رغم مرور عقود على خدمتهم العسكرية الإجبارية، واقترابهم من السبعين من العمر، لا تزال ذكريات "خدمة العلم" حية في وجدانهم، يستحضرونها بفخر ليرووا للأجيال الجديدة قصة "مصنع الرجال" الذي صقل شخصياتهم وترك أثراً لم تمحه السنين.
فمع إعلان عودة خدمة العلم، يتفق ثلاثة من الأردنيين الذين خاضوا التجربة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي على أن من سيتم استدعاؤه اليوم لن يندم، وأن هذه التجربة ستكون إضافة نوعية لحياته، تماماً كما كانت لهم.
سالم أبو نور: في "أربعينية الشتاء" تعلمنا حب الوطن
يتذكر سالم نصر الله أبو نور (64 عاماً) بوضوح كيف استُدعي لخدمة العلم عام 1978 وهو في الثامنة عشرة من عمره. انتقل من غرب الزرقاء إلى ميادين التدريب في منطقة أم قيس، حيث كانت الخيام هي مسكنه في عز "أربعينية الشتاء".
يقول لـ(بترا): "كان البرد شديداً، ويبدأ نهارنا بعد صلاة الفجر بمسير رياضي يصل إلى 8 كيلومترات". ويضيف أن الراتب آنذاك كان 14 ديناراً شهرياً، وأن يومهم كان مليئاً بالتدريب على الأسلحة، والنظام، وحياة جديدة تعلموا فيها الانضباط. "كنا ننام في العاشرة مساءً، وهذه العادة الصحية ما زالت مستمرة معي حتى اليوم".
ويؤكد أبو نور أن معرفة الوطن وحبه تجسدت كل يوم، حيث كان المدربون يتعاملون معهم كـ"أبناء الأردن ومستقبله"، وكان مشهد العلم والنشيد الوطني والسلام الملكي اليومي يغرس فيهم الانتماء.
سليمان "أبو طارق": "كنا في قرية وأصبحنا في عالم أكبر"
أما سليمان "أبو طارق" (63 عاماً)، فيروي كيف أن خدمته عام 1982 في معسكرات "خو" شرق الزرقاء، كانت تجربة فريدة وسعت مداركه. يقول: "كنا في قرية وأصبحنا في عالم أكبر. تعرفنا إلى أبناء الوطن من كل مكان، من معان وإربد والأزرق وغور فيفا. دائرة أصدقائنا أصبحت بحجم الوطن".
ويشير إلى أن الشهور الثلاثة الأولى من التدريب كانت هي الفارقة، حيث تعلم الاعتماد على النفس والاهتمام بأدق التفاصيل في هندامه، وهي عادات انتقلت معه لبقية حياته. "تكونت لدينا المواطنة الفاعلة قولاً وفعلاً". ويعتقد أبو طارق أن قرار إعادة تفعيل الخدمة "عالي الأهمية لجيل المستقبل، فهم بحاجة لبرنامج عسكري يساعدهم على تنظيم حياتهم بمسؤولية".
محمد "أبو ليث": من "الميس" تعلمت النظام ومحاربة الفوضى
يتذكر محمد ناصر "أبو ليث"، الذي التحق بالخدمة عام 1988، "الميس" (قاعة الطعام في الجيش) كقيمة اجتماعية كبرى. يقول: "هناك كان الجميع يلتقي على المائدة، إخوة ورفاق جدد من الكرك والطفيلة والبلقاء، نتبادل الحكايا والقصص ونتعرف إلى قصص أردنية حقيقية".
ويضيف أن نظام الحياة الذي اتبعه في "خو" انتقل معه إلى اليوم. "ما زلت حتى الآن أكثر ترتيباً وأميل دائماً إلى إنهاء حالات الفوضى". وبعد إنهاء التدريب، انتقل "أبو ليث" للخدمة في الفرقة 12 الملكية على الحدود الشمالية، حيث تعلم أن النظام هو هدف أساسي، وأن المدربين كانوا يحترمون كرامة الإنسان ويقدرون جهودهم.
ويؤكد "أبو ليث" ثقته الكبيرة في أن برنامج القوات المسلحة الجديد سيراعي خصائص الجيل الحالي، الذي يمتاز بالذكاء، وسيعمل على استغلال هذه القدرات ووضعها في سياقها الصحيح، ليكون الجيل القادم قادراً على حماية الهوية الوطنية وجعل الأردن أولاً في كل مكان وزمان.، بحسب وكالة الأنباء الرسمية بترا.
0 تعليق