أكد الإعلامي د. عمرو الليثي في تصريحات صحفية خاصة انه فى عام ١٩٩٣ صدر لى كتاب إصدار الهيئة المصرية العامة للكتاب تحت اسم «نفوس عارية». كتب مقدمته الأستاذ الكبير مصطفى أمين، ورسم غلافه الرسام الشهير جمال قطب، وكان يحتوى الكتاب على مجموعة من القصص القصيرة. واسمحْ لى عزيزى القارئ أن أنشر لك بعضًا منها والتى نشرتها فى الكتاب منذ أكثر من ٣٢ عامًا، وسأبدأ بقصة.. «نهاية رجل يشبه الضوء».
ففى مساء هادئ من شهر يشبه ميلاده، وفى بيت امتلأت جدرانه بالصور، والضحكات، وبعض الكتب التى لم تكتمل، جلس رجل قد قارب على الستين من عمره، لا يشكو، لا يخاف، لا ينتظر.
كان صوته خافتًا، لكن نظرته لا تزال قوية - نظرة من عرف الحياة، ومرّ بتقلباتها، لكنه لم يسمح لها أن تسرق منه قلبه.
من حوله أحفاد يسألونه: «جدى، هل ندمتَ على شىء؟» فيبتسم ويقول: «أندم؟ لا...
لكننى لو عشت مرة أخرى، لعانقت الناس أكثر، وقلتُ لمن أحبهم... كم أحببتكم.». فى تلك الليلة، لم يكن هناك وداع، بل عودة.. عودة روح إلى مكانها الأول، بعد أن أنهت مهمتها بلطف.
لم تكن نهايته موتًا.
بل كانت اكتمالًا.
كما تكتمل الأغنية فى آخر نغمة... أو كما يُغلق كتاب عاش بين دفتيه حكمة لا تُنسى.
وعلى شاهده كتبت عبارة:
«كان هادئًا كمن يعرف أن كل شىء مؤقت... وكان عميقًا كمن رأى الله فى كل تفصيلة.»
اكتشفت زوجته بعد رحيله رسالة قد تركها لها فى غرفتها التى اعتادت أن تنام بها بمفردها آخر عشر سنوات من عمر زواجهما. كتب فيها:
«إلى التى شاركتنى البيت لكن لم تشاركنى الحضور.. لم أكتب لألومك، بل لأخرج ما ظل ساكنًا فى صدرى سنوات، ما انكسر بصمت، وما اختنق لأنه لم يجد من يسمعه.
أنا لم أكن عابرًا فى حياتك.... كنت حاضرًا، مسؤولًا، صامدًا، حتى عندما لم أجد من يصمد لأجلى. أنا لم أكن مجرد رجل فى الخلفية، كنت قلبًا أراد بيتًا دافئًا، وصدرًا أراد أن يستند عليه هو أيضًا، لا أن يكون دائمًا من يسند.
لكننى شعرت - عامًا بعد عام - أنك تبنين عالمًا خاصًا، وحدك.. عالمًا أنا لست فيه.
أولادك صاروا لك وحدك، مشاعرك لك وحدك، وقراراتك... لم تسألينى عنها حتى.
فأصبحت أنا.... كمن يعيش داخل بيت لكنه لا يملك مفتاحه.. لم أصرخ، لأنى رجل تربى على الصمت. ولم أعاتب، لأن الكلمة عندى ثقيلة.... لكن وجعى كان أثقل.
لم أطلب، لأنى ظننت أن من يحب... يُبادر. فحين لم تبادرى، فهمت.
فهمت أنى وحدى. حتى وأنا بينكم.
أنا لا أكتب الآن لأستعطفك. ولا أرجو أن تعودى. أكتب فقط لأعيد صوتى إليّ.
فأنا لا ألومك... كما لا أعفيك. لكننى أقرر اليوم.... أن أرى نفسى من جديد.
رجل لم يُرَ... لكنه كان ضوءًا.
رجل لم يُفهم... لكنه فهم الجميع.
من اليوم، لن أنتظرك.... لكنى سأكون معكم بروحى، لعلكم تدركون كم أحببتكم من كل قلبى.
حاولى أن تتذكرى لحظات، واحكى لأولادى وأحفادى أننى أبدًا لم أكن هذا الإنسان الذى رسمتِ لهم صورته المشوهة، وفى تلك اللحظة التى أقف فيها أمام الله، راجيًا عفوه وغفرانه، أقول لك: إننى سامحتك.»
يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل
0 تعليق