بـاحثـون.. «غشاشون»! - هرم مصر

عكاظ 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تشهد بعض المؤسسات التعليمية في المرحلتين الثانوية والجامعية، تزايداً كثيفاً في ظاهرة الاعتماد على المكتبات التجارية في إعداد البحوث العلمية خصوصاً مع نهاية العام الدراسي، ما يثير قلقاً واسعاً لدى المعنيين بالشأن التربوي والأكاديمي، لما تمثله هذه الممارسات من تهديد مباشر لجودة التعليم ومصداقية مخرجاته. ومع ارتفاع متطلبات التقييم والدرجات، يتجه بعض الطلاب إلى شراء بحوث جاهزة من مكتبات تجارية أو عبر الإنترنت، إذ يكفي الطالب أن يكتب في محركات البحث كلمة «بحوث»، لتظهر له العديد من المواقع التي تقدم خدماتها الخادعة تحت عبارات زائفة براقة وبأسعار مغرية تحت غطاء «تقديم خدمات تعليمية» لاستدراج الطلاب للحصول على المال بطرق محرمة، غافلين عن الآثار السلبية على مستقبلهم العملي بعد التخرج.

ويرى أكاديميون ومتخصصون أن الحل يبدأ من المدرسة، من خلال ترسيخ قيم الأمانة والنزاهة العلمية، ودمج مفاهيم البحث العلمي في مراحل مبكرة من التعليم، لضمان جيل واعٍ قادر على إنتاج المعرفة لا استهلاكها فقط.

فاشلون وكسالى !العميد السابق في شؤون المكتبات في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور عبدالرشيد عبدالعزيز حافظ، يرى ضرورة التصدّي لمثل هذه الأساليب، إذ نرى الممارسات السلبية وغير المشروعة من قِبل بعض الطلبة الذين يمكن وصفهم بالكسالى، والواقع أن شراء البحوث الجاهزة وتقديمها لنيل الدرجات العلمية أو تقديمها كأوراق بحث لاجتياز المقررات الدراسية يُعَد سلوكاً مشيناً، لا بد من اجتثاثه والقضاء عليه بكل الوسائل الممكنة، ذلك أنه يمثل مخالفة صريحة لمبادئ الأمانة العلمية والأخلاق السليمة.

وأضاف الدكتور حافظ، أن الحصول على مثل هذه البحوث وتقديمها لنيل الدرجات يعني في المحصلة تخريج أجيال من الطلبة الفاشلين الذين اعتمدوا على معلومات مغلوطة أو مسروقة، أو اعتمدوا الغش وسيلة لتحقيق نجاح مزعوم ونتائج خادعة وغير صحيحة، كما أنه يعني أنهم فاقدو الأهلية وغير قادرين على القيام بواجباتهم العملية بعد التخرج، أخذاً بمقولة «ما بُني على باطل فهو باطل»، وتُعد سرقة البحوث أو الدفع للآخرين لكتابتها مؤشراً خطيراً له مضار جسيمة على المجتمع، لأنه يعني أن يحصل على الفرص من لا يستحق ويشغل وظيفة ليس أهلاً لها، إذ إنه يمارس عمله متسلحاً بالغش والخداع، حتى تصبح عادة يتمرسها وإضاعة لحقوق الآخرين، كما أن هذه الأساليب تقضي على فرص الإبداع والابتكار فالغش خيانة للأمانة لما له من نتائج كارثية على مستوى الإنجاز والتقدم.

3 أطراف متورطة

العميد السابق لشؤون المكتبات الدكتور حافظ، يشدد على أن المسؤولية تقع بدرجة أساسية على ثلاثة أطراف؛ الطالب في أولوية هذه الأطراف، إذ يجب أن يكون حريصاً على الاجتهاد والتحصيل العلمي بمجهوده الشخصي، والطرف الثاني أستاذ المقرر أو معلم المادة الذي يُعد مسؤولاً ومؤتمناً على خَلق بيئة تعليمية صحية تراعي مبادئ واشتراطات الأمانة العلمية في جميع الأعمال التي يطلبها من طلابه، والطرف الثالث العاملون في القرطاسيات الذين يقومون بكتابة هذه البحوث مقابل رسوم مالية، وبطبيعة الحال يدخل ضمن الأعمال غير المشروعة السطو على الكتب ونقل أجزاء وفصول منها أو من المقالات العلمية دون الإشارة إلى المصدر، بما يمثل اختراقاً صريحاً لحقوق الملكية الفكرية.

وأضاف الدكتور حافظ، أن مما تجدر ملاحظته أن الالتزام بأخلاقيات البحث العلمي في المجتمع الأكاديمي يرتبط بمستوى الالتزام بالأخلاقيات العامة في المجتمع نفسه، من هنا كان لزاماً الاهتمام بهذا الأمر على مستوى المجتمع كله والتوعية بمختلف الوسائل ومنها؛ خطب الجمعة والحصص الدراسية وبتناول خطورة هذا الأمر في وسائل التواصل الاجتماعي.

يضربون البحث في مقتل عن البحوث العلمية بين الاجتهادية والاتكالية، يقول أستاذ الإدارة التربوية والتخطيط بجامعة أم القرى الدكتور محمد عثمان الثبيتي: إنه لا يخفى على كل ذي لُب الأهمية القصوى التي يتسنمها البحث العلمي في جميع مساقات الحياة، سواءً كانت لحلّ المشكلات أو للتطوير، وتأسيساً على هذه الأرضية الصلبة التي أصبحت منطلق المجتمعات المتحضرة إيماناً منها بأن المحاولة والخطأ منهجية عفا عليها الزمن واستبدلت بمنهجية تعتمد على أدوات وأساليب علمية تنتفي فيها الذاتية وتُرسخ في نتائجها الموضوعية، ولكن البيئات تختلف في التفاعل مع هكذا منهجيات، ففي الوقت الذي نجد أن البحث العلمي في مجتمع ما يُحترَم التعامل معه ويُقَدر العاملون فيها، نجد أن ثَمة ممارسات ترتبط بما تعارفوا عليه بـ«أخلاقيات البحث العلمي» المرتبطة بالجهة وبالباحث ذاته، فالمتتبع لبعض الإنتاج البحثي يجد أن منفذيه أوكلوا المهمة إما لمراكز تدعي تخصصها لإنتاج البحث العلمي في انتهاك صارخ، أو لأفراد جعلوا من القيام بهذه المهمة مصدراً للكسب غير المشروع، وكلاهما ضرب البحث العلمي في مقتل جرّاء هذه السلوكيات غير المقبولة، وتساهم في شيوع هؤلاء الممارسين عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي سهلّت الاتكالية البحثية ووفرت بيئة خصبة غير آمنة لنتائج علمية مشكوك في موثوقيتها ومصداقيتها، ما أفقد البحث العلمي أهميته.

محرّم وكسب حرام

عضو هيئة التدريس ووكيل كلية الشريعة السابق بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الدكتور إبراهيم يوسف المغيربي، قال: إن البحث عمل علمي مميز يهدف إلى تطوير البرامج العلمية وتقوية مهارة الطلاب في المراحل الثانوية والجامعية، كما يهدف إلى تطوير عمل الوزارات والمعاهد والجامعات ومراكز البحوث عموماً، وقد يرقى البحث بصاحبه إلى مستوى مميز، ويُعد عمل البحث عن الطالب سواء كان بأجر أو بغير أجر عملاً مُحرماً وأخذ الأجرة فيه هو كسب حرام لما في ذلك من الغش والكذب والتزوير، ومما جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية -وما زال الحديث للدكتور المغيربي- أن عمل الطالب أو الدارس هو واجب دراسي، له أهدافه بتدريب الطالب على كتابة البحث والتعرف على المصادر ومعرفة مدى قدرته باستخراج المعلومات من المصادر وترتيبها إلى آخر ما يهدف إليه طلب إعداد البحث، لذلك فإن قيام بعض المكتبات ومراكز الخدمات بكتابته نيابة عن الطالب مقابل أجرة أو دون أجرة هو عمل محرم والأجرة منه كسب حرام لما فيه من الغش والكذب والتزوير وهذا من التعاون على الإثم. وأضاف المغيربي أن الطالب إذا كان سينال ببحثه هذا شهادة أو سيجتاز مقرراً فإن فعله حرام وغش.

كيف تكتب البحث ؟

الأستاذ المشارك بجامعة تبوك كلية الوجه الجامعية الدكتور محمد الحكمي، يرى أن كتابة البحوث الجامعية عن الغير نوع من الاستخدام غير الأخلاقي للمعلومات، كما يُعتبر انتهاكاً لحقوق النشر، وهو نوع من الانتحال الأدبي لفقد الأصالة وفقد العمل قيمته الحقيقية بعدم تقديمه أفكاراً جديدة. ولا شك أن له آثاراً سلبية على جودة البحث وموثوقيته، ولتجنب هذه الآثار السلبية يجب التأكد من صحة المعلومات من خلال الإشارة إلى المصادر التي تم الرجوع إليها، كما يجب الحصول على إذن من أصحاب حقوق النشر قبل استخدام أعمالهم وجهودهم.

وعن كيفية تنبيه طلاب المرحلة الثانوية من مغبّة الانسياق خلف المروجين لعمل البحوث لدى المكتبات التجارية والاعتماد على النفس في كتابتها، يقول معلم مادة المهارات الإدارية أحمد راشد المحمدي: يجب توعية الطلاب بأهمية البحوث والدراسات العلمية وتنويرهم بالهدف منها، يلي ذلك شرح جميع عناصر كتابة البحث العلمي والإجابة على مختلف استفساراتهم، حتى يكون الطالب متهيئاً تماماً للاعتماد على الذات في كتابتها، مع اتباع عدة خطوات مثل تقسيم الطلاب إلى مجموعات وكل مجموعة تختار اسماً ومشروعاً لبحث تخرجها، بعد ذلك يتم التسجيل والبدء بخطوات الكتابة إلى أن نصل إلى المرحلة الأخيرة منه، وهي مناقشة المشروع وهي واحدة من الطرق التي تساعدنا على معرفة الاعتماد الفعلي للطالب على نفسه في كتابة البحث، ولتجنب تكرار البحث أو عنوانه نقوم بوضع استمارة تسجيل مشروع بحيث يكون كل مشروع مختلفاً تماماً عن الآخر.

كيف نواجه الظاهرة ؟

عن دور الإعلام في مواجهة الظاهرة قال الكاتب عبد الرحمن العكيمي: لا يمكن حالياً نفي وجود هذه الإشكالية، إذ يعتمد بالفعل عدد من الطلاب والطالبات على بحوث تُعد لهم من داخل المكتبات وخدمات الطلاب المنتشرة، وهم قادرون على إعداد البحوث دون اللجوء للمساعدة من الآخرين، فالمصادر والمراجع موجودة سواء في المكتبات أو على شبكة الإنترنت كمراجع أساسية، وبذلك تقوم الجهات التي تقوم بكتابة البحث عن الغير بتعطيل دور البحث وأدواته التي من الضروري أن يتعلمها الطالب والطالبة، فعملية البحث العلمي حتى إن كان في مرحلة مبكرة في التعليم الأساسي تقوي أدواتهم وقدراتهم وتوسع مداركهم وتنمي ملكة البحث العلمي مبكراً، ثم يأتي دور الطالب الباحث ليضع أسلوبه ومقارنته وتحقيقه ويخرج بنتائج من هذا البحث. ولعلنا نتساءل هنا: هل أصبحت كتابة البحوث الجاهزة في مكتبات خدمات الطلاب ظاهرة؟ أم أنها موجودة ولكن في نطاق محدود؟ لذا على الإعلام التربوي والإعلام الرسمي أن يقوما بدورهما تجاه هذه الظاهرة بتكثيف الجهود للحد من تفشيها، إذ إنها تؤثر سلباً على واقعنا التعليمي، كما نخشى أن تتنامى هذه الظاهرة المسكوت عنها لفترات طويلة بحيث لا يمكن تداركها بعد ذلك.

السقوط

في فخ «وهم المعرفة»

الأخصائي الاجتماعي الدكتور عبدول الشمراني يقول: إن اعتماد الطلاب على البحوث الجاهزة تسبب في ظهور المعلومات الضحلة، إذ يقع الطالب في فخ «وهم المعرفة» عندما يقدم بحثاً علمياً يعلوه اسمه، بينما يجهل محتواه الذي دفع مقابله، كما أن خطر الأبحاث «المعلبة» قد يفوق مستوى الجهل بموضوعها، والتي لا ينبغي أن نقلل من جوانبها السلبية على المجتمع، متسائلاً: ما الذي يدعو الباحث أساساً لطرق هذا الباب الخاطئ؟

مقدماً الإجابة بأن الأبحاث العلمية أصبحت مطمعاً للموظفين كنافذة للحصول على المقابل المالي (البدلات)، كما أنها متطلب للتَرَقي الوظيفي، فيما يلجأ لها الطالب حين يرى أن التكليف بالبحث العلمي نوع من العقاب وليس مجالاً للمعرفة. ويرى الشمراني أن التغلب على هذه الظاهرة يكمن في سن قوانين تضبط تعاملات مكاتب الخدمات وتقصرها على دور المساند للباحث لا تقمص دوره. ويضيف بأن الطريق للمعرفة ليس باليسير ولكنّ جزاءه وفير بالدنيا حين يخدم الإنسان مجتمعه.

أخبار ذات صلة

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق