نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
لا قمّة مرتقبة بين روسيا وأوكرانيا قريباً وفرص السلام تتقلص وطبول الحروب تُقرع... - هرم مصر, اليوم الثلاثاء 9 سبتمبر 2025 12:16 صباحاً
هرم مصر - د. خالد العزي*
تتضاءل فرص عقد قمّة مباشرة بين روسيا وأوكرانيا في المستقبل القريب، حيث لا تزال الظروف السياسية والأمنية غير ناضجة لاحتضان مثل هذا الحدث. إن فقدان الثقة بين الطرفين، واستمرار التصعيد الميداني، يعكسان واقعاً أكثر تعقيداً من أن يُحل عبر طاولة حوار في الوقت الراهن.
بالإضافة إلى ذلك، فإن أي تحرّك نحو قمّة محتملة يبدو مشروطاً – من وجهة نظر موسكو – بإحراز تقدم عسكري نوعي يسمح لها بفرض شروطها التفاوضية من موقع قوة. غير أن الميدان لم يمنح الكرملين هذا الامتياز بعد، ما يجعل القمة أقرب إلى احتمال التأجيل منه إلى خيار استراتيجي مطروح حالياً.
بوتين يراهن على التصعيد العسكري في أوكرانيا، انطلاقاً من قناعة راسخة بأن الحسم الميداني قد يمنحه اليد العليا في فرض شروطه على طاولة التفاوض. كذلك يبدو أن الكرملين يعتقد أن تحقيق انتصار عسكري ملموس كفيل لا فقط بتقوية موقفه التفاوضي، بل أيضاً بإقناع الغرب – أو إرغامه – على القبول بسردية موسكو بشأن جذور الحرب ومسؤولياتها.
من هذا المنطلق، يُكثف بوتين عملياته العسكرية، ظناً منه أن هذا الضغط المتزايد سيؤدي إما إلى انهيار الجبهة الأوكرانية، أو إلى تصدّع الموقف الغربي، وبالتالي دفع العواصم الأوروبية والأميركية نحو القبول بتسوية تُراعي الشروط الروسية وتُكرّس رؤيتها للصراع. وفي نفس المسار، يرفع النبرة التهديدية ضد الدول الأوروبية، ظناً منه أن فك عزلته عن العالم ولقاءه بالرئيس ترامب يُخوّله مهاجمة الغرب ورفض مقترحاته التي تشير إلى إدخال قوات متعددة الجنسيات لضمان أمن كييف، ما يُشعر بتوتر فعلي من الغرب واقتراب المواجهة بينهما.
استراتيجية بوتين في مأزق... ونفاد صبر ترامب
يواصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رهانه على الوقت، متشبثاً بفكرة أن الصبر الاستراتيجي والمراهنة على تآكل الإرادة الغربية سيدفعان أوكرانيا – ومن خلفها حلفاؤها – إلى القبول بتسوية تُكرّس المكاسب الروسية.
فالرئيس بوتين يعتمد على فلسفة واستراتيجية تُشبه تلك التي تبنّاها "بطريرك" السياسة الأميركية هنري كسنجر ، القائمة على أن الوقت كفيل بحل الأمور ومعالجة الأوضاع.
لكن هذه الرؤية الاستراتيجية بدأت تتصدّع بفعل متغيرات داخلية وخارجية ضاغطة. أحد أبرز هذه المتغيرات يتمثل في تصاعد التململ الأميركي، لا سيما من جانب الرئيس دونالد ترامب، الذي لم يُخفِ ضيقه من طول أمد الحرب وتكاليفها المتزايدة.
فالضغوط الداخلية، والانشغالات السياسية الأميركية، وتراجع الحماسة الأوروبية، جميعها تجعل من الصعب على البيت الأبيض الاستمرار في تقديم دعم غير مشروط.
ومع تباطؤ الإنجازات الروسية ميدانياً، تقلّصت مساحة المناورة أمام بوتين، ووجد نفسه محاصراً على أكثر من جبهة: عسكرياً في ميادين القتال، وسياسياً في العواصم الغربية، وديبلوماسياً على الساحة الدولية.
العقوبات تُضيّق الخناق
في موازاة التحديات العسكرية، تواصل العقوبات الغربية تفكيك البنية الاقتصادية والمالية لروسيا ببطء، ولكن بثبات. القيود الصارمة المفروضة على قطاعات المال والتجارة والتكنولوجيا باتت تُشكل عبئاً متزايداً على الاقتصاد الروسي، وتُقوّض قدرته على الاستمرار في تمويل الحرب على المدى الطويل.
فالقطاع العسكري لم يعد قادراً على التعويض السريع للخسائر أو تطوير قدراته، في ظل النقص في المعدات الحساسة والتقنيات الغربية المتقدمة. وعزل روسيا عن منظومة التبادل التجاري العالمي زاد من صعوبة الوصول إلى الأسواق، وأثّر سلباً على إيرادات الطاقة التي كانت تمثل شريان الحياة للاقتصاد الروسي.
كل هذه المعطيات تؤسس لواقع اقتصادي خانق، قد يفرض على موسكو إعادة النظر في مدى جدوى استمرار الحرب بهذا الشكل.
الصين... شريك اقتصادي لا حليف عسكري
رغم محاولات موسكو المتكررة لاستقطاب الصين إلى تحالف استراتيجي أشد متانة، فإن بكين تواصل التعامل بحذر بالغ. فالصين، التي تنتهج سياسة "القوة الناعمة"، تفضّل تحقيق مصالحها من خلال الاقتصاد والتجارة والاستثمارات العابرة للحدود، لا من خلال الدخول في مواجهات عسكرية قد تُهدّد مشاريعها الكبرى كـ"الحزام والطريق".
الصين... شريك اقتصادي لا حليف عسكري (أ ف ب)
القيادة الصينية تدرك أن أي انخراط عسكري مباشر أو غير مباشر في الصراع سيضعها في مواجهة مفتوحة مع الغرب، ويعرّض مصالحها التجارية حول العالم للخطر. لهذا السبب، تواصل بكين التزامها بسياسة التوازن: شراكة استراتيجية مع روسيا، ولكن دون التورط في مغامرات قد تكون كلفتها باهظة.
وبينما تحتاج موسكو إلى دعم صيني أكبر، لا يبدو أن بكين مستعدة للمخاطرة بمكاسبها العالمية مقابل دعم عسكري لروسيا لا يخدم مصالحها الطويلة المدى.
ماكرون في قلب المواجهة: هل يقلب الطاولة لصالح أوكرانيا؟
في هذا المشهد المضطرب، برز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كأحد أكثر الزعماء الأوروبيين حضوراً وفاعلية في الملف الأوكراني. ماكرون، الذي يسعى لتكريس مكانة فرنسا كقوة أوروبية ذات تأثير عالمي، تبنّى موقفاً حازماً تجاه روسيا، ورفع من سقف التزامات بلاده تجاه دعم أوكرانيا.
الدور الفرنسي تصاعد بشكل لافت خلال المؤتمر الدولي الذي استضافته باريس في 4 أيلول/ سبتمبر، بمشاركة 41 دولة، حيث تصدّرت فكرة إنشاء "قوة فصل أوروبية" النقاشات. هذه القوة المقترحة يُفترض أن تُنشر على الحدود العازلة بين روسيا وأوكرانيا، بهدف تهدئة الجبهة وضمان أمن المناطق الحدودية من التوغلات أو الاستفزازات المتكررة. الاقتراح الفرنسي يعكس تحوّلاً نوعياً في التفكير الأوروبي من دعم سياسي وإنساني، إلى تدخل أمني ميداني مباشر – وإن تحت مظلة دولية.
دعم أميركي مشروط ومقنّن: شركات أمنية بدلاً من الجيوش النظامية
رغم أن واشنطن لم تعارض الطرح الأوروبي بإرسال قوات عسكرية إلى كييف للفصل في خطوط الجبهة المقترح كخط فصل لحوالي 40 كلم، فإن موقفها اتّسم بالحذر؛ فقد عبّرت عن استعدادها لتقديم دعم جوي واستخباراتي ولوجستي، لكنها في الوقت ذاته، تجنبت التورّط العسكري المباشر، وامتنعت عن الالتزام بإرسال قوات نظامية إلى ساحة المواجهة.
هذا التوجّه الأميركي ينسجم مع نمط استخدمته واشنطن في تجارب سابقة، كما في العراق وأفغانستان، حيث أوكلت المهام الميدانية إلى شركات أمنية خاصة. ووفقاً لتقارير وتحليلات متقاطعة، فإن هذه الشركات ستتولى تنفيذ المهام الميدانية في أوكرانيا، مع الحفاظ على غطاء "العمل غير الرسمي" أي حماية الاتفاقية الاقتصادية بين واشنطن وكييف التي تضمن حماية مخزون باطن الأرض، ما يمنح واشنطن هامشاً واسعاً من المرونة السياسية والقانونية.
لكن الدور الحقيقي لهذه الشركات يتجاوز مجرد المهام الأمنية. فثمة مصالح استراتيجية أميركية متزايدة في أوكرانيا، وعلى رأسها اتفاقيات شراكة في مجال استخراج "معادن الأرض النادرة"، التي تُعدّ من ركائز الصناعات التكنولوجية والدفاعية، وتمثل كنزاً جيو-اقتصادياً بالغ الأهمية لواشنطن.
بين الرهانات المتشابكة والمصالح المتضاربة... هل يتغير المشهد؟
في ظل هذه المعادلات الدقيقة، يبقى المشهد مفتوحاً على احتمالات متعددة. هل يستطيع ماكرون، مدعوماً بتحالف أوروبي جزئي، وغطاء أميركي غير مباشر، تغيير قواعد اللعبة؟ هل ستكون "قوة الفصل" بداية لتحوّل دولي حقيقي في مقاربة الأزمة، أم مجرد خطوة رمزية ذات طابع سياسي؟
الأسابيع المقبلة قد تحمل مؤشرات أولية للإجابة، خاصة مع تصاعد الضغوط الاقتصادية على موسكو، وتزايد الحاجة الغربية إلى مخرج يضمن المصالح دون توسع رقعة الحرب. وفي ظل هذه الحسابات المتشابكة، تظل الحرب الأوكرانية ساحة تتقاطع فيها الجغرافيا السياسية مع الاقتصاد الاستراتيجي، وتتداخل فيها أدوات الصراع التقليدي مع أساليب القوة الذكية والناعمة.
*المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.
0 تعليق