مراسلو الجزيرة نت
دمشق- أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع -الأربعاء الماضي- مرسوما يقضي بالمصادقة على النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب (البرلمان) في خطوة وصفتها وسائل الإعلام الرسمية بأنها "محطة مهمة في مسار الإصلاح السياسي".
ووفقا لوكالة الأنباء الرسمية (سانا) ينص المرسوم رقم 143 لعام 2025 على أن يكون عدد أعضاء المجلس 210 أعضاء، يُعيّن ثلثهم رئيس البلاد، وتُوزع المقاعد الأخرى بحسب التوزيع السكاني للمحافظات.
كما حصر المرسوم الترشح لعضوية البرلمان بأعضاء الهيئات الناخبة المعتمدة بالقوائم النهائية، على أن يُقر المرشح بعدم الجمع بين العضوية وأية وظيفة عامة أخرى باستثناء التدريس الجامعي. وبحسب النص، تُعتمد نماذج موحدة للترشح عبر اللجنة العليا، بما يُعزِّز الطابع الإداري والتنظيمي للعملية الانتخابية.
البيئة الانتخابية
بعد ساعات من صدور القرار، سارع قانونيون للتعليق على تشكيل مجلس الشعب المؤقت وما يعنيه ذلك في سياق المرحلة الانتقالية، وكان أبرز المرحبين رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية أنور البني الذي اعتبر المرسوم بداية جيدة رغم الظروف الصعبة.
وقال البني للجزيرة نت إن "البدء بالتفكير في الانتخابات أمر إيجابي بحد ذاته، إذ يعكس رغبة بتنظيم المشهد السياسي وفتح المجال لتمثيل السوريين". لكنه أوضح أن المرحلة الانتقالية بطبيعتها لا تسمح بإجراء انتخابات مطابقة للمعايير الدولية "فالوضع الأمني والإحصائي وحتى الخريطة السكانية لا توفر بيئة انتخابية حقيقية في الوقت الراهن".
وأضاف "من الجيد أن يكون هناك مسار انتخابي واضح، لكن يجب ألا نغفل عن أن ملايين السوريين ما يزالوا نازحين ولاجئين، وهو ما يحول دون مشاركة واسعة".
وختم البني مؤكدا أن "هذه الخطوة يمكن أن تكون بداية لمأسسة العملية السياسية، شرط أن تُستكمل بخطوات أكثر عمقًا نحو دستور جديد وانتخابات شاملة لاحقا".
سيطرة أم انسجام؟
في المقابل، قال حقوقيون سوريون إن القرار لا يحقق الغرض المعلن منه. ورأى المحامي والناشط السياسي زيد العظم أن تشكيل المجلس بالطريقة المرسومة "يفتقر للشفافية ويعكس استمرار السيطرة التنفيذية على السلطة التشريعية".
إعلان
وأوضح العظم للجزيرة نت أن "الشعب السوري لن يكون طرفا مباشرا في اختيار ممثليه" لافتا إلى أن الانتخابات "ليست عامة ولا مباشرة". وأضاف أن مهمة الانتخاب أوكلت إلى ما يُسمى "الهيئات الناخبة" التي شُكّلت بهيكلية هرمية من قبل الرئيس الشرع.
وأكد أن هذه الهيئات تجعل من الشرع عمليا "المُعيّن الفعلي للبرلمان بأكمله" حتى وإن حاول التغطية على ذلك عبر استحواذه على ثلث المقاعد بشكل مباشر، واعتبر العظم أن "هذا ليس سوى محاولة شكلية لإضفاء طابع تمثيلي زائف".
وأشار إلى أن البرلمان المنتظر "لن يضمن تمثيل ما يزيد على ثلث الشعب السوري المهجّر والمبعد قسرا خارج البلاد منذ سنوات" وهو "ما يُفقد العملية أي مصداقية وطنية أو شرعية شعبية".
وانتقد العظم ما وصفه بـ"تجاهل" السلطات الانتقالية للجهد الذي بذلته سلطة الانتخابات وهيئة التفاوض في إعداد أوراق انتخابية شاملة كان يمكن أن تشكّل أساسا أكثر واقعية.
وبدوره، رأى المحامي عبد العزيز الدرويش أن المرسوم ينسجم مع طبيعة المرحلة الانتقالية، خاصة فيما يتعلق بآلية تشكيل سلطة تشريعية مؤقتة تضطلع بدور محوري في ضبط العمل السياسي.
وأكد الدرويش أن الإعلان الدستوري الحالي لا يمنح الرئيس صلاحية إقالة أعضاء البرلمان، سواء كانوا منتخبين أو معينين، لكنه شدد على أن الظروف الاستثنائية في سوريا تبرر وجود قوانين استثنائية، مبينا أن إنشاء سلطة تشريعية مؤقتة يُمهِّد لمرحلة أكثر استقرارا، ويُمثِّل ركيزة للتأسيس لدستور دائم لاحقا.
وأضاف أن طلب الترشح للانتخابات يعد إجراء إداريا محضا، لا يرتبط مباشرة بالقانون الدولي، في حين تحول الظروف الحالية (من تهجير ولجوء وغياب إحصاء سكاني) دون تنظيم انتخابات شاملة.
وتابع "المرحلة الانتقالية استثنائية بطبيعتها، وما يجري اليوم لا يمكن وصفه بانتخابات طبيعية، بل استفتاء محدود على مشاركة جزء من الشعب السوري".
"خطوة شجاعة"
من جانبه، وصف الخبير القانوني أحمد الشرتح المرسوم الجديد بأنه "خطوة شجاعة وضرورية في سياق بناء مؤسسات الدولة خلال المرحلة الانتقالية".
وأوضح الشرتح في تصريح خاص للجزيرة نت أن "تنظيم الحياة النيابية، حتى عبر آلية مؤقتة، يساهم بملء الفراغ التشريعي ويمنح العملية الانتقالية غطاء قانونيا يحد من الفوضى" مؤكدا أن وجود برلمان مؤقت، سواء بالتعيين أو عبر الهيئات الناخبة، أفضل بكثير من استمرار غياب مؤسسة تمثيلية.
وأضاف أن "القرار يعكس إرادة سياسية جدية في إشراك مختلف المحافظات ضمن إطار قانوني واضح، مما يهيئ الأجواء لمشاركة أوسع في المستقبل القريب" معتبرا أن أي تجربة انتخابية ولو محدودة "تشكل خطوة أولى في الطريق نحو بناء شرعية دستورية راسخة".
وختم الشرتح قائلا "النظام الانتخابي المؤقت ليس حلا نهائيا، لكنه جسر نحو مرحلة دستورية جديدة، حيث يمكن للسوريين لاحقا ممارسة حقهم الانتخابي الكامل في ظل دستور دائم وانتخابات عامة حرة".
0 تعليق