أرض وادي بدر كانت رملية ناعمة. تؤذي من يسير عليها. ويتحرك فوقها. وقد شعر المسلمون بالتعب لطول السفر. وعدم النوم. وسيطر عليهم قلق الانتظار والترقب. وهنا تحوطهم رعاية الله تعالي فينزل عليهم المطر. وتتلبد الأرض. ويسهل عليهم السير ويغشاهم نعاس ألقاه الله عليهم لتهدأ خواطرهم. ويذهب تعبهم وذلك من فضل الله عليهم.
ومكث الرسول صلي الله عليه وسلم هذه الليلة في صلواته. ودعائه ليصبح علي يوم اللقاء والمعركة وهو يوم الجمعة السابع عشر من شهر رمضان من السنة الثانية من الهجرة حيث كان نصر الله تعالي.. فتراء الجمعان فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها. تحادك. وتكذب رسولك. اللهم نصرك الذي وعدتني. اللهم أحنهم الغداة.. وعدل رسول الله صلي الله عليه وسلم صفوف المسلمين. وبينما هو يعدلها وقد كان في يده قدح يعدل به. وكان سواد بن غزية خارجًا عن الصف فدفع النبي صلي الله عليه وسلم القدح في بطنه ليتساوي مع الصف, فاشتكي سواد وجع القدح إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم.. فقال له صلي الله عليه وسلم: استقد مني.. وهنا اعتنق سواد النبي صلي الله عليه وسلم وقبل بطنه.. فقال صلي الله عليه وسلم: ما حملك علي هذا يا سواد؟.. قال سواد: يا رسول الله قد حضر ما تري. فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك. فدعا له رسول الله صلي الله عليه وسلم بخير.
وبعد أن سوي صلي الله عليه وسلم الصفوف. وتهيأ الجميع للقتال أرسل إلي القرشيين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في فرصة أخيرة يقول لهم: ارجعوا فإنه إن يل هذا الأمر مني غيركم أحب إليّ من أن تلوه مني. وأن آليه من غيركم أحب إليّ من أن آليه منكم.. فقال حكيم بن حزام: قد عرض نصحًا فاقبلوه. فوالله لا تنتصرون عليه بعدما عرض من النصح. فأبوا النصيحة. وأصروا علي القتال.
التقي الجمعان وجهًا لوجه وبدأ القتال وكان الجو حارًا.. وكانت بدايته عدوانًا قرشيًا ضد المسلمين. واستفتح أبو جهل يومئذ وأخذ يصيح في قومه.. ويحض المشركين علي القتال بكلام كثير. ويهون عليهم ما شاهدوه.. واتسع نطاق المعركة. وأجهد المسلمون أعداءهم. والنبي في العريش يدعو علي أعداء الله. ويحرض المسلمين علي القتال. وتعلق أمل المسلمون في معونة الله وبذلوا للنصر كل طاقتهم. حتي أتاهم المدد الإلهي العظيم إذا جاءت الملائكة في صورة متتابعة استجابة لاستغاثة المجاهدين في بدر.
ولم تغرب شمس يوم الجمعة السابع عشر من شهر رمضان من العام الثاني للهجرة إلا وقد تم النصر لجند الله في بدر. وتأكد المسلمون المجاهدون من نصر الله تعالي. وأسفرت المعركة عن هزيمة ساحقة لكفار مكة. وانتصار كبير للمسلمين. وكان لهذا النصر صدي واسع في الجزيرة العربية كلها.
وقد لقي سبعون من صناديد مكة مصرعهم في بدر. وعلي رأسهم أبو جهل. وأمية بن خلف. وحنظلة بن أبي سفيان. وعبيدة والعاص ابنا سعيد بن العاص. وعقبة بن أبي معيط, وغيرهم كما أسر منهم سبعون آخرون.. وفر الباقون إلي مكة تاركين وراءهم الأموال وكثيرًا من الإبل. والخيل التي كانت في صحبتهم.. وقد حفر المسلمون قليبًا. دفنوا فيه قتلي المشركين. بعدما أمرهم صلي الله عليه وسلم بإلقائهم فيه دفعة واحدة.. وقد أمر النبي صلي الله عليه وسلم بإلقاء القتلي جميعًا في القليب بأجسادهم. إلا ما كان من أمية بن خلف فإنه انتفخ في درعه فملأها. فذهبوا ليحركوه. فتزايل جسده وتقطع. فأهالوا عليه التراب حيث هو.
أما الأسري والجرحي فقد اهتم بهم رسول الله صلي الله عليه وسلم وأخذهم إلي المدينة. وفرق الأسري علي أصحابه لإعالتهم. ورعايتهم وقال لهم: استوصوا بالأساري خيرًا.. وقد استشهد من المسلمين أربعة عشر شهيدًا وقد أقام النبي صلي الله عليه وسلم والمسلمون بعد المعركة في بدر ثلاثة أيام. وفي اليوم الرابع أخذوا في الرجوع إلي المدينة ليعيشوا فرحة النصر. وفرحة الصوم. وفرحة العيد في ترابط وائتلاف وفي تمييز ورفعة.
يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل
0 تعليق