"سابا سابا" حراك كينيا المتجدد - هرم مصر

الكورة السعودية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

حراك "سابا سابا" ويعني "7/7" باللغة السواحلية، في إشارة لليوم السابع من يوليو/تموز، والذي يحمل دلالات رمزية بالتاريخ السياسي الكيني، إذ يمثل بداية التحول من الحكم السلطوي للتعددية السياسية والانفتاح على الحكم الديمقراطي. يوم خرج آلاف الكينيين عام 1990 في حراك شعبي واحتجاجات حاشدة أجبرت الحكومة على تبني نظام سياسي متعدد الأحزاب بعد فترة طويلة من الحكم الاستبدادي.

وفي السابع من يوليو/تموز من كل عام يحيي الكينيون هذه الذكرى التي يعتبرونها رمزا للمقاومة المدنية والانتقال الديمقراطي. وقد حافظ الحراك على جذوته مشتعلة على مدى أكثر من 3 عقود، ليظهر مع كل ذكرى سنوية بمطالب شعبية متجددة تعكس طبيعة الصراع السياسي والاجتماعي في هذا البلد.

سياق النشأة

أثناء اندلاع أحداث 1990 كانت كينيا تخضع لحكم الرئيس الراحل دانيال أراب موي الذي ترأس نظاما سياسيا يهيمن عليه حزب وحيد هو الاتحاد الوطني الأفريقي، فشهدت معه البلاد قمعا سياسيا وتضييقا واسعا على المعارضة وتقييدا للحريات العامة، إلى جانب تفاقم الأوضاع الاقتصادية والتهميش الاجتماعي، مما ولّد حالة من الغضب والاستياء الشعبي العارم.

وتحت وطأة الوضع السائد آنذاك، جاءت الدعوة إلى التظاهر من قادة المعارضة كينيث ماتبيا وتشارلز روبيا وجاراموجي أودينغا، الذين طالبوا بتنظيم تجّمع جماهيري في ساحة كاموكنجي بالعاصمة نيروبي، للمطالبة بإرساء نظام سياسي تعددي.

ورغم الحظر الذي فرضته السلطات الأمنية آنذاك، تحدى المواطنون القرار ونزلوا بكثافة إلى الشارع، مما أدى إلى مواجهات عنيفة مع قوات الأمن، أسفرت عن اعتقالات واسعة، وسقوط أكثر من 20 قتيلا، علاوة على تسجيل انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

وتحولت أحداث ذلك اليوم إلى محطة مفصلية في تاريخ النضال الديمقراطي في كينيا، وأسهمت في تسريع الضغط الشعبي والسياسي باتجاه الإصلاح، لتصبح "سابا سابا" رمزا للنضال من أجل الحقوق المدنية، والعدالة الاجتماعية، والمساءلة السياسية.

TOPSHOT - Protesters chant anti-government slogans and wave Kenyan flags beside a burning barricade blocking a road during Saba Saba Day protests in Nairobi, on July 7, 2025. Kenya marked its fight for democracy on July 7, 2025 with police blocking main roads in Nairobi ahead of potential protests, after last month's demonstrations descended into violent clashes. Saba Saba Day marks the uprising on July 7, 1990 when Kenyans demanded a return to multi-party democracy after years of autocratic rule by then-president Daniel arap Moi. (Photo by Luis TATO / AFP)
"سابا سابا" أصبح رمزا للنضال من أجل الحقوق المدنية والعدالة الاجتماعية والمساءلة السياسية في كينيا (الفرنسية)

أبرز رموز الحراك

أدى عدد من القادة دورا بارزا في تنظيم احتجاجات 1990، من بينهم كينيث ماتبيا وتشارلز روبيا، اللذان اعتقلا على خلفية الدعوة للتظاهر.

إعلان

كما شارك الزعيم السياسي المخضرم أودينغا في دعم الحراك، وأيده باعتباره أحد رموز الدولة، كما برز كذلك جيمس أورينغو وكوغي وا وامويري ضمن الأصوات البارزة في الدفاع عن الحريات المدنية إبان الانتفاضة.

وشهدت ساحة النضال السياسي في كينيا، مع مطلع العقد الثالث من القرن الـ21، بروز عدد من النشطاء المؤثرين، من بينهم الناشطتان السياسيتان وانغاري ماثاي وجيروتيتش سيي، والمحامي بول مويتي، والمصور الصحفي بونيفيس موانغي، إضافة إلى عدد من الناشطين الشباب الذين أسهموا في إحياء رمزية "سابا سابا".

مطالب متعددة

شكلت احتجاجات "سابا سابا" عام 1990 محطة محورية في مسيرة الديمقراطية الكينية، إذ كانت الشرارة التي أطلقت موجة من الإصلاحات السياسية والاجتماعية، فقد أدت إلى فرض تعديلات على بعض مواد الدستور عام 1991، وفتح الباب بموجبها أمام التعددية الحزبية والتنافس السياسي.

كما شكلت هذه الانتفاضة دافعا حفّز الشباب على الانخراط في الحياة السياسية، ومكنت مؤسسات المجتمع المدني من المشاركة في قضايا الحكم والإصلاح، كما اعتبرها طيف واسع من المجتمع انعكاسا لقوة الإرادة الشعبية وقدرتها على تحدي الأنظمة الاستبدادية.

ومع مرور السنين، تطورت المفاهيم الرمزية المرتبطة بحراك "سابا سابا" لتواكب تطورات عدة شهدها المشهد السياسي والاجتماعي الكيني.

وبعدما انطلق عنوانا لانتفاضة شعبية ضد حكم الحزب الواحد ودكتاتورية الرئيس موي عام 1990، بدأ حراك "سابا سابا" -مع مطلع العقد الأول من القرن الـ21- يتجاوز مطلب التعددية الحزبية، ليصبح منبرا للمطالبة بإصلاحات دستورية جوهرية، خصوصا ما يتعلق بالعدالة في توزيع الأراضي التي يعتبرها الكينيون مسألة مركزية على مر تاريخهم.

كما اتخذ الحراك طابعا حقوقيا مع بداية العقد الثاني من القرن نفسه، حين صارت المطالب الشعبية مركزة على محاسبة الأجهزة الأمنية في ظل تنامي القتل خارج القانون والانتهاكات المتكررة من الشرطة، وتزامنا مع هذه المطالب ظهرت أصوات أخرى تطالب بعدالة اقتصادية، مستنكرة اتساع الفجوة بين الطبقات الاجتماعية وتدهور مستوى المعيشة.

TOPSHOT - Protesters gather to block a main road with burning barricades and urban debris during clashes at Saba Saba Day demonstrations in Nairobi on July 7, 2025. Kenya marked its fight for democracy on July 7, 2025 with police blocking main roads in Nairobi ahead of potential protests, after last month's demonstrations descended into violent clashes. Saba Saba Day marks the uprising on July 7, 1990 when Kenyans demanded a return to multi-party democracy after years of autocratic rule by then-president Daniel arap Moi. (Photo by Luis TATO / AFP) Related content
نيروبي شهدت يوم 7 يوليو/تموز 2025 شللا تاما وانتشارا مكثفا للعسكر (الفرنسية)

"جيل زد" يقود الحراك

وظهر تحول لافت في قيادة حراك "سابا سابا" مع بداية العقد الثالث من القرن ذاته، فقد بدأت مجموعات شبابية وعلى رأسها حركة "جيل زد" تتصدر المشهد مستخدمة الفضاء الرقمي للتعبير والتعبئة الجماهيرية مطالبة بإصلاحات سياسية ودستورية.

وفي عام 2024 اندلعت احتجاجات كبرى ضد حكومة الرئيس وليام روتو، عقب طرح مشروع قانون المالية الذي تضمن زيادات ضريبية أثارت غضبا شعبيا واسعا.

وفي يونيو/حزيران 2025، اعتقلت الشرطة المدون والمعلم ألبرت أوموندي أوجوانغ بتهمة "نشر معلومات كاذبة" إثر تغريدة انتقد فيها نائب المفتش العام للشرطة على منصة إكس.

وتوفي أوجوانغ أثناء فترة احتجازه، وبرّرت الشرطة وفاته بإصابته "بجروح في الرأس نتيجة اصطدامه بجدار الزنزانة".

وأثارت وفاته موجة احتجاجات عمت البلاد بأسرها، انطلقت في 9 يونيو/حزيران 2025، وقادها شباب عبر وسائل التواصل، واستعرت جذوة الاحتجاج أكثر بسبب تزامنها مع تصاعد الغضب الشعبي من الفساد وتذمر الكينيين من غلاء المعيشة.

إعلان

وتميز الحراك الافتراضي بعدم وجود قيادة رسمية أو هيكل تنظيمي واضح، ويرى بعض مؤيدي حركة "جيل زد" أن غياب القيادة المركزية يمثل مصدر قوة يضمن استقلالية الحراك، بينما يعتبر آخرون أن وجود قيادة جماعية ضروري لتحويل هذه الموجة إلى قوة سياسية مؤثرة ودائمة.

وشهدت العاصمة نيروبي يوم الاثنين 7 يوليو/تموز 2025 شللا تاما وانتشارا مكثفا للقوات العسكرية ضمن إجراءات استباقية في ظل دعوات متزايدة لتنظيم مظاهرات حاشدة في ذكرى "سابا سابا" احتجاجا على ما وصفته حركة "جيل زد" بـ"الانتهاكات الأمنية والفساد السياسي".

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق