تغيّر المناخ وهشاشة البنية التحتية يفاقمان أضرار الفيضانات في باكستان - هرم مصر

الكورة السعودية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

محمد العقاد

26/8/2025-|آخر تحديث: 10:38 (توقيت مكة)

باتت باكستان منذ سنوات تحت تأثير تغيرات مناخية، عززت مظاهر الطقس المتطرف، فبعد كابوس فيضانات عام 2022 المدمرة، تجد نفسها مجددا في مواجهة فيضانات، راح ضحيتها أكثر من 700 شخص وشردت الآلاف، خصوصا في المناطق الشمالية والشمالية الغربية للبلاد.

وفي بلد تتنوع تضاريسه بين الجبلية والساحلية ويشهد أمطارا موسمية صيفية، لم تسلم أي منطقة أو إقليم من مفاجآت الفيضانات، حتى أصبحت الأمطار الموسمية بالنسبة للباكستانيين مثيرة للمخاوف، لما يصاحبها من كوارث.

وعلى الرغم من مساهمتها بأقل من 1% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، فقد تم تصنيف باكستان على أنها الدولة الأكثر تأثرا بالتغيرات المناخية في عام 2022، وفقا لتقرير مؤشر مخاطر المناخ (CRI) لعام 2025 الصادر عن مركز الأبحاث الأوروبي "غرين ووتش".

ولا تقتصر الفيضانات على الأمطار الموسمية والعواصف الرعدية التي تشهدها باكستان كل عام، بل إن ارتفاع درجات الحرارة له دور كبير في زيادة الفيضانات، حيث تؤدي إلى حدوث فيضانات ناتجة عن ذوبان الثلوج والأنهار الجليدية في بعض المناطق الباكستانية.

خسائر فادحة

وتواجه باكستان منذ 26 يونيو/حزيران الماضي أمطارا غزيرة وفيضانات قاتلة في عدد من الأقاليم، والمناطق الشمالية والشمالية الغربية التي شهدت أمطارا موسمية غزيرة، خصوصا في إقليم خيبر بختونخوا شمال غرب البلاد، حيث دمرت مناطق وقرى كاملة، وراح ضحيتها المئات، فيما لا تزال جهود الإنقاذ قائمة حتى الآن.

كما شهدت أقاليم جيلجيت بالتستان وآزاد كشمير (الشطر الباكستاني من كشمير)، فيضانات مماثلة، أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 45 شخصا في جيلجيت و22 شخصا بكشمير.

وأكدت الهيئة الوطنية لإدارة الكوارث للجزيرة نت، إنه منذ 26 يونيو/حزيران تم تسجيل ما لا يقل عن 785 قتيلا، بما في ذلك 116 امرأة و194 طفلا، نتيجة الفيضانات والحوادث المتعلقة بالأمطار على مستوى البلاد، بالإضافة إلى إصابة أكثر من ألف شخص.

إعلان

ووفقا لبيانات الهيئة أيضا، فإن 4735 بيتا دمرت جراء السيول، بينما نفق 5450 رأس ماشية، وتركزت أغلب الخسائر في إقليم خيبر بختونخوا.

ووفقا للبيانات الرسمية، أدت الأمطار الغزيرة في إقليم السند والفيضانات في كراتشي إلى مقتل ما لا يقل عن 16 شخصا، وإصابة العشرات، كما أنه من المتوقع هطول المزيد من الأمطار في أماكن متفرقة من إقليم السند.

وتزداد المخاوف من حدوث فيضانات في الأنهار الرئيسية، مع تزايد تدفقات المياه نتيجة استمرار هطول الأمطار الموسمية، وتسارع ذوبان الأنهار الجليدية في المناطق الشمالية لباكستان.

ووفقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، من المتوقع أن يستمر الطقس القاسي حتى أوائل سبتمبر/أيلول، مما يزيد خطر حدوث المزيد من الفيضانات والانهيارات الأرضية وخسائر المحاصيل.

وكان عضو لجنة الحد من المخاطر في الهيئة الوطنية لإدارة الكوارث محمد إدريس محسود، قد أكد أن حصول كوارث مشابهة لما حدث في فيضانات عام 2022 ليس مستبعدا، مع توقع باستمرار هطول الأمطار الغزيرة حتى نهاية شهر أغسطس/آب الجاري.

وأشار محسود إلى أن فيضانات عام 2022 كانت ناتجة عن ظاهر مماثلة لما يحدث اليوم، بما في ذلك ما يعرف بالانفجارات السحابية.

من جهتها، تؤكد مسؤولة العلاقات العامة في الهيئة الوطنية لإدارة الكوارث سارة ملك، للجزيرة نت، أنه وفقا للتوقعات تعد احتمالات حدوث فيضانات مماثلة لفيضانات 2022 ضئيلة، مشيرة إلى أن الأخطار المرتبطة بالعواصف الرعدية، وتقلبات درجات الحرارة يرجّح أن تبقى متكررة ومنتشرة.

سطوة التغير المناخي

يقول أستاذ التغير المناخي وإدارة الكوارث في جامعة بيشاور، الدكتور صاحب زادة مشتاق أحمد جان، إن باكستان تقع في جنوب الكرة الأرضية، وهي من أكثر المناطق تأثرا بتغير المناخ، لذا، فإن السبب الأهم والأكثر أهمية للفيضانات المتكررة هو تغير نمط الرياح الموسمية ومسارها نحو شمال غرب البلاد.

ويضيف صاحب زادة، في حديث للجزيرة نت، أن الرياح الموسمية كانت سابقا تُسبب هطول الأمطار في البنجاب والمناطق المجاورة، لكنها انتقلت الآن مع موسم الرياح الموسمية، حيث تهطل في منطقة جيلجيت-بلتستان، أو في إقليم خيبر بختونخوا، حيث تعاني هذه المنطقة من نظام بيئي هش للغاية، ويعيش سكانها في وديان جبلية.

ويشير صاحب زادة أيضا إلى ارتفاع في هطول الأمطار عن المعدلات الطبيعية التي تستطيع الوديان والمجاري المائية استيعابها وتصريفها، لذلك يصل فائض الأمطار إلى المناطق المأهولة بالسكان، ما يسبب خسائر في الأرواح والممتلكات.

ويضيف الخبير في التغير المناخي أن ظاهرة العواصف السحابية أدت بدورها إلى غزارة التساقطات فوق المعدل الطبيعي، فتسببت في فيضانات عارمة وخسائر كبيرة.

كما يؤكد صاحب زادة أن مناطق عدة من باكستان عانت أيضا من أسوأ موجة حر صيفية، وجفاف أعقبتها الفيضانات مع بدء الرياح الموسمية، مشيرا إلى أن البلاد قد تشهد مع ذلك جفافا حادا في المستقبل، وحالات متكررة من حرائق الغابات بفعل التغيرات المناخية الناجمة عن الاحتباس الحراري.

هشاشة البنية التحتية

رغم دور التغيرات المناخية وظواهر الطقس المتطرف المفاجئة، يرى مواطنون وخبراء باكستانيون أن ذلك لا يعفي الحكومة من بعض المسؤوليات، حيث يؤكد هؤلاء أن الإجراءات الحكومية الصحيحة يمكن أن تقلل آثار الكارثة، وبالتالي التقليل من حجم الخسائر.

إعلان

وفي هذا السياق، يقول الدكتور صاحب زادة إن هناك فجوة إدارية خطيرة من جانب الحكومة فيما يتعلق بالحد من مخاطر الكوارث أو التكيف مع تغير المناخ.

ويشير صاحب زادة إلى ما سماه تحديات خطيرة في نظام الإنذار المبكر، حيث لا يتوفر "رادار دوبلر" (لرصد تحولات الطقس) واحد في المناطق المنكوبة، وهو أحد التحديات الرئيسية الخطيرة، التي تضاف إلى ضعف تقييم المخاطر في هذه المناطق، حسب تقديره.

كما يضيف، في حديثه للجزيرة نت، "كنتُ في الميدان خلال الأيام الخمسة الماضية، لم أرَ موظفا واحدا من وزارة تغير المناخ، ولا تقريرا فنيا واحدا منها، وكنتُ أتساءل عما تفعله هذه السلطات أو مؤسسات تغير المناخ، وما هو عملها الفعلي. إنهم لا يُبلغوننا حتى بما حدث".

ويرى صاحب زادة أسباب القصور أيضا في عدم توفر البيانات الجوية والهيدرولوجية، وهو ما يصعب عمليا في الوقت الحالي إعداد تقرير خاص بهذه الظواهر، حيث يُمكن الحصول على بيانات آنية على أرض الواقع، كما يقول.

يذكر أن تقريرا سابقا للأمم المتحدة، قد أكد أن فيضانات عام 2022 في باكستان قد أودت بحياة ما لا يقل عن 1700 شخص، وخسائر اقتصادية تُقدر بنحو 40 مليار دولار، فيما لم يتم حصر الأضرار الاقتصادية النهائية نتيجة فيضانات هذا العام وأمطار هذا الموسم التي ما زالت متواصلة حتى الآن.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق