إسرائيل في سوريا.. تدخل ناعم أم اجتياح مقنع؟ - هرم مصر

سكاي نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

هذه المعطيات تطرح تساؤلات جوهرية: هل ما يجري مجرد تحرك وقائي أم أن إسرائيل تعيد رسم خريطة الجنوب السوري تحت غطاء أمني؟.. وما هي أبعاد الصمت الإيراني، والانفتاح السوري غير المسبوق على التفاوض الأمني مع واشنطن وتل أبيب؟ في هذا التقرير، نستعرض خفايا التحول الميداني والسياسي في الجنوب السوري.

خرق "صامت" لفك الاشتباك

وصف الباحث السياسي السوري حسام طالب خلال مقابلة مع غرفة الأخبار على سكاي نيوز عربية التحركات الإسرائيلية الأخيرة بأنها انتهاك مباشر لاتفاقية فك الاشتباك لعام 1974، محملا تل أبيب مسؤولية "إسرائيل الصريحة" لمناطق جنوب سوريا.

ويرى أن الادعاء الإسرائيلي بوجود "خلايا إيرانية" هو ذريعة تستعمل لتبرير تنفيذ عمليات أمنية تشمل خطف مدنيين سوريين، في خرق واضح للقانون الدولي. "لو كان هناك تهديد فعلي، فالأجدى بإسرائيل أن تتوجه لمجلس الأمن، لا أن تختلق التهديد وتنفذ عمليات احتلال"، يقول طالب.

هذا التصريح لا يعكس فقط موقفا سياسيا حادا، بل يُشير أيضًا إلى نقطة تحول في لهجة دمشق، إذ بدأ الخطاب يتجه نحو تحميل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن توتير الأوضاع، مع التلميح إلى هشاشة الموقف الإيراني على الأرض، وهو ما يتعارض مع الروايات التقليدية التي كانت تُدين التمدد الإيراني بشكل مباشر.

خلية إيرانية أم ورقة ضغط سياسية؟

تقول تل أبيب في روايتها إنها ألقت القبض على خلية تابعة لإيران في الجنوب السوري، لكن حسام طالب يشكك في صحة هذا الادعاء، مؤكدًا أن إيران وحزب الله انسحبا فعليًا من جنوب سوريا، تنفيذًا لتفاهمات غير معلنة بين دمشق وواشنطن. "سوريا التزمت بتعهداتها، وأوقفت أنشطة الفصائل الفلسطينية، بل وحتى التنسيق يقتصر اليوم مع السلطة الفلسطينية"، يؤكد الباحث.

ويرى محللون أن هذه اللهجة السورية الجديدة، التي تُنكر التواجد الإيراني وتعترف بتنسيق أمني مع أطراف عربية وفلسطينية "معتدلة"، تُمهّد الطريق لخطاب رسمي يمكن أن يكون مقبولًا دوليًا، تمهيدًا لتفاوض أمني أو سياسي أوسع.

الحضور الإسرائيلي.. أمن أم استراتيجية توسع؟

الأخطر، وفقًا لطالب، هو أن الحضور الإسرائيلي في مناطق مثل حوض اليرموك، جباتا الخشب، وخان أرنبة، لا يُمكن تبريره فقط بالحسابات الأمنية. إذ يرى أن تل أبيب تسعى إلى احتلال استراتيجي هادئ لمناطق تطل على العاصمة دمشق والطريق الدولي نحو بيروت. "إسرائيل تريد ترسيخ احتلالها لجبل الشيخ وتلال الحرمون، وهذه مناطق تُشكّل تهديداً للدولة السورية، لا لإسرائيل"، يقول طالب، في إشارة واضحة إلى نوايا أبعد من مجرد مواجهة إيران.

وبهذا المعنى، يُمكن القول إن تل أبيب تُعيد صياغة معادلة الردع عبر إضعاف الدولة السورية ذاتها، ما من شأنه أن يفتح المجال أمام نفوذ جديد – وربما معادٍ – يملأ الفراغ لاحقًا، وعلى رأسه إيران.

مشاورات سرية برعاية واشنطن: نحو ترتيبات أمنية؟

واحدة من أبرز المفاجآت في حديث حسام طالب كانت الإفصاح عن وجود قناة تواصل مباشرة بين دمشق وواشنطن، يقودها المفاوض الأميركي توم باراك، وتشمل مشاورات أمنية غير معلنة مع إسرائيل. "دمشق لا ترفض اتفاقًا أمنيًا يبدأ بانسحاب إسرائيل لخط 1974، وقد يتطور لاحقًا لتطبيع، لكن ضمن المبادرة العربية"، يقول الباحث، مؤكدًا أن الدولة السورية منفتحة على حلول غير مباشرة تحفظ سيادتها وتُطمئن إسرائيل.

ويبدو أن إدارة ترامب، وفق الرواية، تسعى إلى إنجاز سياسي ملموس قبل الانتخابات، وقد تكون الورقة السورية هي الفرصة الوحيدة القابلة للتفاوض، في ظل انسداد المسارات الأخرى في الشرق الأوسط.

لكن طالب يُحذّر من أن الحكومة الإسرائيلية الحالية "غير جادة" في السعي إلى سلام، وأن هدفها الأعمق قد يكون كسب الوقت واستثمار الأزمة في الداخل السوري والإيراني لصالح تعزيز موقفها الإقليمي.

إيران: الخطر المضخّم والواقع المتآكل

رغم اعترافه بمحاولات سابقة من حزب الله لاستعادة موطئ قدم في الداخل السوري، يرى طالب أن الجيش السوري منع تلك المحاولات، مستفيدًا من الضعف المتزايد في التمويل الإيراني، نتيجة الضربات العسكرية والأزمات الاقتصادية التي تواجهها طهران.

ويُضيف: "إسرائيل دمّرت البنية الجوية الإيرانية، بينما لم تُحدث صواريخ طهران الأخيرة أي ضرر في تل أبيب"، في إشارة إلى عدم توازن الردع بين الطرفين، ما يجعل الحديث عن "تهديد إيراني مباشر" في الجنوب السوري أقرب إلى ورقة تفاوض سياسية.

حرب ناعمة.. وصراع داخل الفضاء الرقمي

بعيدًا عن المدافع والصواريخ، أشار حسام طالب إلى جبهة أخرى أقل ظهورا وأكثر تأثيرا: حرب رقمية يقودها الإيرانيون داخل سوريا. إذ كشف أن تقارير دولية – من بينها BBC – تحدثت عن ملايين الحسابات الوهمية على وسائل التواصل الاجتماعي، تُستخدم لإشعال فتنة داخلية بين السوريين.

وهذه الإشارة تحمل بُعدًا جديدًا لمفهوم "التهديد الإيراني"، الذي لم يعد يقتصر على التحركات العسكرية، بل يشمل تفكيك المجتمعات وخلق الانقسامات من داخل النسيج الوطني السوري، دون الحاجة إلى وجود مادي مباشر على الأرض.

تنسيق أمني لتحجيم أدوات طهران

وفي المقابل، تحدّث طالب عن شراكة أمنية ناشئة بين الجيش السوري واللبناني، وخصوصًا في مناطق التماس الحدودي، تهدف إلى منع تهريب السلاح واحتواء الاشتباكات مثل تلك التي اندلعت بين العشائر الموالية لحزب الله والقوات السورية قبل أشهر.

ويُشير إلى مؤشرات على أن بعض مخازن الصواريخ التابعة لحزب الله في الداخل السوري قد تُعاد توجيهها إلى لبنان، ما يستدعي تنسيقًا متقدّمًا لمنع نقل الأزمة إلى الداخل اللبناني.

هذه الدينامية الجديدة تُظهر أن دمشق تحاول لعب دور الموازن، عبر تقليص الهامش الذي تتحرك فيه طهران وأذرعها، مقابل تعزيز شراكات أمنية بديلة مع لبنان وبعض الأطراف العربية.

من الجنوب إلى الطاولة

في ختام حديثه، يطرح حسام طالب سيناريو معتدلا: التطبيع ليس مستبعدًا تمامًا، لكنه مؤجل، رهنٌ بتوفّر الإرادة السياسية ونجاح الخطوات الأمنية الأولية. ويرى أن واشنطن تُراهن على هذا المسار لانتزاع اتفاق سياسي يُمكن تقديمه كإنجاز استراتيجي.

"الجنوب السوري قد يكون مفتاح الانفراج، إذا نجحت واشنطن في الجمع بين المصالح الأمنية لإسرائيل ومتطلبات السيادة السورية"، يقول طالب.

هذا التصور يُعيد فتح الملف السوري من زاوية غير معتادة: الجنوب كساحة مفاوضات، لا فقط صراع، ومسار أمني قد يُؤسس لسلام هش، لكنه قابل للتطوّر، إذا تم احتواء العامل الإيراني وتحجيم تداعياته الأمنية والرقمية.

جغرافيا الجنوب.. ترسم سياسة الإقليم

لا يبدو الجنوب السوري مجرد هامش في مشهد الصراع، بل بات بوصلة التوازنات الجديدة، حيث تتقاطع أطراف عدة: إسرائيل، إيران، دمشق، واشنطن، وحتى الأطراف العربية. ما يجري هناك لا يُقاس فقط بعدد الغارات أو أسماء "الخلايا" المعتقلة، بل بطبيعة التحول في الخطاب السوري، وتقدّم مسار المشاورات الأمنية برعاية أميركية.

قد تكون إسرائيل تختبر حدود التقدم العسكري، لكن الأرجح أن ما يُبنى على الأرض هو تفاهمات قيد التشكّل، يُرجَّح أن تُعيد رسم خريطة الجنوب وحدود الاشتباك في المدى المتوسط. والمفارقة أن هذا الحراك، الذي بدأ بذرائع "إيرانية"، قد ينتهي باتفاقات "أمريكية – سورية – إسرائيلية" تُعيد تعريف موازين القوى في الهضبة.. وربما في الشرق الأوسط بأسره.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق