كتب خليل الشيخ:
"مع السلامة يما.. الله يسهل عليكِ.. ردي عليا يماما.. حبيبتي يما"، بهذه الكلمات نطقت الجريحة عروبة قشطة في العشرينيات من عمرها، وهي تودع طفلتها الشهيدة ذهب (عام) وهي داخل سيارة الإسعاف، قبيل نقلها إلى مستشفى ناصر.
حمل أحد الشبان جثمان الطفلة ذهب وتوجه بها نحو سيارة الإسعاف لتمكين والدتها التي كانت في طريقها إلى المستشفى من رؤيتها ووداعها بالدموع والقبلات، وبعدها افترقت الرضيعة عن أمها لمواراتها الثرى في مقبرة الشهداء بمنطقة "أصداء" بينما أكملت الجريحة "قشطة" طريقها إلى غرفة الطوارئ في مستشفى ناصر لتلقي العلاج.
وارتكبت قوات الاحتلال مجزرة مروعة بحق عشرات المدنيين النازحين في خيام قبالة المدخل الشمالي لمركز إيواء "أصداء" في خان يونس، جنوب القطاع، راح ضحيتها 16 شهيداً وعشرات الجرحى غالبيتهم من الأطفال والنساء.
لم تكن الجريحة "قشطة" وحدها التي ودعت طفلتها الشهيدة عقب وقوع المجزرة بل سبقها الجريح حمدان فوجو (45 عاماً) الذي طلب توديع طفليه الشهيدين عوض الله (13 عاماً) وعبد الله (10 أعوام) قبل نقله إلى المستشفى لتلقي العلاج
رقد الجريح "فوجو" على نقالة الإسعاف الملقاة على الأرض داخل المستشفى التخصصي الكويتي، وطلب إحضار جثماني طفليه اللذين رُزق بهما بعد عشر سنوات من زواجه، وألقى عليهما نظرة الوداع الأخيرة دون النطق بأي كلمة أو تحريك يديه نظراً لإصابته البالغة جراء القصف، واكتفى بإزاحة رأسه نحوهما والابتسام.
وقال أحد الأقرباء: "بدا قوياً وهو يودعهما رغم انتظاره لهما عشر سنوات، وقد اجتهد بتربيتهما وتنشئتهما نشأة دينية ووطنية، لكن قدر الله نافذ".
وحسب شهود عيان تحدثوا لـ"الأيام" فقد قصف جيش الاحتلال تجمعاً كبيراً لخيام النازحين بشكل مفاجئ، حيث سقط عدد من القنابل والقذائف المدفعية بشكل عشوائي على الخيام، ما تسبب باستشهاد وإصابة العشرات من النازحين.
"كنا داخل الخيام حينما بدأت القنابل بالسقوط، وهربنا على وجه السرعة إلى الخارج لنتفاجأ بكم كبير من المواطنين وهم يتساقطون على الأرض من أثر شظايا أصيبوا بها"، قال الشاب أحمد (23 عاماً) أحد الناجين من المجزرة وهو يحاول وصف تلك اللحظات الصعبة التي مر بها مئات النازحين.
وأضاف: "في البداية قصفت قوات الاحتلال المنطقة الشرقية لمدخل أصداء من الجهة الشمالية، وسمعنا سقوط قذائف على أطراف مدينة حمد ولم نكن نتوقع أن يصل القصف إلى هنا"، موضحاً أن الاحتلال قصف خيامهم بعدد من القذائف والقنابل التي أسقطتها مُسيّرات.
وأوضح أحمد أن الوضع كان خطيراً جداً، فمشاهد المواطنين وهم يهربون تحت حمم الشظايا والقنابل كان مؤلماً، وكل شخص حاول النجاة بنفسه.
"لم يعلم الجرحى مَن استشهد ومَن أصيب ومَن نجا من القصف، لكن الغالبية التقوا في جنبات مستشفى ناصر والمستشفى الكويتي التخصصي"، هكذا قال "أبو لبيب" الذي وصل لتفقد معارفه من عائلة شلوف.
وأضاف: هناك في المستشفيين أُبلغ الآباء الجرحى باستشهاد أبنائهم وهم الذين طلبوا رؤيتهم قبل مواراتهم الثرى، وآخرون استشهدوا مع أبنائهم، في إشارة إلى استشهاد يوسف مطر (47 عاماً) ونجله محمد (20 عاماً) لكن أفراد عائلتهما الجرحى لم يتمكنوا من توديعهما.
واعتبر "أبو لبيب" أن أصعب شيء في هذه الحرب هو تعرض المدنيين للقصف وهم داخل خيامهم، وعلى نحو مفاجئ، بحيث لا يعلمون من أين يأتي الموت؟.
0 تعليق