تربط الهند والصين علاقة معقدة؛ فالدولتان الأكثر سكاناً في العالم متنافستان إقليميتان مباشرتان، وقد خاضتا حرباً حدودية في ستينيات القرن الماضي. وتدهورت العلاقات بينهما منذ اشتباكات حدودية عام 2020، أسفرت عن مقتل جنود من الجانبين.
على الرغم من ذلك، تربط البلدين علاقات اقتصادية متنامية. تمتلك الصين مجموعة متنوعة من التقنيات والمواد الحيوية التي تحتاجها الهند لدعم طموحاتها الصناعية. كما ترى الصين سوقاً استهلاكية جديدة مهمة في الطبقة المتوسطة الهندية المتنامية.
ويشرح تقرير لـ "بلومبيرغ" أوجه حاجة كل بلد للآخر، لا سيما أنه منذ أن شنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب حرباً تجارية على البلدين، كثّف البلدان جهودهما لإصلاح العلاقات. ويستعد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لأول زيارة له إلى الصين منذ سبع سنوات لحضور قمة رئيسية في 31 أغسطس.
كيف تحتاج الهند إلى الصين؟
تعتمد طموحات الهند الصناعية بشكل متزايد على الوصول إلى التكنولوجيا الصينية. على سبيل المثال ، استوردت الهند إلكترونيات ومعدات كهربائية بقيمة تقارب 48 مليار دولار من الصين في عام 2024، مما يؤكد مدى اعتماد البلاد على المكونات الصينية في تجميع أجهزتها الإلكترونية، من الهواتف الذكية إلى شبكات الاتصالات. وبالمثل، تستورد صناعة الأدوية الهندية المرموقة معظم المكونات الدوائية الفعالة من الصين. تعتمد الهند أيضاً اعتماداً كبيراً على الصين في توريد مغناطيسات المعادن النادرة لتحقيق أهدافها الطموحة في قطاعات السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة والإلكترونيات الاستهلاكية. هددت القيود الصينية على صادراتها من مغناطيسات المعادن النادرة، والتي أثرت سلبًا على الهند أكثر من غيرها من الدول الصناعية، بتوقف قطاع السيارات لديها . لكن الهند لا تحتاج فقط إلى السلع والمعدات من الصين. فبالنسبة لاحتياجاتها التكنولوجية الأكثر إلحاحًا - من بطاريات السيارات الكهربائية إلى تخزين الطاقة النظيفة - وطموحاتها في بناء حلول اقتصادية ومتجددة لسكانها البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة، تحتاج أيضًا إلى المهارات والخبرة التكنولوجية الصينية.كيف تحتاج الصين إلى الهند؟
مع تباطؤ نموها المحلي، ترى الصين أن سوق الاستهلاك الهندية، المدفوعة بتعداد سكاني هائل، أحد جبهات توسعها القليلة المتبقية. في عام 2024، استوردت الهند وباعت ما يقرب من 156 مليون هاتف ذكي - وهذا التبني الرقمي السريع يُمثل كنزًا ثمينًا لشركات تصنيع الأجهزة الصينية ، شاومي وفيفو وأوبو، التي تُهيمن بالفعل على المبيعات الهندية. الهند، ثالث أكبر سوق للسيارات في العالم، بمبيعات تُقارب 4.3 مليون سيارة ركاب في عام 2024، تُعدّ سوقًا مستهدفة أخرى. وقد استهدفت شركات صناعة السيارات الصينية، ولا سيما BYD، هذا النموّ علنًا، مُعلنةً سابقًا عن طموحاتها للاستحواذ على ما يصل إلى 40 بالمئة من سوق السيارات في الهند. إلى جانب سلاسل التوريد، ضخّت شركات التكنولوجيا الصينية العملاقة مليارات الدولارات في منظومة الشركات الناشئة في الهند. مولت شركات مثل مجموعة علي بابا القابضة المحدودة وتينسنت القابضة المحدودة بنشاط شركات ناشئة مثل بايتيم وزوماتو وأولا إلكتريك وبايجو، مراهنةً على الاقتصاد الرقمي الصاعد في الهند وإقبال المستهلكين.وكما ترى الشركات الهندية فوائد في الشراكة مع الشركات الصينية، فإن الشركات الصينية أيضا ترى مزايا في التعاون مع نظيراتها الهندية في سعيها إلى التنقل عبر المشهد التنظيمي المعقد في الهند والسعي إلى الوصول إلى واحدة من أسرع أسواق المستهلكين نموا في العالم.
أهداف ومصالح مشتركة
تقول الكاتبة الصحافية الصينية، سعاد ياي شين هوا، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إنه منذ اندلاع الحرب التجارية التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كثّفت الهند والصين جهودهما لإصلاح العلاقات بينهما، انطلاقًا من احتياجات اقتصادية وجيوسياسية مشتركة.
وتضيء على بعض النقاط الأساسية التي تحكم تلك المصالح المشتركة:
الصين تمتلك خبرات واسعة في التصنيع والبنية التحتية ورأس المال والتكنولوجيا، فيما تتمتع الهند بسوق ضخم وقوة عاملة وقطاع خدمات متطور. تستفيد الهند من المعدات والسلع الرأسمالية الصينية في تعزيز التصنيع والبنية التحتية، كما يعتمد قطاعها الدوائي على الصين بنسبة كبيرة من المواد الخام. كذلك وفّرت استثمارات الشركات الصينية في الهند رأس مال وفرص عمل جديدة. على الصعيد التجاري، فقد فرضت إدارة ترامب رسوماً جمركية مرتفعة على الهند ما دفعها للبحث عن شركاء بدائل، لتبرز الصين كخيار رئيسي.كما أن رؤية "بناء الهند المتقدمة 2047" تتطلب استثمارات وتقنيات متطورة تمتلكها بكين. وعلى المستوى الدولي، يعزز التعاون مع الصين مكانة الهند عبر أطر مثل البريكس ومنظمة شنغهاي ومجموعة العشرين.
وفيما يتعلق بحاجة الصين إلى الهند، فتلفت الكاتبة الصينية إلى عدة نقاط أساسية، على النحو التالي:
تمثل الهند سوقاً ضخمة توفر آفاقاً واسعة للصادرات الصينية، خاصة في ظل أجواء الحرب التجارية العالمية. كما أن تعزيز التعاون معها يعد ضرورياً لدفع مبادرة "الحزام والطريق" في جنوب آسيا، نظراً لموقعها المحوري في المنطقة. في الساحة الدولية، تحتاج الصين إلى دعم الهند في المؤسسات متعددة الأطراف للدفاع عن مصالح الدول النامية وتعزيز العدالة في النظام العالمي. أما ثقافيًاً، فيمتد تاريخ التبادل بين البلدين لقرون، حيث تجاوز حجم التبادل البشري أكثر من مليون شخص، ما يدعم التفاهم المتبادل ويقوي قاعدة العلاقات الثنائية.وتعد الهند حليفًا آسيويًا قديمًا للولايات المتحدة، وخاصة في مواجهة نفوذ الصين في المنطقة، وهي عضو في مجموعة الرباعية، التي تضم أيضًا أستراليا واليابان.
لكن الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي والتصور بوجود حضور أميركي منخفض في الشراكات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، أسهمتا في تسريع الجهود الرامية إلى استقرار العلاقات بين الهند والصين، بحسب زميلة مؤسسة التبادل التايوانية الآسيوية، سناء هاشمي، في تحليلها الذي نشرته صحيفة الغارديان البريطانية.
ولكن ظلت هناك "اختلافات جوهرية" بين البلدين. وتقول هاشمي: "إن القضايا الأمنية الأساسية والطبيعة العامة للعلاقات الهندية الصينية لن تتغير بسبب سياسات ترامب، وسيستمر إطار منطقة المحيطين الهندي والهادئ في تشكيل الديناميكيات الإقليمية".. كما تضيف: "في الوقت الحالي، تكمن أولوية الهند في إدارة التوترات مع الصين في حين تتنقل في المياه المضطربة مع الولايات المتحدة."
محور حيوي
أستاذ العلاقات الدولية بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة، الدكتور محمد عطيف، يقول لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
العلاقة الاقتصادية بين الهند والصين تشكل محوراً حيوياً في ظل التحولات الجيوسياسية الراهنة. تعتمد الهند بشكل كبير على الصين لتوفير المواد الخام والتكنولوجيا المتقدمة، مثل المكونات الإلكترونية والآلات الصناعية، التي تشكل نسبة كبيرة من وارداتها في هذه القطاعات. هذا الاعتماد يدعم نمو الهند الاقتصادي المتوقع في 2025، خاصة في البنية التحتية والإلكترونيات الاستهلاكية، ويعزز التوسع الصناعي دون الحاجة إلى بناء قدرات محلية فورية. استراتيجيا، يسهم هذا التعاون في تقليل مخاطر التصعيد العسكري على الحدود ويفتح آفاقاً لتكامل اقتصادي يجمع بين السوق الهندي الضخم ورأس المال الصيني، مما يعزز الاستقرار الإقليمي وسط تباطؤ النمو العالمي.ويستطرد: في المقابل، تحتاج الصين إلى الهند كسوق استهلاكية رئيسية لامتصاص فائض إنتاجها، خاصة مع تباطؤ نموها الاقتصادي الداخلي، بحيث اوفر السوق الهندية فرصاً للصادرات والاستثمارات الصينية في التكنولوجيا والتصنيع. كما يساعد هذا التقارب الصين في مواجهة الضغوط الغربية، خاصة مع إعادة تشكيل سلاسل التوريد العالمية، ويحد من انخراط الهند الكامل في تحالفات معادية للصين، مما يعزز التوازن الجيوسياسي في جنوب آسيا.
وينبه إلى أنه منذ إطلاق الرئيس دونالد ترامب لحرب تجارية في 2025، مع فرض تعريفات تصل إلى 50 بالمئة على الصادرات الهندية، كثفت الهند والصين جهودهما لإصلاح العلاقات. نتيجة لذلك، أدت هذه الضغوط إلى اتفاقات سريعة، مثل استئناف الرحلات الجوية المباشرة، تعزيز التجارة والاستثمار، والعمل على حل النزاعات الحدودية.
0 تعليق