ما أن أتت إدارة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب إلى سُدم الحكم، ولم يمر أي وقت دون حدوث تطورات وتوترات في مختلف الأمور، خاصة تلك المُتعلقة بالنواحية الاقتصادية والعسكرية السياسية، إذ فتح الرئيس الأمريكي جبهات متعددة للخلاف تاره وللتوافق تاره أخرى، وكل جبهة بها ما بها من أزمات تنبع عنها، يُصاحب ذلك الحروب المعقدة التي تعاني منها المنطقة، فالوضع في غزة يصعب تخليه وكذلك في إيران حيث يزداد القلق بشأن المفاوضات الخاصة بالنووي وفي لبنان أيضاً ما يدور حول مسألة حصر السلاح.
د. فادي حيلاني، أكاديمي وباحث في المجلس الوطني للعلاقات العربية الأمريكية، أجاب في حواره مع «النهار» على مختلف الأسئلة التي تدور على الساحة الدولية، بداية من سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في التعامل مع الأزمات الحالية، وصولاً إلى الأزمة في سوريا ولبنان وإيران وفلسطين.
في البداية.. كيف ترى سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الأزمات الدولية وأزمات الشرق الأوسط بصفة خاصة؟
سياسة الرئيس الأمريكي «ترامب» تتسم بالتركيز على تحقيق توازن دقيق بين التلويح بالقوة والضغط الدبلوماسي، مع إعطاء الأولوية للحفاظ على مصالح الولايات المتحدة عبر بناء تحالفات إقليمية استراتيجية، لا سيما مع دول الخليج. فالإدارة تراهن على الاستفادة من النفوذ الخليجي لتعزيز استقرار المنطقة، وتقليل دور إيران في الصراعات المحلية، إضافة إلى دعم جهود إعادة إعمار الدول التي تشهد تحولات سياسية مثل سوريا. كما تعتمد على استراتيجية مرنة تسمح بالتكيف مع التطورات، حيث تجمع بين فرض العقوبات الاقتصادية، والحراك الدبلوماسي المكثف، وتفعيل الدور العسكري عند الضرورة، مع إيلاء أهمية كبيرة لوقف الحروب المفتوحة وإيجاد حلول تفاوضية.
بداية من سوريا.. كيف ترى قرار رفع العقوبات عن سوريا؟
رفع العقوبات عن سوريا هو قرار استراتيجي يعكس تحولاً جذرياً في السياسة الأمريكية تجاه الملف السوري بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024. القرار يستهدف دعم الحكومة الجديدة التي تولت زمام الأمور، لتسهيل إعادة بناء الدولة وتعزيز الاستقرار، بالإضافة إلى تخفيف الأعباء الإنسانية والاقتصادية على الشعب السوري. فمن خلال رفع العقوبات، تسعى واشنطن إلى تمكين دمشق من استعادة سيادتها كاملة، ومواجهة النفوذ الإيراني والميليشيات التي كانت تتخذ من سوريا قاعدة لعملياتها، مع تعزيز دور المؤسسات الحكومية الشرعية في إدارة الأزمات الداخلية وإعادة دمج اللاجئين، مما يهيئ بيئة مواتية لتحقيق السلام الإقليمي.
ما هي الخطوات الجادة التي اتخذتها أمريكا في مسألة رفع العقوبات؟
الولايات المتحدة، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، اتخذت خطوات عملية ومدروسة لرفع العقوبات المفروضة على سوريا، بالتنسيق الوثيق مع شركائها الخليجيين، خصوصًا السعودية والإمارات. ففي مايو 2025، وخلال قمة الرياض، أعلن ترامب رسميًا تعليق معظم العقوبات المفروضة بموجب قانون قيصر، ووجّه وزارتي الخزانة والخارجية بوضع آليات تنفيذية عاجلة تتيح استئناف الأنشطة التجارية والمصرفية مع المؤسسات السورية الجديدة المعترف بها دوليًا. كما شملت الخطوات فتح قنوات تمويل دولية لدعم إعادة الإعمار، وتمكين الشركات الأمريكية والخليجية من العمل في قطاعات البنية التحتية، الكهرباء، والصحة. إضافة إلى ذلك، فعّلت واشنطن برامج دعم فني ومؤسسي مع منظمات دولية لمساعدة الحكومة السورية الجديدة على مكافحة الفساد، وبناء نظام اقتصادي شفاف. هذه الخطوات تعكس انتقالًا من سياسة «الضغط الأقصى» إلى سياسة «الاستثمار في الاستقرار» في سوريا ما بعد الأسد.
فيما تتمثل نية أمريكا من قرار رفع العقوبات؟
الولايات المتحدة تهدف من رفع العقوبات إلى تسريع عملية الاستقرار السياسي والاقتصادي في سوريا بعد سنوات من الحرب والدمار، بحيث تتيح للحكومة الجديدة فرصة لإعادة بناء الدولة وتطبيع العلاقات الإقليمية والدولية ولا يفتح الباب أمام عودة النفوذ الإيراني.
هل توجد أي شروط أقرتها أمريكا على سوريا لرفع العقوبات؟
تتمثل الشروط الأمريكية الأساسية لرفع العقوبات عن سوريا في التزام الحكومة السورية الجديدة بالتعاون الجاد في ملف مكافحة الإرهاب، وضمان ألا تكون الأراضي السورية مصدر تهديد لجيرانها، وخاصة الأردن وإسرائيل. كما تشدد واشنطن على ضرورة ألا تعود سوريا مجددًا ساحة للنفوذ الإيراني أو نقطة ارتكاز للميليشيات التابعة لطهران. إلى جانب ذلك، تسعى الولايات المتحدة لرؤية خطوات واقعية تمهّد لانضمام سوريا إلى اتفاقات أبراهام، في إطار دمجها ضمن مسار السلام الإقليمي. ومن بين المطالب الأمريكية أيضًا، تقديم دعم فعّال في جهود الكشف عن مصير المواطنين الأمريكيين المفقودين داخل الأراضي السورية خلال السنوات الماضية، وهي قضية لا تزال تحظى بأولوية لدى الإدارة الأمريكية.
كيف ترى الموقف الإسرائيلي من مسألة رفع العقوبات عن سوريا؟
الموقف الإسرائيلي يبقى حذراً للغاية، إذ يعتبر رفع العقوبات مخاطرة محتملة قد تسمح لدمشق باستعادة قوتها السياسية والاقتصادية، مما قد يعيد تعقيد الأوضاع الأمنية على حدود إسرائيل الشمالية. إذ تخشى تل أبيب من تعاظم النفوذ التركي في سوريا لذلك هناك تواصل مكثف مع واشنطن والجانب التركي لضمان وجود آليات رقابة فعالة وتدخل سريع في حال حدوث أي تصعيد. رغم هذا الحذر، إسرائيل تعي ضرورة تجنب انفجار الأوضاع في سوريا لما له من تداعيات على استقرار المنطقة بأكملها.
بالنسبة لإيران.. هل ترى أن هناك فرصة لنجاح المفاوضات بين إيران وأمريكا؟
على الرغم من أن الجولة الخامسة شهدت تقدمًا محدودًا بسبب الخلافات الجوهرية على النقاط الحساسة كالالتزامات النووية وضمانات المراقبة، فإن فرصة النجاح موجودة لكنها ضئيلة وتتطلب تنازلات متبادلة. الإدارة الأمريكية، مدعومة بدعم خليجي متزايد، تحاول استثمار الدبلوماسية كخيار لتفادي تصعيد عسكري خطير، مع إدراك أن إغلاق باب المفاوضات قد يؤدي إلى مواجهات خطيرة.
هل تخضع إيران لأي إملاءات سياسية بشأن السلاح النووي؟
إيران لا تقبل بالإملاءات المباشرة، لكنها تخضع إلى ضغوط اقتصادية وسياسية هائلة فرضتها العقوبات الدولية والتحديات الإقليمية، مما يدفعها إلى التفاوض تحت سقف يحاول الحفاظ على ما تعتبره حقوقها النووية المدنية، في الوقت الذي تحاول فيه تجنب أي مواجهة عسكرية قد تهدد وجود النظام. فطهران تستخدم المفاوضات كوسيلة لموازنة مطالبها مع الضغوط الخارجية، متبنية سياسة مدروسة للحفاظ على قدراتها النووية بأقل تكلفة ممكنة.
فيما تتمثل شروط الجانب الأمريكي في مسألة النووي الإيراني؟
تشمل الشروط الأمريكية تفكيك برنامج تخصيب اليورانيوم مع ضمان وجود آليات رقابة دائمة وشفافة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بالإضافة إلى وقف دعم طهران للجماعات المسلحة في الشرق الأوسط. كما تركز واشنطن على بناء آليات تسمح برد حاسم على أي خرق محتمل.
هل لدى إيران قدرة حالية على فرض قرارها بشأن السلاح النووي؟
تمتلك إيران خبرات فنية متقدمة تؤهلها لتسريع عمليات التخصيب، لكنها لا تملك القدرة العسكرية الكاملة لتحويل برنامجها إلى سلاح نووي مكتمل دون تعرضها للكشف والعقوبات الدولية الفورية. ولذلك، تعتمد على استراتيجية الحياد في التعامل مع الملف النووي عبر استغلال المفاوضات السياسية والضغوط الاقتصادية لتأجيل القرارات الحاسمة، مع الحفاظ على هامش مناورة ضيق لكنها حرجة.
فيما تتمثل نية إيران من الدخول في الجولة الخامسة من المفاوضات؟
تسعى إيران لاستغلال الجولة الخامسة لكسب مزيد من الوقت لتجنيبها ضربة عسكرية محتملة، والضغط على المجتمع الدولي لتخفيف العقوبات الاقتصادية التي أثرت بشدة على اقتصادها الوطني. كما تهدف إلى تحقيق مكاسب دبلوماسية تعزز مكانتها الإقليمية، وتستخدم المفاوضات كأداة لتحسين صورتها الدولية وتقوية موقعها في الصراعات الإقليمية، مع محاولة الحفاظ على نفوذها داخل الدول التي تتواجد فيها قواتها وميليشياتها.
وكيف ترى الموقف الإسرائيلي من مسألة النووي الإيراني والتفاوض مع أمريكا؟
تتبنى إسرائيل موقفاً متشدداً يرفض أي تساهل مع إيران بشأن ملفها النووي، وتؤكد على ضرورة بقاء الخيار العسكري مطروحًا كوسيلة ردع نهائية. تزايد التوتر بين نتنياهو وإدارة ترامب ينبع من اختلاف الرؤية، حيث يدعم ترامب الدبلوماسية كخيار أول، بينما يدعو نتنياهو إلى ضغوط أقسى وإجراءات عسكرية لمنع إيران من التسلح النووي. هذا الخلاف يعكس تباينًا في أولويات الأمن والاستراتيجية بين واشنطن وتل أبيب.
نعود إلى فلسطين.. هل ترى أن ترامب يُدرك تماماً أن الحل الأمثل للقضية الفلسطينية هو حل الدولتين؟
الرئيس ترامب يدرك أن حل الدولتين غير مطروح حالياً، ولكنه يركز في الوقت الراهن على ضرورة إيقاف النزاع في غزة ورفع معاناة المدنيين، مع البحث عن حلول عملية تهيئ الأرضية لمفاوضات مستقبلية. هو يعترف بوجود تحديات كبيرة تعوق تطبيق الحل، ويعمل على استثمار علاقات واشنطن مع الدول العربية للتوصل إلى توافقات تدعم السلام الشامل.
هل تنجح خطة إسرائيل لتفتيت قطاع غزة وتحويله إلى غزة صغيرة؟
خطة إسرائيل لتقسيم قطاع غزة تواجه عقبات متعددة، منها المقاومة الشعبية الفلسطينية التي ترفض التفتيت، والتعقيدات الجغرافية والسياسية التي تحول دون تنفيذ ذلك بشكل كامل. كما أن الدعم الدولي لحقوق الفلسطينيين، والتدخلات الإقليمية، يشكلان عائقًا كبيرًا أمام نجاح هذه الخطة، التي تبدو كجزء من استراتيجية إسرائيل لتقليل التهديدات الأمنية، لكنها تواجه مقاومة داخلية وإقليمية متصاعدة.
كيف ترى التنسيق الفلسطيني اللبناني بشأن حصر السلاح في يد الدولة هل يتم ذلك؟
التنسيق الفلسطيني اللبناني بشأن حصر السلاح بيد الدولة لا يزال في مراحل أولية ومعقدة للغاية. لبنان يواجه تحديات بنيوية سياسية وأمنية كبيرة، خصوصًا مع وجود جماعات مسلحة متعددة داخل الحدود، من بينها فصائل فلسطينية تاريخيًا. رغم بعض المحاولات الرسمية لتوحيد السلاح تحت سلطة الدولة، فإن الواقع على الأرض يعكس هشاشة هذا التنسيق بسبب الانقسامات الداخلية اللبنانية وتأثير القوى الإقليمية. في ظل الإدارة الأمريكية الحالية التي تسعى لدعم استقرار لبنان، يتم تشجيع الحوار بين الأطراف اللبنانية والفلسطينية، لكن نجاح حصر السلاح يتطلب توافقًا داخليًا أكبر، وضغوطًا إقليمية متوازنة، ودعم دولي مستمر.
هل تنجح خطة لبنان في حصر السلاح بيد الدولة؟
نجاح خطة لبنان في حصر السلاح بيد الدولة يواجه عقبات كبيرة على المستويين السياسي والعملي. فالتوترات الطائفية والتوازنات الإقليمية تجعل من الصعب فرض سلطة الدولة على جميع الجماعات المسلحة، خاصة في ظل استمرار النفوذ الإيراني عبر حزب الله، الذي يحتفظ بأسلحته تحت ذريعة المقاومة. رغم الدعم الدولي والإقليمي لمحاولة إعادة بناء الدولة اللبنانية وتوحيد المؤسسات الأمنية، فإن الخطة ستحتاج إلى ضمانات سياسية حقيقية وتوافق داخلي قوي، بالإضافة إلى تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي يعزز سلطة الدولة ويحد من انتشار الميليشيات.
0 تعليق