نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
القاع العطشى في البقاع اللبناني الشمالي: أمر واقع أقوى من القانون يرتهن مياهها - هرم مصر, اليوم الأربعاء 10 سبتمبر 2025 01:56 مساءً
هرم مصر - تتكرر مأساة العطش في سهل البقاع الشمالي، وتحديداً في بلدة القاع الحدودية التي تعاني من انقطاع شبه كامل لمياه الري.
ليست هذه المشكلة طارئة، بل هي صراع مستمر منذ عقود على حق أصيل: المياه، حقٌ تروي قصته أرض غزاها اليباس، وأشجار ضربها الذبول، ومواطنون أرهقهم البحث عن قطرة مياه في منطقة تُروى جاراتها بوفرة.
تاريخ من الحقوق المهدورة
تعتمد القاع التي لا تمتلك نبعاً طبيعياً في أراضيها، على مياه نبع اللبوة المتدفق منذ مئات السنين. هذه المياه ليست مجرد مورد طبيعي، بل هي ملكية خاصة لأهالي القاع، وموثقة بحق الري لعقاراتهم.
في عام 1975، خلال حقبة الحرب الأهلية، انقطعت المياه عن البلدة، ما أدى إلى هلاك ملايين الأشجار من دون أي تعويض لأصحابها. بعد الحرب، وفي ظل ضغوط وظروف صعبة، أمكن التوصل إلى اتفاق "مجحف" تنازل بموجبه أهالي القاع عن 48% من حصتهم المائية لمصلجة المعتدين الذين استولوا عليها إبان الحرب. كان الشرط أن يحصلوا على 52% من حصتهم المتبقية من دون أي عراقيل. لكن هذا الاتفاق لم يُحترم يوماً، وأصبحت مياه القاع رهينة "مزاجية" البعض، والاستقواء، وحتى تواطؤ عدد من أبنائها.
معركة مستمرة ضد السرقة
تحول نبع اللبوة إلى مصدر قلق دائم، إذ انخفض منسوب المياه المتدفق إلى القاع من 400-600 ليتر في الثانية إلى 10 ليترات فقط. هذا الانخفاض الحاد أدى إلى تعطيل عملية الري، ما دفع المزارعين إلى قضاء ساعات طوال لري أراضيهم بعد ان كانت تُروى في أقل من ساعة.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، ففي الآونة الأخيرة، انقطعت المياه تماماً. وكأن السرقة أصبحت منهجاً، إذ يجري فتح ثقوب وفتحات في النفق الخرساني الهش الذي يمر فيه مجرى المياه، وتُسرق المياه بعيداً من أعين المسؤولين. كلما أُغلقت فتحة، فُتحت أخرى في مكان جديد. هذه المعركة أرهقت الأهالي، وتحولت إلى ما يشبه لعبة "القط والفار" مع السارقين.
وعلى رغم تدخل الجيش والمخابرات والنيابة العامة، وتحديداً النائب العام الاستئنافي منيف بركات الذي أحال الدعوى على أمن الدولة،غير أن المشكلة لم تُحل جذرياً، إذ تستمر السرقات، حتى بعد تنفيذ قرار إزالة المخالفات في حضور رؤساء بلديات اللبوة والعين والنبي عثمان، ما يثير الشكوك حيال نيات مبيتة وراء هذا الانقطاع المتكرر للمياه.
عتب القاع: الصمت تواطؤ والمحاسبة آتية
ويعبّر أهالي القاع عن عتبهم الشديد على المرجعيات السياسية، وتحديداً من طائفة المعتدين، في إشارة إلى "الثنائي الشيعي"، معتبرين أن سكوتهم عمّا يحصل هو بمثابة موافقة ضمنية على الاعتداءات. ويقول أحد أبناء البلدة: "من غير المقبول أن تستمر الانتهاكات في حقنا، ولا نسمع كلمة حق من ممثلي هذه الطائفة، علماً أن الناس لن تنسى، والمحاسبة آتية داخل صناديق الاقتراع لهم ولحلفائهم".
ويضيف: "القاع كانت في طليعة من واجه الإرهاب والتكفيريين، ودفعت الشهداء من أجل حماية كل لبنان، نتيجة تدخل حزب الله في سوريا. ومع ذلك، استقبلنا نازحين لبنانيين خلال الحرب الأخيرة ونازحين لبنانيين من الداخل السوري بعد سقوط النظام، وفتحنا بيوتنا... فهل يكون رد الجميل من الجيران بقطع المياه عنا؟".
ويعتبر أن "الساكت عن الحق شيطان أخرس، والأسوأ أن يكون ساكتاً وسارقاً معاً. مش معقول الكل عاجز عن قول الحقيقة!".
هل من حلول؟
تؤكد مصادر معنية في القاع "أن المشكلة ليست تقنية، بل هي سياسية وديموغرافية"، وتحمل تبعاتها لـ"المرجعيات التي تدّعي تمثيل الطائفة"، متهمة إياها بـ"التنصل من مسؤولياتها وإحالة المشكلة على "الدولة والقانون" فقط. هذا الشعور بالإحباط دفع العديد من أبناء البلدة إلى إعادة النظر في خياراتهم السياسية، خصوصاً أن رزقهم أصبح مهدداً بشكل مباشر".
ومن أجل حل هذه الأزمة، يطالب أهالي القاع بـ"خطوات تصعيدية تحت سقف القانون"، ويناشدون الدولة اللبنانية ورئيس الجمهورية بصفته المؤتمن على الدستور "حماية حقهم الدستوري في المياه وملكياتهم".
كذلك يشددون على الآتي:
-"كشف حقيقة الأمر: مطالبة مؤسسة المياه بالكشف على النفق وتحديد ما إذا كان هناك عطل فني؟ (وهو ما يشككون في صحته).
- تأمين التمويل: مناشدة الجهات المانحة تأمين التمويل اللازم لجر حصتهم المائية عبر أنابيب مغلقة لمنع السرقات والاعتداءات ومنع العطش عن البلدة.
- تثبيت الحقوق: إعادة النظر في توزيع المياه وتحديد حصص كل بلدة بدقة، مع التأكيد على أن الاتفاق الحالي غير قابل للنقاش، إلا إذا كان الهدف العودة إلى الحق الأصيل والكامل لأهالي القاع في مياه النبع".
صرخة القاع اليوم هي صرخة وطنية وإنسانية، من أجل العيش الكريم ورفضٌ الظلم الذي يطاول حق أبنائها الأساسي في حصتهم من المياه. هي دعوة الى تعزيز حسن الجوار، والحفاظ على الأمن الغذائي والوطني، وتطبيق القانون الذي يجب ألا يبقى حبراً على ورق. فهل ستجد هذه الصرخة آذاناً صاغية أم سيبقى الأمل في قطرة مياه صرخة في واد؟
0 تعليق