذه السيولة مصدرها الديون الحكومية، وهو ما يجعلها غير مستدامة على المدى الطويل.

"الأرباح الحالية مرتبطة بإنفاق حكومي ضخم وبمستويات سيولة قياسية. لكن هذه السيولة ليست طبيعية، إنها ممولة من الدين. وبالتالي فإن السوق يعيش على قاعدة هشة."

هذا الواقع يعيد إلى الأذهان سؤالاً استراتيجياً: هل ستبقى هذه الأرباح قوية إذا شدد الاحتياطي الفيدرالي السياسة النقدية أو انخفض الإنفاق الحكومي؟

الذكاء الاصطناعي.. محرك النمو ومصدر القلق

الرهان الأساسي لوول ستريت اليوم هو الذكاء الاصطناعي. فشركات مثل مايكروسوفت وإنفيديا وألفابيت ضخت استثمارات بمليارات الدولارات في هذا القطاع.

لكن هذا التوسع يذكّر بفترات "الهيستيريا الاستثمارية" السابقة. حتى سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة "أوبن إيه آي"، قال صراحة: "نحن في فقاعة، ويجب أن نكون حذرين."

أما جنسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لإنفيديا، فكشف أن 77 بالمئة  من موظفي الشركة أصبحوا مليونيرات، وهو مؤشر، بحسب ليمند، على تضخم مفرط وغير طبيعي في الثروات داخل دائرة ضيقة من الشركات.

الأسواق الضيقة.. خطر على التوازن

يلاحظ ليمند أن الأسواق الأميركية تتركز بشكل خطير في عدد محدود من الشركات، بينما تتجاهل أسهماً ذات أداء قوي مثل "دومينوز بيتزا"، التي تفوق سهمها على "ألفابيت".

"ما يقلقني كمستثمر هو أن التقييمات ارتفعت على قاعدة ضيقة، بينما يتم تجاهل شركات أخرى تحقق نتائج مبهرة. هذا التركّز يجعل السوق هشّاً أمام أي صدمة."

السياسة النقدية.. ضغوط على الفيدرالي

في خطابه الأخير بمنتدى جاكسون هول، أقرّ رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول بوجود تضخم مستمر وتباطؤ في سوق العمل. وهو ما يترجمه ليمند على أنه سيناريو ركود تضخمي.

لكن باول يواجه ضغوطاً سياسية هائلة، خصوصاً من الرئيس ترامب، لدفعه نحو خفض الفائدة. بل إن إقالة عضو من مجلس الاحتياطي لأول مرة منذ 111 عاماً أثارت تساؤلات عن استقلالية الفيدرالي، وهو تطور يعتبره ليمند "خطيراً يغيّر قواعد اللعبة المالية في الولايات المتحدة".

الذهب والفضة.. ملاذ في مواجهة الدولار

في ظل هذه التحديات، يتجه العديد من البنوك المركزية حول العالم إلى زيادة حيازاتها من الذهب وتقليص الاعتماد على الدولار.

"منذ فك الارتباط بين الدولار والذهب في السبعينات، هناك مسار نزولي في الاعتماد على العملة الأميركية. اليوم، مع وصول ديون الولايات المتحدة إلى 36 تريليون دولار، لم يعد الدولار خالياً من المخاطر."

ويرى ليمند أن الفضة، التي وصلت سابقاً إلى مستويات 40 دولاراً، مرشحة للعودة إلى الارتفاع، خصوصاً مع تراجع الدولار المتوقع في ظل السياسة الاقتصادية الحالية.

أوروبا وبريطانيا.. أزمات متفاقمة

بينما تواصل الشركات الأميركية صعودها، تعيش أوروبا وبريطانيا ضغوطاً اقتصادية حادة. فبحسب مسؤول بريطاني بارز، قد تضطر لندن خلال عامين أو ثلاثة إلى طلب دعم من صندوق النقد الدولي، كما حدث في السبعينات.

أسواق العقار البريطانية تعاني تباطؤاً واضحاً، مع صعوبة البيع بالأسعار المعروضة. أما أوروبا، فهي مثقلة بتداعيات الحرب الأوكرانية وزيادة الإنفاق الدفاعي.

الصين.. منافس صامت أم تهديد خفي؟

الصين، التي تتفوق على الولايات المتحدة بنسبة 50 بالمئة في إنتاج الطاقة الكهربائية، قد تصبح اللاعب الحاسم في سباق الذكاء الاصطناعي.

"الصين لا تسعى إلى انهيار الأسواق الأميركية، بل إلى جذب المستخدمين. إذا أطلقت نظام ذكاء اصطناعي يتفوق على شات جي بي تي، فقد يتحول مليارات المستخدمين نحوها، كما حدث حين تفوق "علي بابا" على أمازون في بعض الأسواق."

لكن أسهم شركات التكنولوجيا الصينية، مثل علي بابا، ما تزال تعاني تقييمات منخفضة، ما يجعلها – في نظر بعض المستثمرين – فرصة استثمارية طويلة الأجل.

الأسواق الناشئة والخليج.. بدائل واعدة

يرى ليمند أن هناك فرصاً جذابة خارج الولايات المتحدة:

الأسواق الناشئة: تقييماتها منخفضة مقارنة بالأسواق المتقدمة. الخليج: الأسهم السعودية تراجعت بشكل كبير مؤخراً، ما يجعلها فرصة شراء مغرية. أمريكا اللاتينية: أسواق واعدة ولكن تتطلب انتقاءً دقيقاً. القطاع الدفاعي: في أوروبا خصوصاً، حيث الإنفاق العسكري المتزايد يفتح المجال لنمو شركات التسليح.

السبعة الكبار اليوم هم الوجه الأبرز لوول ستريت، لكن بريقهم يخفي خلفه اقتصاداً هشّاً يعتمد على الدين، وسياسة نقدية مرتبكة، وتركيزاً مفرطاً في عدد ضيق من الشركات.

هل يستمر الصعود الصاروخي، أم أننا على أعتاب انفجار فقاعة جديدة؟ د. ريان ليمند يلخص المشهد: "المستثمر الذكي يجب أن يستفيد من الفقاعة طالما مستمرة، لكن عليه أن يدرك أنها ستنفجر عاجلاً أم آجلاً.."

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق