أيمن إسماعيل
Published On 28/8/202528/8/2025
|آخر تحديث: 13:00 (توقيت مكة)آخر تحديث: 13:00 (توقيت مكة)
تستثمر شركات التقنية الكبرى مبالغ هائلة في البنية التحتية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، فشركتا "ميتا" و"مايكروسوفت" تعملان على إنشاء محطات طاقة نووية جديدة لتشغيل مراكز البيانات، في حين أعلنت "أوبن إيه آي" بدعم الرئيس دونالد ترامب عن مشروع "ستارغيت"، الذي يهدف إلى إنفاق 500 مليار دولار لبناء ما يبلغ 10 مراكز بيانات، كل واحد منها قد يستهلك طاقة تعادل أكثر من الاستهلاك الكلي لولاية نيوهامبشير الأميركية.
ومن جهة أخرى تخطط شركة "آبل" لإنفاق 500 مليار دولار أيضا على التصنيع ومراكز البيانات في الولايات المتحدة خلال السنوات الأربع القادمة، في حين تتوقع "غوغل" إنفاق 75 مليار دولار عام 2025 فقط على البنية التحتية للذكاء الاصطناعي.
وهذا الإنفاق الضخم ليس بالأمر الطبيعي في عالم التكنولوجيا، بل هو ظاهرة خاصة بالذكاء الاصطناعي تختلف عن الماضي الذي ليس ببعيد، ففي الفترة ما بين 2005 و2017 ظل استهلاك الكهرباء لمراكز البيانات شبه ثابت بفضل تحسين الكفاءة، رغم التوسع الكبير لخدمات الإنترنت مثل "فيسبوك" و"نتفليكس".
ومنذ عام 2017 ومع ظهور الذكاء الاصطناعي، تغيّر الوضع وبدأت مراكز البيانات تُبنى بأجهزة عالية الاستهلاك، مما أدى إلى مضاعفة استهلاكها للكهرباء بحلول 2023، وتشير أبحاث "إيسكولرشيب" (eScholarship) الأخيرة إلى أن 4.4% من إجمالي استهلاك الطاقة في الولايات المتحدة يذهب الآن لمراكز البيانات.
ومع التطور السريع للذكاء الاصطناعي، الذي أصبح أكثر تخصيصا وأكثر قدرة على التفكير وحل المشكلات المعقدة، يبدو أن استهلاكنا الحالي له هو الأدنى على الإطلاق مقارنة بما هو قادم، فبحسب توقعات نشرها مختبر لورانس بيركلي الوطني في ديسمبر/كانون الأول الماضي، فإنه بحلول عام 2028 من المتوقع استخدام أكثر من نصف الكهرباء المخصصة لمراكز البيانات لتشغيل تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وهذا يعني أن الذكاء الاصطناعي وحده قد يستهلك طاقة سنوية تعادل 22% من إجمالي استهلاك المنازل الأميركية.
لماذا يتطلب تدريب نموذج ذكاء اصطناعي الكثير من الموارد؟
تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي يحتاج طاقة وموارد هائلة لأنه يتطلب ضبط مليارات المتغيرات من خلال عمليات حسابية متكررة ومعقدة جدا، وهذه العمليات تتطلب بنية تحتية للحوسبة عالية الأداء "إتش بي سي" (HPC) والتي تتألف من آلاف وحدات معالجة الرسومات "جي بي يو" (GPU) إلى جانب وحدات معالجة مركزية "سي بي يو" (CPU)، بالإضافة إلى وحدات معالجة مخصصة للذكاء الاصطناعي والتي تعرف باسم "تي بي يو" (TPU)، وهي شرائح مصممة خصيصا لتسريع عمليات التعلم الآلي.
إعلان
وجميع هذه الأجهزة تعمل معا بشكل متواز لأسابيع أو حتى لأشهر من أجل تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، وخلال هذه الفترة تُستهلك كميات ضخمة من الكهرباء، ولا تستطيع سوى قلة من الشركات تحمل تكاليف تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي نظرا للتكاليف الباهظة المرتبطة بالأجهزة والكهرباء والتبريد والصيانة، أما الشركات الأصغر ذات الموارد المحدودة، فسوف تستغرق وقتا أطول بكثير لتدريب نماذجها مما يؤدي إلى استهلاك تراكمي أعلى للطاقة.
على سبيل المثال، يتطلب تدريب نماذج ذكاء اصطناعي كبيرة مثل "شات جي بي تي 4" موارد حاسوبية هائلة، حيث تُظهر الأبحاث الحديثة أن تدريب نموذج "جي بي تي 3" استهلك حوالي 1287 ميغاواط/ساعة من الكهرباء، مما أدى إلى انبعاث 502 طن متري من ثاني أكسيد الكربون، مما يعادل تقريبا انبعاثات 112 سيارة تعمل بالبنزين على مدى عام.
يُذكر أن نماذج الذكاء الاصطناعي تتطلب إعادة تدريب متكررة للحفاظ على ملاءمتها، وهو عبء آخر يزيد من استهلاك الطاقة، كما أن أعطال البنية التحتية وعدم كفاءة البرامج والتعقيد المتزايد لنماذج الذكاء الاصطناعي تزيد من الضغط، مما يجعل تدريب الذكاء الاصطناعي من أكثر مهام الحوسبة استهلاكا للموارد في العصر الحديث.
وبحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن استهلاك مراكز البيانات حول العالم عام 2022 وصل إلى 460 تيراواط/ساعة من الكهرباء، وبحسب التوقعات فإن هذا الرقم قد يتجاوز 1000 تيراواط/ساعة بحلول 2026، أي ما يعادل ثلث إنتاج المفاعلات النووية في العالم خلال عام واحد، وهو تقريبا حجم استهلاك الكهرباء نفسه في اليابان بأكملها.
وفي الصين، من المتوقع أن يتضاعف استهلاك مراكز البيانات ليصل إلى 400 تيراواط/ساعة بحلول 2030 مقارنة بعام 2020، أما في شمال شرق الولايات المتحدة، فمن المنتظر أن تصبح مراكز البيانات أحد العوامل الرئيسية لزيادة الطلب على الكهرباء.
والوضع مشابه في أوروبا، حيث يشهد السوق نموا سريعا، فمثلا في أيرلندا استهلكت مراكز البيانات عام 2022 نحو 5.3 تيراواط/ساعة، أي ما يعادل 17% من إجمالي استهلاك الكهرباء في البلاد، وإذا استمر هذا النمو فمن المتوقع أن يتضاعف استهلاكها بحلول 2026 ليصل إلى 32% من إجمالي الطلب على الكهرباء، خصوصا مع الانتشار المتسارع لتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
الذكاء الاصطناعي يستهلك أكثر من مجرد طاقة
مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي لا تستهلك الكهرباء فقط، بل تحتاج أيضا إلى أنظمة تبريد ضخمة للحفاظ على عمل الأجهزة بشكل آمن، فالخوادم والموجهات تستهلك طاقة هائلة لمعالجة البيانات، وهذا يولد كمية كبيرة من الحرارة، لذلك تُعد أنظمة التبريد العالية الكفاءة ضرورية جدا لمنع ارتفاع درجة حرارة الأجهزة.
في الواقع قد تستهلك أنظمة التبريد طاقة تقارب ما تستهلكه الأجهزة نفسها، وبحسب الوكالة الدولية للطاقة المتجددة فإن أنظمة التبريد في مراكز البيانات قد تستهلك ما يصل إلى 40% من إجمالي استهلاك الطاقة السنوي لهذه المراكز.
وتتطلب مراكز البيانات استخدام الماء لتبريد خوادمها على النحو الأمثل، وذلك بالاعتماد على أنظمة تكييف الهواء والمبردات وأجهزة الترطيب، ويُعد تبريد الخوادم باستخدام الماء أكثر كفاءة من تكييف غرف كاملة، ومع ذلك يمكن أن يؤدي هذا الاستخدام الكبير للمياه إلى ضغط على الموارد المحلية، مثل ما حدث في مدينة ذا داليس بولاية أوريغون الأميركية حيث تستخدم مراكز بيانات غوغل أكثر من 25% من مياه المدينة، ومع تزايد الطلب على الذكاء الاصطناعي، من المتوقع أن يزداد استهلاك المياه العذبة.
إعلان
بالإضافة إلى الطاقة والمياه، تحتاج مراكز البيانات إلى مساحات واسعة، وغالبا ما تُغطي مراكز البيانات نحو 9 آلاف متر مربع، في حين أن أحد أكبر مركز بيانات في الولايات المتحدة "سويتش تاهو رينو" (Switch Tahoe Reno) يمتد على 669 ألف متر مربع، أي أكبر من مبنى البنتاغون.
وعلى المستوى العالمي، ارتفع عدد مراكز البيانات من أقل من 8 آلاف مركز في يناير/كانون الثاني 2021 إلى 10 آلاف و978 مركزا بحلول نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ومن المتوقع أن يستمر هذا النمو مع زيادة الطلب على الذكاء الاصطناعي، مما يعني حاجة أكبر للأرض والطاقة والمياه.
0 تعليق