منذ توليه قيادة ريال مدريد قبل أيام من انطلاق مونديال الأندية، أظهر تشابي ألونسو براعة تكتيكية لافتة، حيث يعتمد على مرونة فكرية تتجاوز الأنماط التقليدية.
لم يقتصر على نظام لعب واحد، بل قدم تشكيلات متباينة تتكيف مع طبيعة الخصم وظروف المباراة، وفي بعض المواجهات، اعتمد ألونسو على خط دفاع مكون من ثلاثة مدافعين، مع تحول الظهيرين إلى أجنحة هجومية في نظام 3-5-2، مما يعزز القوة الهجومية.
وفي أحيان أخرى، لجأ إلى خط دفاع رباعي في تشكيلة 4-3-3 لضمان صلابة دفاعية أكبر. هذه المرونة في التبديل بين 3-4-2-1 و4-3-3 أعطت ريال مدريد هوية ديناميكية، متجاوزة الإرث التقليدي للفريق، لتصبح المنظومة أكثر قابلية للتكيف، سواء على المستوى الفني أو الفردي.
فران جارسيا.. من الحلقة الأضعف إلى الورقة الرابحة
في بداية الموسم، لم يكن فران جارسيا ضمن الأسماء التي يعول عليها الفريق في المباريات الكبرى، بل إن جماهير ريال مدريد وجهت له انتقادات حادة، معتبرين إياه الحلقة الأضعف في الجبهة اليسرى بسبب أدائه غير المستقر.
لكن مع وصول تشابي ألونسو، تغيرت الصورة بشكل جذري، تحول فران من لاعب يعاني من التشكيك إلى عنصر أساسي في خطط الفريق، مما يعكس قدرة ألونسو على إعادة صياغة أدوار اللاعبين واستغلال إمكانياتهم.
لم يكتف ألونسو بمنح فران دقائق لعب أكثر، بل أعاد تصميم دوره التكتيكي، ولم يعد فران مجرد ظهير دفاعي تقليدي، بل أصبح جناحًا هجوميًا في بعض الخطط، خاصة عند اعتماد ثلاثي دفاعي يمنحه حرية التقدم دون القلق بشأن التغطية الدفاعية.
كما استفاد فران أيضًا من دعم بيلينجهام ومودريتش، اللذين قدما له التمريرات الحاسمة والغطاء الدفاعي، مما سمح له بالانطلاق بثقة أكبر.
الأهم من ذلك كان التغيير الذهني، ألونسو عزز ثقة فران بنفسه، جاعلاً إياه يشعر بأنه جزء لا يتجزأ من المشروع، وليس مجرد خيار بديل.
وانعكس ذلك على أدائه داخل الملعب، حيث أصبح أكثر هدوءًا تحت الضغط وأفضل في اتخاذ القرارات، سواء في التمرير أو المراوغة.
كما أن إحصائياته تحسنت بشكل ملحوظ في مونديال الأندية، حيث سجل هدفًا حاسمًا وقدم تمريرة حاسمة أمام بوروسيا دورتموند، وهي مباراة وصفتها الصحف الإسبانية بـ"ولادة جديدة لفران جارسيا".
جونزالو جارسيا.. المفاجأة التي خالفت كل التوقعات
وسط تألق النجوم الكبار، برز اسم غير متوقع: جونزالو جارسيا، ابن أكاديمية ريال مدريد. هذا الشاب الهادئ في ملامحه، والجريء في لمساته، استغل الفرصة التي منحها إياه تشابي ألونسو ليصبح واحدًا من أبرز مفاجآت مونديال الأندية.
في أول خمس مباريات له، قدم جونزالو أداءً استثنائيًا، متجاوزًا توقعات الجماهير والمحللين، ولم يكتف جونزالو بملء فراغ غياب كيليان مبابي، بل فرض نفسه كلاعب ذي بصمة مميزة.
وسجل أربعة أهداف في خمس مباريات، بما في ذلك أهداف حاسمة ضد يوفنتوس وسالزبورج، وصنع العديد من الفرص لزملائه.
كما تميّز بحركته الذكية وتمركزه المثالي داخل منطقة الجزاء، مع نضج ملحوظ في اتخاذ القرارات تحت الضغط، وكأنه يلعب في مباريات الشباب وليس في بطولة بوزن مونديال الأندية.
تشابي ألونسو، بفضل خبرته كلاعب سابق، أدرك أهمية الثقة للاعب شاب، حيث تعامل مع جونزالو بعين المدرب الذي يبحث عن العطاء الحقيقي، وليس مجرد الأسماء الكبيرة.
وسائل الإعلام الإسبانية وصفته بـ"المفاجأة السعيدة" في مشروع ألونسو، بل شبّهه البعض بأساطير مثل راؤول جونزاليس وفيرناندو موريانتس بسبب ذكائه الحركي.
وقال ألونسو في مؤتمر صحفي: "جونزالو ليس مجرد موهبة شابة، بل يقرأ المباراة كما يجب أن يفعل مهاجم ريال مدريد. أداؤه يفوق عمره بكثير".
بيلينجهام.. القلب النابض لمشروع ألونسو
بحنكته كلاعب خط وسط سابق، أدرك تشابي ألونسو أن جود بيلينجهام لا يجب أن يقتصر دوره على صانع الألعاب التقليدي. بدلاً من ذلك، حوله إلى نقطة ارتكاز هجومية ودفاعية في آن واحد.
وفي مونديال الأندية، ظهر بيلينجهام كلاعب لا يكل، يتحرك باستمرار ليكون محور كل هجمة مدريدية. يعود للخلف لاستلام الكرة من الدفاع، ويتقدم بذكاء ليكون جزءًا من الهجمات.
هذا الدور المزدوج جعل بيلينجهام العمود الفقري للفريق، يبني الهجمات ويقود الضغط العالي بنفس الكفاءة.
أردا جولر.. لحظة ميلاد جديدة
أضاء النجم التركي الشاب أردا جولر سماء ريال مدريد بأداء استثنائي، شكّل علامة فارقة في مسيرته مع الفريق، بعد موسم أول تخللته الإصابات وقلة الفرص تحت قيادة كارلو أنشيلوتي، جاء تشابي ألونسو ليمنح جولر ثقة مطلقة، ويعيد صياغة دوره ليصبح عنصرًا أساسيًا في منظومة الفريق.
وفي مباراة دور المجموعات ضد باتشوكا في مونديال الأندية، أظهر جولر براعته بسجله هدفًا رائعًا عبر تسديدة متقنة في الدقيقة 43، مؤكدًا قدرته على حسم المواجهات الكبرى. لكن تألقه الأبرز جاء في ربع النهائي أمام بوروسيا دورتموند، حيث تألق كصانع ألعاب متقدم.
وبحسب إحصائيات "Sofascore"، بلغت دقة تمريراته 95.5% من إجمالي 68 تمريرة، مع تقديمه تمريرتين حاسمتين وصناعته فرصتين كبيرتين، ليحصد لقب أفضل لاعب في المباراة.
وبفضل حس تشابي ألونسو التكتيكي، تحول جولر من جناح هجومي تقليدي إلى لاعب وسط حر يتنقل بين الخطوط، مستغلاً رؤيته المميزة للملعب وتحكمه الرائع بالكرة تحت الضغط. هذا التعديل جعله محورًا رئيسيًا في بناء الهجمات، يذكّر بأداء لوكا مودريتش في أوج تألقه.
ووصفت صحيفة "AS" الإسبانية هذا التحول بـ"لحظة ميلاد جديدة" لجولر، مشيرة إلى أن أداءه أصبح يفرض نفسه على خيارات المدرب، ويمهد لمرحلة جديدة في ريال مدريد تعتمد أكثر على الإبداع الفني والحلول العميقة في وسط الملعب.
رودريجو.. ضيف شرف
وسط التغييرات الكبيرة في ريال مدريد تحت قيادة ألونسو، بدا أن النجم البرازيلي رودريجو يفقد مكانته. اللاعب الذي كان رمزًا للأهداف الحاسمة والمراوغات في عهد أنشيلوتي، أصبح اليوم بعيدًا عن صلب المشروع الجديد.
وفي بداية مونديال الأندية، اقتصر دوره على دقائق محدودة كبديل، دون أن يكون له تأثير واضح في خطط ألونسو.
وبدا واضحًا أن ألونسو يفضل الدفع بجونزالو جارسيا على حساب رودريجو، حتى في المباريات التي تتطلب اختراقات من العمق أو تسديدات بعيدة المدى، وهي أدوار برع فيها رودريجو سابقًا.
هذا الاختيار يعكس رؤية ألونسو التي تركز على إعادة بناء الفريق حول أسماء تتماشى مع رؤيته التكتيكية، مما يشير إلى أن رودريجو قد لا يكون جزءًا أساسيًا من المشروع الجديد.
0 تعليق