غزة- تراقب الجريحة حنان ديب جسدها وهي تفقد منه جزءا بعد آخر، منذ إصابتها وجميع أفراد أسرتها في غارة جوية إسرائيلية تسببت في حرق خيمتها بمدينة دير البلح، وسط قطاع غزة.
وقعت هذه الغارة يوم 16 يناير/كانون الثاني الماضي على مقربة من الخيمة التي نزحت إليها حنان (40 عاما) وزوجها ياسر (41 عاما) وأبناؤهما الخمسة، وأدت الغارة إلى احتراق الخيمة بالكامل، وأصيبت الأسرة بأكملها بجروح وحروق خطيرة، اضطر الأطباء على إثرها لبتر أصابع قدمي الأم، و3 أصابع من القدم اليمنى لزوجها.
تقول حنان -للجزيرة نت- إن 3 من أبنائها الخمسة يعانون إصابات متفاوتة، بين متوسطة إلى خطيرة، وقد استقرت شظية في رأس ابنها محمد (11 عاما)، وفقد ابنها عمرو (13 عاما) الإبصار في إحدى عينيه جراء إصابة بليغة بالوجه، وأصيب الابن الأكبر عماد (20 عاما) بكسر في ساقه استدعى عملية جراحية وتركيب شرائح بلاتين.

أُسرة جريحة
كانت أسرة ديب، النازحة من مدينة غزة، تقيم في الخيمة منذ بدايات اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع عقب عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ونتيجة الغارة الجوية على هدف مجاور، تشتت شمل الأسرة، حيث يرقد الوالدان مع أحد الأبناء في "مستشفى شهداء الأقصى" بمدينة دير البلح، ويتملك القلق الأم على نفسها وأبنائها، وترفض وذويها بشدة بتر قدمها اليسرى رغم قرار الأطباء، وتمني نفسها بسفر قريب للعلاج بالخارج وإنقاذ قدمها.
تمتلك هذه الأسرة تحويلات طبية للعلاج بالخارج، وحسب حديث أحمد الصبيحي (شقيق حنان) للجزيرة نت، وهو الذي يتولى التواصل مع منظمة الصحة العالمية، فإن المنظمة أخبرته أنها تعد قوائم الجرحى والمرضى للسفر، ولا تمتلك شيئا سوى انتظار فتح المعابر من أجل سفرهم للعلاج.
إعلان
"كل يوم تأخير يزداد الخطر ونقترب أكثر من البتر"، وقد بدأ الأطباء ببتر أصابع القدم اليمنى لحنان، ومن ثم أصابع القدم اليسرى، ومع مرور الوقت أوصى الأطباء ببتر كامل القدم اليسرى للسيطرة على آثار الإصابة ومنع تفاقمها، "ولكننا -الأسرة- رفضنا، ونتمسك بأمل سفرها وإنقاذ قدمها"، يقول الصبيحي.
وبسبب شظية أصابتها في رأسها واستقرت بالدماغ، تعاني حنان من ضعف القدرة على الحديث والكلام، وأثرت على حركة إحدى يديها، والجانب الأيمن من وجهها، علاوة على حروق من الدرجتين الثالثة والرابعة أصابتها وجميع أفراد أسرتها، وتقول بلسان ثقيل: "الحمد لله على كل حال، وأدعوه ليلا ونهارا أن يعجل بسفري لتلقي العلاج، حتى أتمكن من القيام بدوري، زوجة وأمًا، وتربية أبنائي".
يرقد ياسر على سرير مجاور لزوجته، وطوال الحديث معهم، فضّل التزام الصمت، وعنه يقول الصبيحي: "إنه مهدد ببتر نصف قدمه اليمني، بعد بتر 3 أصابع منها".
تنهار صحة أفراد هذه الأسرة يوما بعد يوم، ووفقا للصبيحي، فإن الإسراع في سفر شقيقته وزوجها وأبنائهما يزيد من أمل شفائهما، ويوقف "سكين البتر" القريبة من جسدي حنان وياسر، ويعيد لعمرو الرؤية في عينه التي تزداد حالتهما سوءا ويكاد يفقد الرؤية فيها تماما.
حصار المرضى
ويفرض الاحتلال قيودا مشددة على سفر الجرحى والمرضى منذ اندلاع الحرب، وازدادت هذه القيود تعقيدا إثر إغلاقه المعابر كافة في الثاني من مارس/آذار الماضي، واستئنافه الحرب يوم 18 من الشهر ذاته.
وكان معبر رفح البري مع مصر المنفذ الوحيد للغزيين على العالم الخارجي، غير أنه مدمر ومغلق كليا منذ اجتياح الاحتلال مدينة رفح على الحدود الفلسطينية المصرية في أقصى جنوب القطاع في السادس من مايو/أيار 2024، واحتلال المدينة بالكامل حتى اللحظة.
ولم تحظَ المريضة إيمان أحمد (37 عاما) بفرصة للسفر والعلاج من مرض الفشل الكلوي، رغم أن لديها تحويلة طبية منذ ما قبل احتلال مدينة رفح.
وكان من المفترض أن يعاين حالة إيمان أحمد وفد طبي أجنبي، غير أن الاحتلال لم يسمح له بالمرور والوصول إلى القطاع، الذي تعاني مستشفياته ومرافقه الصحية من حالة انهيار، وضعف في القدرات البشرية والمادية، جراء الاستهداف الإسرائيلي المباشر بالقصف والاقتحام والاعتقال، وغير المباشر بالحصار ومنع الإمدادات الطبية.

هذه المريضة متزوجة ولديها طفلان، وتقيم مع أسرتها في خيمة قريبة من مستشفى شهداء الأقصى، وتقول للجزيرة نت إنها نزحت من مدينة غزة، وأقامت في خيمة قريبة من المستشفى لسهولة الوصول إلى وحدة غسيل الكلى، في ظل أزمة مواصلات حادة.
وتعاني إيمان من هذا المرض منذ 7 أعوام، وتخضع لجلسات غسيل كلى 3 مرات أسبوعيا، بمعدل ساعتين في الجلسة الواحدة، وترى أنها غير كافية، إذ كانت الجلسة تصل إلى 4 ساعات قبل اندلاع الحرب، وقد اضطرت المستشفيات لتقليص المدة الزمنية جراء نقص الأجهزة ولاستيعاب الضغط الهائل من المرضى.
إعلان
وفي الآونة الأخيرة، تدهورت الحالة الصحية لهذه المريضة، وانخفض وزنها من 65 كيلوغراما إلى 50 كيلوغراما، نتيجة المجاعة وسوء التغذية وعدم توفر الغذاء الصحي المناسب لحالتها الصحية، وبعدما كان الأمل يحذوها بالعلاج واستعادة صحتها مع تطوع شقيقها للتبرع لها بإحدى كليته، فإنها تخشى الآن أكثر من أي وقت مضى من الموت، وتشعر بالقلق الشديد على طفليها.

شهداء مع وقف التنفيذ
ويقول مسؤول ملف إجلاء الجرحى والمرضى في وزارة الصحة مدير أقسام الأطفال والتوليد في مجمع ناصر الطبي الدكتور أحمد الفرا، للجزيرة نت، إن 14 ألف جريح ومريض مسجلون على قوائم السفر للعلاج بالخارج، وحياتهم رهينة بفتح الاحتلال للمعابر.
ومن بين هؤلاء، فقد 546 أرواحهم وهم ينتظرون فرصة السفر، في وقت يحكم فيه الاحتلال حصاره المشدد على القطاع ويغلق المعابر، ويعرقل السفر للعلاج. ويخشى الدكتور الفرا من ارتفاع عدد الشهداء من المرضى والجرحى على قوائم الانتظار ما لم يتم فتح المعابر سريعا وتمكينهم من السفر وتلقي العلاج المناسب بالخارج.
ويوضح المسؤول الصحي أن واقع هذه الفئة من الجرحى والمرضى، وهي الأشد احتياجا للسفر بغية العلاج، قد ازداد سوءا وتدهورا منذ تشديد الحصار واستئناف الحرب في مارس/آذار الماضي.
واتهم الدكتور الفرا الاحتلال بارتكاب "جرائم قتل صامتة" بحق آلاف الجرحى والمرضى، عبر وضع المعوقات في طريق سفرهم، وانتهاج سياسة ممنهجة وإجراءات معقدة، تقوم على العبث بأولويات السفر، وبينما يعرقل سفر المرضى والحالات الإنسانية عموما، فإنه يسمح من حين إلى آخر لحالات فردية ومحدودة بالسفر عبر معابر ومنافذ خاضعة لسيطرته العسكرية.
ويعتبر مرضى الكلى الأكثر تضررا من هذه السياسة المعقدة، وقد فقد أكثر من 40% من بين 1150 مريضا حياتهم منذ اندلاع الحرب، بسبب القيود الإسرائيلية على السفر، ولعدم توفر الخدمة الطبية المناسبة لهم، حسب بيانات رسمية لوزارة الصحة الفلسطينية.
0 تعليق