الدوحة ـ في خطوة جديدة نحو ترسيخ مكانتها كوجهة سياحية صاعدة، تجري في قطر أعمال تنفيذ مشروع "سميسمة السياحي المتكامل"، أحد أضخم المشاريع العقارية والترفيهية في البلاد، والذي أعطيت انطلاقته رسميا.
ويمتد المشروع على مساحة شاسعة تبلغ 8 ملايين متر مربع على بعد 40 كلم شمال الدوحة، على واجهة بحرية خلابة بطول سبعة كيلومترات، ليرسم ملامح تطور سياحي جديد يعزز التنوع الاقتصادي، ويضع قطر على خارطة الاستثمار العالمي بمزيج يجمع بين الفخامة والاستدامة.
وأعلنت شركة الديار القطرية للاستثمار العقاري في أوائل يونيو/حزيران الحالي عن بدء تنفيذ المشروع، مؤكدة أن شاطئ سميسمة، بما في ذلك القسم العائلي، سيظل مفتوحا للعامة، بالتزامن مع تنفيذ المشروع، مع اتخاذ كافة التدابير اللازمة لضمان سلامة الزوار والحفاظ على خصوصيتهم.
وكانت الإعلان رسميا عن المشروع لأول مرة في يونيو/حزيران 2024، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2024 وضع حجر الأساس لأول مشروع تطوير رئيسي ضمن مشروع سميسمة المتكامل، وحمل المشروع اسم "ذا لاند أوف ليجيندز" (أرض الأساطير) وهو شراكة بين شركة "إف تي جي" للتطوير التركية وشركة الديار القطرية.
وفي آخر أبريل/نيسان الماضي، وقعت مؤسسة ترامب أول اتفاق تطوير عقاري لها في قطر، وذلك ضمن مشروع سميسمة.
ويأتي مشروع سميسمة ضمن استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة (2024-2030)، ويعد ركيزة مهمة في جهود تنويع الاقتصاد الوطني، وتعزيز مساهمة القطاع غير النفطي، وتحفيز الاستثمارات الخاصة، إلى جانب خلق فرص عمل واسعة في مختلف القطاعات.

تحالفات متنوعة
يمثل مشروع سميسمة نموذجا معقدا من الشراكات الاستثمارية، إذ تتولى "الديار القطرية" دور المطور الرئيسي والمُمكِن العام، بينما تشارك شركة "إف تي جي" (FTG) التركية في تطوير منطقة الترفيه، والتي تضم مدينة ألعاب متكاملة ومرافق تجارية وسكنية.
إعلان
وفي خطوة أثارت اهتماما دوليا، أدرجت علامة ترامب التجارية ضمن المشروع بعد توقيع اتفاقية مع شركة "دار غلوبال بي إل سي" (DAR Global Plc) العالمية، لتطوير "نادي ترامب الدولي للغولف"، والمكون من 18 حفرة وفق المواصفات العالمية، إضافة إلى وحدات سكنية فاخرة تحمل اسم ترامب.
وستُشرف شركة "ترامب إنترناشيونال" على تشغيل هذه المكونات، في ظل خبرتها في إدارة ملاعب الغولف الفاخرة حول العالم.
رؤية متكاملة
وفي تصريح خاص للجزيرة نت، أوضحت شركة الديار القطرية أن مشروع سميسمة سيقدم تجربة سياحية متكاملة، تضيف معلما حضاريا جديدا إلى خارطة السياحة القطرية، حيث يضم أربع مناطق متميزة تشمل منتجعات، مدينة ألعاب، ملعب غولف، فلل سكنية، مارينا لليخوت، ومرافق تجارية ومطاعم راقية.
وشددت الشركة على أن الاستدامة ستظل محورا أساسيا في تنفيذ المشروع، حيث سيتم توظيف أحدث الأنظمة الذكية، واستخدام المواد المحلية المعاد تدويرها، بالتنسيق مع وزارة البيئة والتغير المناخي لضمان الحد من الأثر البيئي.
ويعتمد المشروع على نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ويتيح فرصا واسعة للقطاع الخاص المحلي والدولي، إذ أعلنت "الديار القطرية" أن 16 قطعة أرض داخل المشروع ستكون متاحة للاستثمار في المرافق السياحية والمنتجعات، مع توقع دخول شركات جديدة خلال المراحل المقبلة.
وتؤكد الشركة أن هذه الشراكات تمثل ضمانا لتنوع هوية المشروع، واستدامة تشغيله وفق أعلى المعايير العالمية.

50 ألف وظيفة جديدة
بحسب تقديرات "الديار القطرية"، يتوقع أن يوفر المشروع نحو 50 ألف فرصة عمل تشمل مجالات الإنشاءات، والخدمات السياحية، والهندسة، والإدارة، مما يسهم في دعم سوق العمل القطري وتنشيطه بعد تباطؤه عقب تنظيم كأس العالم 2022.
ويرى الخبير في الاقتصاد السياسي الخليجي عبد الرحيم الهور أن مشروع سميسمة يتجاوز كونه مشروعا سياحيا، ليصبح أداة إستراتيجية لتحفيز قطاعات متعددة في الاقتصاد القطري.
وفي حديثه للجزيرة نت، يقول الهور "نحن بحاجة في هذه المرحلة إلى مشاريع ضخمة تعيد الحياة لقطاع الإنشاءات، وتنشط قطاعات مثل العقار والنقل والتسويق"، مشيرا إلى أن المشروع يولد وظائف نوعية في الأمن السيبراني الفندقي، والإدارة الرياضية، والتسويق العقاري الفاخر.
وحول الشراكة مع علامة ترامب، رأى الهور أنها تحمل رسالة سياسية اقتصادية ناعمة بشأن متانة العلاقات القطرية الأميركية، لكنها في الوقت ذاته تتطلب توفير بدائل سياحية محلية أثناء تنفيذ المشروع لضمان توازن اجتماعي في منطقة، لطالما ارتبط سكانها بشاطئها العام.

تجربة ممتدة
وتقول الخبيرة السياحية الشيخة غادة آل ثاني، رئيسة مجلس إدارة إحدى شركات السياحة القطرية، إن المشروع ينقل تجربة السياحة في البلاد إلى مرحلة جديدة قائمة على "تنوع التجربة وامتداد الإقامة".
وفي حديثها للجزيرة نت، أوضحت الشيخة غادة أن الجمع بين مدينة ألعاب وملعب جولف ومارينا ومنتجعات في مكان واحد "يعزز من جاذبية قطر كوجهة إقامة طويلة، خاصة على المستوى الخليجي، في حال إطلاق التأشيرة السياحية الخليجية الموحدة".
إعلان
ورأت أن نجاح المشروع لن يكون مرهونا بالبناء فقط، بل بطريقة دمجه في الرواية السياحية الوطنية، قائلة "يجب تقديم المشروع كوجهة متكاملة قائمة على الاستدامة والابتكار، لا كمجرد منتجع فاخر".
وشددت على ضرورة استمرار التواصل مع المجتمع المحلي خلال فترة التنفيذ، مؤكدة أن المشروع إذا وجه إعلاميا وخدميا بطريقة ذكية فسيصبح "أداة تسويق لنفسه دون الحاجة إلى حملات خارجية مكلفة".
0 تعليق