من أجل منظومة مرورية ذكية تحفظ حياة المصريين - هرم مصر

الاسبوع 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

لم تعد الحوادث المتكررة على الطرق في مصر مجرد أرقام تُسجَّل في دفاتر المرور أو تقارير المستشفيات، بل تحولت إلى ظاهرة تهدد أرواح المواطنين وتستنزف موارد الدولة. في المقابل، نرى دولًا عديدة - بعضها في محيطنا العربي - استطاعت أن تُحوّل طرقها إلى مساحات آمنة بفضل منظومات مرورية ذكية، تعتمد على التكنولوجيا والانضباط، وتؤمن بأن سلامة الإنسان تسبق كل شيء.

لقد عشت سنوات طويلة في إحدى دول الخليج، ولم أرَ خلالها حادثًا سببه هبوط طريق أو حفرة قاتلة أو غياب لافتة تحذيرية. فكل شيء هناك يعمل ضمن نظام إلكتروني دقيق، يبدأ من تصميم الطريق وينتهي عند ربط الغرامات بالخدمات الشخصية.

وهنا تكمن الفجوة التي يجب أن نسدها.

منظومات المرور الحديثة: معايير عالمية صارمة، ففي الدول المتقدمة، تُدار منظومة المرور وفق ثلاثة محاور رئيسية:

أولًا: هندسة الطرق القائمة على الدراسات العلمية

لا يتم إنشاء طريق إلا بعد دراسة كاملة للتربة، وتحليل طبقاتها، وتحديد المواد المناسبة لها. تُبنى الطرق هناك على معايير تضمن ثباتها لعشرات السنوات، مهما كانت الظروف الجوية أو الكثافة المرورية.

ثانيًا: الرقابة الإلكترونية الشاملة

لا وجود للرقابة البشرية التقليدية إلا في أضيق الحدود، بل تُدار منظومة المرور من خلال:

كاميرات ذكية ترصد كل مخالفة.

رادارات متصلة بتطبيق موحد لكل مواطن ومقيم.

نظام غرامات فوري، يُخطر المخالف خلال ثوانٍ.

ربط الغرامات بجميع الخدمات (البنوك، الرخص، التأشيرات، جوازات السفر).

ثالثًا: الفحص الفني الدوري للمركبات

لا يمكن لأي سيارة أن تُجدد رخصتها دون اجتياز فحص فني شامل يتم عبر أجهزة إلكترونية، وتقرير رقمي يُرسل لصاحب المركبة، ويُمنح مهلة لإصلاح الأعطال، وفي حالة التأخر يُعاد الفحص برسوم جديدة.

إدارة الحوادث.. نموذج يُحتذى

حين تقع حادثة مرورية، لا تُترك الأمور للفوضى أو الاجتهاد، بل يُستخدم تطبيق إلكتروني يتيح للأطراف تصوير موقع الحادث وإرساله إلى شركة معتمدة، تقوم خلال دقائق بإرسال موظف مختص لتقدير نسب الخطأ، وتحديد المتسبب. بعدها تُرسل البيانات إلى شركة التأمين إلكترونيًا، ويتم صرف التعويض للمتضرر في وقت قياسي، دون تعطيل أو مماطلة.

المشهد في مصر.. الحاجة إلى تحرك سريع

لا يمكن إنكار ما قامت به الدولة من جهود ضخمة في تطوير الطرق والبنية التحتية خلال السنوات الماضية، ولكن لا تزال بعض الجوانب الإدارية والتقنية في منظومة المرور بحاجة إلى تطوير جذري. فغياب الرقابة الإلكترونية، وتعدد الجهات، وانتشار مركبات غير مرخصة مثل "التوك توك"، وضعف الفحص الفني، كلها أسباب تؤدي إلى تكرار الكوارث.

رؤية شاملة لتحديث منظومة المرور في مصر

من موقعي ككاتب صحفي، وبدافع من إحساسي بالمسؤولية الوطنية، أطرح هذه الرؤية القابلة للتطبيق:

1. إطلاق منظومة رقابة مرورية إلكترونية شاملة

بالتعاون بين وزارات الداخلية والنقل والاتصالات، لتتضمن كاميرات ذكية، رادارات متطورة، وتطبيق رقمي موحد لكل مواطن.

2. ربط الغرامات بكافة الخدمات الحكومية

بحيث لا يمكن تجديد رخصة، أو استخراج جواز سفر، أو إجراء معاملة بنكية دون تسوية الغرامات.

3. إلزامية الفحص الفني الإلكتروني قبل التجديد

وإنشاء مراكز فحص معتمدة منتشرة في المحافظات، وربطها إلكترونيًا بهيئة المرور.

4. تنظيم شامل لمركبات "التوك توك" والمركبات غير المرخصة

بمنح مهلة زمنية لتقنين أوضاعها أو إلغائها تدريجيًا واستبدالها بمركبات آمنة مرخصة.

5. إدارة الحوادث عبر شركات متخصصة مرتبطة بالتأمين

لتقدير الخسائر وتعويض المتضررين دون عناء أو تعقيد.

كلمة أخيرة

إن بناء الإنسان لا يقل أهمية عن بناء الحجر، وكرامة المواطن تبدأ من شعوره بالأمان في الطريق. نملك العقول والكوادر والتقنيات، وما نحتاجه فقط هو الإرادة والتنفيذ. مصر تستحق منظومة مرورية تليق بتاريخها وشعبها، وتُحاكي المستقبل الذي نبنيه معًا بقيادة رشيدة لا تقبل إلا بالجودة والانضباط.

اقرأ أيضاً
جمال رشدي: الجامعة العربية ستترافع أمام «العدل الدولية» الاثنين المقبل

تطوير منطقة الأهرامات بين مخاوف المرشدين وتكدس السائحين وضغوط المستفيدين

للحد من حوادث الطرق.. حملات مرورية لرصد المخالفات بـ محاور القاهرة والجيزة

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق