30 مايو 2025, 3:51 مساءً
في زحام المشاعر المقدسة، وسط أمواج بشرية تتدفق من منى إلى عرفات ثم إلى مزدلفة، يقف حاج خمسيني يتأمل بطاقة إلكترونية معلّقة على صدره. قد تبدو للوهلة الأولى بطاقة تعريف بسيطة، لكنها في الحقيقة بوابة عبور، مفتاح إقامة، ورمز تحوّل في فلسفة الحج الحديثة.
من البطاقة الورقية إلى الهوية الرقمية
حتى وقت قريب، كان تنظيم الحج يعتمد على الأساور الورقية والبيانات المطبوعة. أما اليوم، فقد جاءت "بطاقة نسك" لتكون امتداداً رقمياً لهوية الحاج، تحمل في طياتها بياناته الأساسية، وخطته الزمنية، وموقع إقامته، وتنظيم تنقلاته.
وبحسب وزارة الحج والعمرة، تُعد بطاقة نسك أداة ذكية تُمكّن الحاج من الدخول إلى المخيمات، وتقديم الخدمات له بسهولة، وربط رحلته بكافة الجهات ذات العلاقة، في نموذج رقمي متكامل يسعى إلى (تحقيق التميز في إدارة تجربة ضيف الرحمن).
التنظيم الناعم وسط الحشود
أحد أبرز التحديات في موسم الحج هو إدارة الحشود دون المساس بجوهر الرحلة الروحية. بطاقة نسك لا تسهّل فقط عملية التنظيم الأمني واللوجستي، بل تساهم أيضاً في تحسين تجربة الحاج من خلال تقليل الانتظار وتعزيز التوجيه.
فبمجرد وصول الحاج، يتم تفعيل البطاقة التي تُربط بالأنظمة المركزية، وتساعد الجهات الأمنية والطبية والإدارية على التعرف السريع على الحاج، وتقديم الخدمة له حسب موقعه وخطته الزمنية، ما يُعد نقلة نوعية في إدارة الملايين في وقت واحد.
ما وراء البطاقة: نموذج دولة رقمية
لكن التحول الذي تقوده وزارة الحج والعمرة لا يقتصر على موسم الحج فحسب، بل يعكس توجّه المملكة الكامل نحو التحول الرقمي في الخدمات الحكومية. فبطاقة نسك هي في حقيقتها حلقة في منظومة أكبر تعتمد على الذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، وتكامل الأنظمة بين وزارات متعددة.
تجربة الحج في السعودية تمر بمرحلة غير مسبوقة وحين يعلّق الحاج بطاقة "نسك" على صدره، فإنه لا يحمل قطعة بلاستيكية فحسب، بل يحمل أثر منظومة متكاملة بُنيت على مدار سنوات، تتقاطع فيها التقنية مع التنظيم، والخبرة مع التطلّع.
كل تفصيل في هذه البطاقة يروي قصة بلد جعل من خدمة الحاج شرفاً، ومن التنظيم فناً، ومن الرؤية واقعاً حياً، يُترجم على أرض المشاعر المقدسة كل عام، بثبات وطمأنينة لا يعرفها سوى من وطأت قدماه منى وارتوى قلبه من عرفات.
0 تعليق