كتب محمد الجمل:
يتواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتتفاقم الأزمات الصحية، وتنتشر الأمراض الخطيرة، بينما تضطر سيدات للقيام بدور ممرضات لعلاج أزواجهن وأبنائهن داخل خيام العائلة.
"الأيام" خصصت مشاهد اليوم لمتابعة تطورات الوضع الصحي والوبائي في قطاع غزة، وما يتعرض له المرضى والجرحى من أخطار، ونقلت مشهداً يرصد تفشي مرض "الحمى الشوكية" في صفوف الأطفال، ومشهداً آخر يُوثق الانتكاسة الجديدة التي تعرضت لها خدمات غسيل الكلى في غزة، بعد توقف قسم الغسيل في مجمع الشفاء الطبي عن العمل، ومشهداً ثالثاً تحت عنوان: "خيام تتحول إلى مراكز رعاية طبية".
تفشي "الحمى الشوكية"
مازالت الأمراض تلاحق المواطنين في قطاع غزة، خاصة النازحين، بينما يزيد خطر انتشار أوسع للأوبئة الفتاكة، بسبب شح الخدمات، وارتفاع نسب التلوث، خاصة مياه الشرب.
ورصد أطباء مؤخراً انتشاراً واسعاً وسريعاً لمرض التهاب السحايا "الحمى الشوكية"، في صفوف الأطفال، إذ أكد أطباء استقبال عشرات الأطفال المصابين بالمرض المذكور، وسط توقعات بزيادة متسارعة في الأعداد.
ودقت وزارة الصحة في غزة ناقوس الخطر، وحذرت من تصاعد خطير في حالات الإصابة بمرض التهاب السحايا، مشيرة إلى تسجيل عشرات الإصابات خلال الأسابيع الماضية، في ظل تدهور غير مسبوق في القطاع الصحي، نتيجة تواصل حرب الإبادة بالتزامن مع حصار مُطبق.
وقال رئيس قسم الأطفال في مستشفى النصر والرنتيسي للأطفال في غزة، الدكتور راغب ورش أغا، إن المستشفى يشهد زيادة يومية في أعداد المصابين بالحمى الشوكية (التهاب السحايا)، خاصة بين الأطفال، في ظل نقص حاد في المياه النظيفة ومستلزمات النظافة الشخصية، ما يرفع من فرص انتشار الأمراض والأوبئة في أماكن الإيواء المكتظة، التي تفتقر لشروط الصحة العامة.
ووفق معطيات نشرتها وزارة الصحة، فإن 39 طفلاً تم تشخيص إصابتهم بـ"الحمى الشوكية" في مجمع ناصر الطبي فقط، إلى جانب حالات أخرى في مستشفى شهداء الأقصى، وهو أعلى عدد يتم تسجيله منذ بداية العدوان في السابع من تشرين الأول 2023.
وحذر أغا من أن هذا التكدس السكاني الحاد يضاعف خطر تفشي الأمراض المعدية، وعلى رأسها التهاب السحايا، في ظل نقص فادح في الأدوية والمضادات الحيوية ومستلزمات الوقاية.
وأكد أن الواقع الصحي في غزة ينهار بفعل الحصار والتدمير الممنهج للبنية التحتية الصحية، وتفاقم الأوضاع بعد الإخلاء القسري لما يزيد على ثلثي مساحة القطاع، ما أجبر أكثر من مليون ونصف المليون مواطن على التكدس في مناطق ضيّقة، لا تتوافر فيها أدنى مقومات الحياة أو الرعاية.
ومرض الحمى الشوكية المعروف بالتهاب السحايا، هو التهاب يصيب الغشاء المحيط بالدماغ والحبل الشوكي، وتبدأ أعراض المرض على الطفل بارتفاع في درجة الحرارة، والصداع الحاد، والقيء المتواصل وتيبّس في الرقبة، والحساسية الشديدة للضوء، والتغيّر في مستوى الوعي والتركيز، ويتم علاجه حسب سبب الإصابة وعن طريق المضادات الحيوية في الوريد.
خدمات "غسيل الكلى" تواجه انتكاسة
شهدت خدمات غسيل الكلى في قطاع غزة "الكلى الصناعية"، انتكاسة جديدة، مُهددة حياة مئات المرضى، الذين يعتمدون على أجهزة الغسيل لاستمرار بقائهم على قيد الحياة.
وأعلن مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة، الذي يضم أهم قسم لخدمات غسيل الكلى في القطاع، عن توقف خدماته، نتيجة نفاد الوقود والاقتصار على تقديم خدمة العناية المركزة فقط لساعات قليلة.
وأشارت إدارة مجمع الشفاء إلى أن الاستمرار في عدم توفير الوقود يعني الموت المحتم لكافة المرضى والجرحى في المستشفيات، مبينة أن المستشفى يعاني من أزمة خانقة ومستمرة نتيجة عدم توفر الوقود نتيجة سياسة الاحتلال "التقطيرية" في تزويد المستشفيات به.
وكشف الدكتور منير البرش، مدير عام وزارة الصحة في قطاع غزة، في حديث سابق أن 40% من مرضى الكلى في قطاع غزة توفوا، بسبب نقص الخدمات الصحية خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، فيما الخطر يتهدد من تبقى لصعوبة استمرار تقديم الخدمات الطبية لهم بعد توقف العدوان.
وأوضح البرش أن الأطباء يفعلون كل شيء لتقديم الخدمات لمرضى الكلى الذين يحتاجون إلى رعاية خاصة، لكن الاحتلال يماطل في إدخال الاحتياجات الأساسية لتشغيل المستشفيات، حيث لم تصل مثلاً أية محطات أكسجين لمستشفيات القطاع، "وقد طلبنا ذلك من المنظمات الدولية".
وقدرت تقارير رسمية وأخرى حقوقية، عدد مرضى الفشل الكلوي قبل العدوان على قطاع غزة بين 1100 و1500 مريض، كانوا يتلقون العلاج وجلسات الغسيل الكلوي في 7 مراكز، هي: مجمع الشفاء الطبي، ومركز نورة الكعبي في شمال غزة، ومستشفى الرنتيسي للأطفال، ومستشفى القدس، ومستشفى شهداء الأقصى في دير البلح، ومجمع ناصر الطبي في خان يونس، ومستشفى أبو يوسف النجار في مدينة رفح.
ونوهت وزارة الصحة إلى أن قوات الاحتلال دمرت خلال عدوانها الدموي على غزة، جميع المراكز المتخصصة بتقديم خدمة الغسيل الكلوي باستثناء القسم الموجود في مستشفى شهداء الأقصى وسط القطاع، وهو ما ترك آثاره على نوعية وكمية الخدمات الطبية المقدمة لمرضى الغسيل الكلوي، وعلى الطواقم الطبية العاملة في هذا المجال.
وطالب البرش بالتدخل العاجل وتوفير الكوادر التمريضية والفنية والطبية، إضافة إلى المستهلكات والعلاجات اللازمة لتشغيل خدمات الغسيل الكلوي بشكل أكثر فعالية، وتوفير الوقود بشكل مستمر لضمان عمل أقسام الكلى دون انقطاع.
وفي أحدث تعليق على تطورات مرضى الكلى، أكد الدكتور مروان الهمص، مدير مستشفيات قطاع غزة، أن 1200 مريض بالفشل الكلوي يعانون الأمرّين، توفي منهم نحو 50٪ منذ بداية العدوان على القطاع.
خيام تتحول لمراكز رعاية طبية
لم تعد الخيام مجرد مكان لإقامة النازحين في قطاع غزة، فقد تحولت مؤخراً إلى ما يشبه المراكز لرعاية وعلاج الجرحى، الذين يتم صرفهم من المستشفيات التي تعاني من حالة اكتظاظ شديد، حتى قبل استكمال شفائهم.
واضطرت زوجات وبنات وأمهات للقيام بدور الممرضات، لمداواة جروح أبنائهن وأزواجهن وآبائهن، في ظل نقص حاد وغير مسبوق في المستهلكات الطبية والأدوية.
الفتاة فدوى العبسي تواصل رعاية والدتها المُسنة التي أصيبت بعيار ناري في صدرها، بينما كانت داخل خيمتها في مواصي خان يونس.
وقالت فدوى إنه جرى تحويل والدتها إلى المستشفى فور إصابتها، لكنها لم تمكث هناك كثيراً، وجرى صرفها، بعد كتابة وصفة طبية، حيث تمكن أشقاؤها بصعوبة شديدة من توفير العلاج، موضحة أنها تقوم بدور الممرضة، مستعينة ببعض الخبرات البسيطة لديها، حيث درست تحاليل طبية.
ولفتت إلى أنها تُباشر كل يوم بالكشف عن الجرح المزدوج، الناجم عن دخول الرصاصة من جهة وخروجها من جهة أخرى، وتقوم بتنظيفه باستخدام المطهرات حتى لا يتعرض للالتهاب، كما تعطي والدتها الأدوية في مواعيدها، وتحافظ على حالتها، فلو لم تفعل ذلك من الممكن أن تتفاقم حالتها الصحية على نحو سيئ.
من جهته، قال الجريح طلعت حدايد، إنه مكث عدة أيام في المستشفى جراء إصابته بعيار ناري في منطقة ما بين الصدر والرقبة، وكانت حالته الصحية خطيرة، واضطر الأطباء لصرفه للخيمة بسبب تكدس المستشفى بالمرضى والجرحى، وقد حولت زوجته الخيمة الصغيرة إلى ما يشبه مركز رعاية صحية، تتولى رعايته كل يوم، حيث يصل ممرض يقطن بجوارهم، ويقوم بالغيار على الجرح، والعناية به، بينما هي توفر ما يلزم لزوجها من سبل الراحة.
وأكد أن الظروف أجبرت زوجته على القيام بمهمة إضافية، وهي الرعاية الطبية، وهو يواجه مشكلة توفير العلاجات وشاش الجروح، الشحيحة في الصيدليات.
وكشفت البيانات أن 5200 من الجرحى والمرضى تمكنوا حتى الآن من مغادرة غزة لتلقي العلاج في دول مختلفة، تصدرتها مصر بـ2458 حالة، تليها قطر بـ970 جريحاً، ودول أخرى مثل الإمارات وسلطنة عُمان وتركيا استقبلت أعداداً متفاوتة من المصابين.
وتعكس هذه الأرقام حجم الكارثة الصحية في قطاع غزة، حيث يواجه الجرحى أوضاعاً مأساوية، في حين يواصل الاحتلال عرقلة العلاج ومنع دخول الإمدادات الطبية.
0 تعليق